الأماكن الاسلامية في مكة وعناية الملك عبد العزيز بها (4)

دار أم المؤمنين خديجة أفضل الأماكن في مكة بعد المسجد الحرام

أثارت مقولة إزالة بعض المواقع الإسلامية المأثورة وتغيير مسميات بعضها الآخر في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة جدلا واسعا في المشهدين الفكري والإعلامي، وتقدم لتأييدها عدد من المشايخ والمفكرين والمثقفين بينما تصدى لها وناقض أطروحاتها فصيل آخر من هذه الشرائح، كما شارك في التجاذب الفكري حولها عدد من كتاب الرأي في وسائلنا الإعلامية. ولأهمية الموضوع وحاجته للبحث المتعمق المدعوم بالأدلة والأسانيد تنشر «عكاظ» على عدة حلقات مسلسلة دراسة أكاديمية قام بإعدادها الشيخ الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء، تتناول هذا الموضوع وتضع النقاط على الحروف المدعومة بالأدلة والشواهد على التساؤلات الإشكالية المهمة التي أطلقها المؤيدون والمعارضون لهذا الموضوع.

انتقل الأزرقي إلى عنوان جديد آخر: (ذكر المواضع المباركة بمكة المشرفة المعروفة بالمواليد) بدأها بقوله: "هذه المواضع هي مساجد, وإنما هي معروفة عند الناس بـ(المواليد), ولذلك أفردناها عن المساجد بالذكر فمنها:
1- المولد الذي يقال له: مولد النبي صلى الله عليه وسلم بالموضع الذي يقال له: سوق الليل, وهو مشهور عند أهل مكة... وذكر السهيلي ما يستغرب في تعيين الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم, وفيمن بناه, لأنه قال: وولد بالشعب, وقيل بالدار التي عند الصفا, وكانت بيد محمد بن يوسف أخي الحجاج, ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت.وذكر الحافظ علاء الدين مغلطاي في سيرته ما يستغرب أيضا في تعيين الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال فيما أنبئت به عنه: ولد بمكة, ثم قال في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف, ويقال بالشعب, ويقال بالردم, وقيل بعسفان، انتهى.
والمستغرب من ذلك ما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد بالردم, وقيل بعسفان, والقول بأنه ولد بالردم رواه أبو حفص بن شاهين في الناسخ والمنسوخ لأنه قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن السكن, حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالردم, وختن بالردم, واستبعث من الردم, وحمل من الردم, قال البكري: ردم بني جمح بمكة كانت فيه حرب بينهم وبين بني محارب بن فهر، فقتلت بنو محارب من بني جمح أشد القتل, فسمي ذلك الموضع بما ردم عليه من القتل. انتهى، (38)
ثم تحدث فيما بعد عن الموضوعات التالية في ما يخص هذا المكان الشريف: ما ورد في بركة الموضع، وصفته على ما أدركه الفاسي رحمه الله تعالى وتحديد مساحته، وأخيرا ذكر أسماء الخلفاء الذين تولوا عمارته.
2- "ومنها الموضع الذي يقال له: مولد فاطمة رضي الله عنها: هذا المكان من دار أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، في الزقاق المعروف بزقاق الحجر بمكة المشرفة...". (39)
وقد تكلم عن هذا الموقع مرة أخرى في (ذكر الدور المباركة في مكة المشرفة) فقال: منها دار خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، وتعرف هذه الدار بـ(مولد فاطمة رضي الله عنها) لكونها ولدت فيه هي وإخوتها، أولاد خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم.. وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد، لأن فيها رواقا، وسبعة عقود على ثمانية أساطين في وسط جداره القبلي ثلاثة محاريب..... وهي ثلاثة مواضع:
الأول: الموضع الذي يقال له: مولد فاطمة.
والثاني: الموضع الذي يقال له قبة الوحي وهو ملاصق لمولد فاطمة.
والثالث: الموضع الذي يقال له: المختبأ، وهو ملاصق لقبة الوحي.... (40).
وهذه الدار أفضل الأماكن بمكة بعد المسجد الحرام، على ما ذكر المحب الطبري، ولعل ذلك لسكنى النبي صلى الله عليه وسلم فيها سنين كثيرة من حين تزوج خديجة وإلى حين هاجر، ولكثرة نزول الوحي عليه فيها.
وفيها بنى النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة، وفيها ولدت أولادها منه، وفيها ماتت رضي الله عنها.
3- ومنها الموضع الذي يقال له مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قريبا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاه مما يلي الجبل، وهو مشهور عند أهل مكة بذلك لا اختلاف بينهم فيه، ولم يذكره الأزرقي، وذكره ابن جبير، وعلى بابه مكتوب: هذا مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وفيه ربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بعمله سيدنا ومولانا أبوالعباس أحمد بن الناصر لدين الله أمير المؤمنين في سنة ثمان وستمائة.... (41)
ثم تكلم على صفة المكان، وذرعه.
