كسوة الكعبة .. بدأت خصفاً وصارت ذهباً

 

اختلفت الروايات في أول من كسا الكعبة المعظمة فبعض العلماء يقولون إن إسماعيل عليه السلام هو أول من كساها، ومنهم من قال إنه عدنان الجد الأعلى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الرواية الأرجح هي أن تبّع الحميري ملك اليمن هو أول من كساها بالخصف، وبعد ذلك كساها الكثيرون في الجاهلية وكان ذلك واجباً من الواجبات الدينية. وفي عهد قصي بن كلاب فرض على قبائل قريش رفادة كسوة الكعبة سنويا بجمع المال من كل قبيلة كل حسب مقدرتها، حتى جاء أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي وكان من أثرياء قريش فقال: أنا أكسوها وحدي سنة، وجميع قريش سنة، وظل يكسو الكعبة إلى أن مات، وكانت تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر. وأول أمرأة كست الكعبة هي نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبد المطلب إيفاء لنذر نذرته .

وذات مرة أرادت امرأة تبخير الكعبة فاحترقت كسوتها من الخصف فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثياب اليمانية وبعد ذلك كساها الخلفاء الراشدون، وبعد الخلافة الراشدة كان الخلفاء الأمويون والعباسيون ثم المماليك والأتراك يتنافسون على كسوة الكعبة ويتفنون فيها حتى حج الخليفة العباسي سنة 160هـ فشكا إليه السدنة الأمر، فأمر بألا يسدل على الكعبة أكثر من كسوة واحدة واستمر ذلك إلى الوقت الراهن .

صناعة الكسوة :
وحظيت مصر بشرف صناعة كسوة الكعبة المشرفة منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وكانت تصنع في مدينة الفيوم على بعد 70 كلم من القاهرة، واستخدم لذلك قماش مصري فاخر لونه أبيض يعرف باسم “القباطي”، ثم تعددت أماكن صناعة الكسوة في المدن المصرية، حتى استقرت بعد ذلك في دار سميت “دار كسوة الكعبة” بحي الخرنفش بالقرب من باب الشعرية بالقاهرة عام 1233هـ ومازالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعتها. وقد استمر العمل في تلك الدار حتى عام 1962م إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها .


وفي عام 1346هـ أمر المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله بإنشاء دار خاصة لعمل كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وتم توفير كل ما يحتاج إليه العمل وافتتح مصنع كسوة الكعبة في منتصف العام نفسه وفيه تم إنتاج كسوة الكعبة المشرفة ليصبح هذا الشرف العظيم منوطاً بالمملكة العربية السعودية.

ثوب الكعبة :
واستمر المصنع ينتج ثوب الكعبة المشرفة ومع التقدم الحضاري العالمي في فن النسيج وتقنيته أراد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله أن يواكب هذا التطور التقني فيطور مصنع الكسوة بما يحقق أفضل وأمتن وأجمل إنتاج لثوب الكعبة فصدر أمره السامي في عام 1392هـ 1972م بتجديد مصنع الكسوة بأم الجود بمكة المكرمة، وتم افتتاحه تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله عندما كان ولياً للعهد وذلك في ربيع الآخر سنة 1397هـ - الموافق 26 مارس 1977م . وقد بدأ المصنع بأقسام ثلاثة هي الحزام والنسيج اليدوي والصباغة ثم أضيفت إليه ثلاثة أقسام أخرى هي النسيج الآلي والطباعة والأعلام والستارة الداخلية .


وتبلغ التكلفة الإجمالية لكسوة الكعبة 20 مليون ريال حيث تصنع من الحرير الطبيعي الخاص الذي يتم صبغه باللون الأسود ووزنه 670 كجم، كما يبلغ عدد العاملين في إنتاج الكسوة 240 عاملاً وموظفاً وإدارياً وفنياً، أما الآيات فتنسج بخيوط مكونة من أسلاك فضية مطلية بماء الذهب تنقش على كسوة الكعبة: “لا إله إلا الله محمد رسول الله، الله جل جلاله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ياحنان يا منان، يارحمن يارحيم” وتحت حزام الكعبة سورة الإخلاص .


ويبلغ ارتفاع الكسوة 14 متراً ويوجد في الثلث الأعلى منه الحزام الذي يبلغ عرضه 95 سم وبطول 47 م ومكون من ست عشر قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية كما توجد تحت الحزام آيات قرآنية مكتوب كل منها داخل إطار منفصل .


وتبدل كسوة الكعبة مرة كل عام في التاسع من شهر ذي الحجة بينما يكون الحجيج في صعيد عرفات أما غسيل الكعبة فيتم مرتين كل عام في شهري شعبان وذي الحجة ويستخدم لغسلها ماء زمزم ودهن العود وماء الورد وتغسل الجدران الأربعة والأرضية وتجفف ثم تعطر بدهن العود الثمين .

 

المصدر : جريدة المدينة - الأر بعاء 1/11/1429هـ - ع: 16632 - ص : 33 - عصام الحيدري .