4- ومنها الموضع الذي يقال له مولد جعفر الصادق بالدار المعروفة بدار أبي سعيد بقرب دار العجلة، لأن على بابه حجرا مكتوبا فيه: (هذا مولد جعفر الصادق، ودخله النبي صلى الله عليه وسلم.... (42) ثم ذكر مساحته ومن قام بعمارته.
ثم وضع تحت عنوان (ذكر الدور المبارك بمكة المشرفة) فجاءت منتظمة حسب الترتيب التالي:
دار أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، وقد سبق الحديث عنه.
5- ومنها على ما يقال دار لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، بهذا الزقاق (زقاق الحجر)، وهي مشهورة فيه، وعلى بابها حجر مكتوب فيه: هذه الدار دار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، ورفيقه في الأسفار.... (43) ثم تناول الجانب التاريخي لهذه الدار، ووصف المسجد الذي بها.
6- ومنها دار الأرقم المخزومي، وهي الدار المعروفة بدار الخيزران عند الصفا:
والمقصود بالزيارة منها هو المسجد الذي فيها، وهو مشهور من المساجد التي ذكرها الأزرقي... ولعل هذا الموضع أفضل الأماكن بمكة بعد دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، لكثرة مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيه يدعو الناس للإسلام مستخفيا، وإقامته صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع دون إقامته بدار خديجة، ولذلك كانت أفضل من هذا الموضع والله أعلم. (44)
وقد تكلم عن وصف هذا المسجد، ومساحته، والكتابة الموجودة على اللوحة الموجودة فيه.
7- ومن الدور المباركة بمكة دار العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه بالمسعى:
وفيها العلم الأخضر وهي الآن رباط للفقراء. (45)
هذه جملة الأماكن الإسلامية المأثورة في مكة المكرمة على ما وصل إليه تعدادها مصنفة لدى العلامة تقي الدين الفاسي، وذكر بعدما تقدم عنوانا آخر (ذكر الجبال المباركة بمكة وحرمها)، وضمن ما جاء فيها:
8- مسجد المرسلات: وهو يماني مسجد الخيف، وذكر المحب الطبري في كتابه (القرى في الباب الثلاثين: ما جاء في الغار الذي أنزلت فيه سورة والمرسلات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى، إذ نزلت عليه والمرسلات عرفا، وإنه ليتلوها، وإني لألقاها من فيه وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها، فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقيت شركم، كما وقيتم شرها أخرجه البخاري، وفي باب: ما يقتل المحرم من الدواب، وهذا الغار مشهور بمنى خلف مسجد الخيف نحو الجبل مما يلي اليمن كذلك يأثره الخلف عن السلف والله أعلم. (46)
ومن تصنيفات العلامة الفاسي رحمه الله تعالى، المهمة في هذا الموضوع ما ذكره في (الباب الثاني والعشرون: في ذكر أماكن بمكة المشرفة التي لها تعلق بالمناسك، وهي ستة وعشرون موضعا مرتبة على ترتيب حروف المعجم)، تكلم عنها بالتفصيل.
كتاب: (الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف) تأليف العلامة جمال الدين محمد جار الله بن محمد نور الدين بن أبي بكر بن علي بن ظهرة القرشي المخزومي (ت 986) خص الخاتمة (في ذكر الأماكن المعظمة والمشاهد المكرمة التي تقصد زيارتها المشهورة بالفضل بمكة شرفها الله تعالى وحرمها وضواحيها من المواليد والدور والمساجد والجبال والمقابر وما أشبه ذلك).
بدأ أول ما بدأ بذكر المواليد فقال:
1- "فمنها، وهو من أجلها مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبدأ به وهو بمكة في المكان المعروف بسوق الليل مشهور بمولد النبي صلى الله عليه وسلم..." إلى أن يقول: "وكون هذا المكان مولده صلى الله عليه وسلم مشهور، متوارث، يأثره الخلف عن السلف، وجرت العادة بمكة في ليلة الاثنين عشر من ربيع الأول في كل عام أن قاضي مكة الشافعي يتهيأ لزيارة هذا المحل الشريف بعد صلاة المغرب في جمع عظيم منهم الثلاثة القضاة، وأكثر الأعيان من الفقهاء والفضلاء وذوي البيوت بفوانيس كثيرة، وشموع عظيمة، وزحام عظيم..." (47)، ثم استمر في عرض هذه الأماكن بالتفصيل، يرد ذكرها هنا مجملة كالتالي:
2- مولد السيدة فاطمة ابنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنها، وهو في دار أمها خديجة رضي الله عنها، بمكة في الزقاق المعروف بزقاق الحجر، وسماها الطبري: دار خزيمة بمعجمتين... وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد، وبها قبة يقال لها قبة الوحي، إلى جنبها موضع يزوره الناس يسمى المختبا، زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختبئ فيه من الحجارة التي يرميه بها المشركون، ولا أصل لذلك.
3- ومنها مولد سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو بالمحل المعروف بشعب علي، هو مقابل لمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاه، مما يلي الجبل، مشهور عند أهل مكة لا اختلاف فيه، وعلى بابه حجر مكتوب عليه (هذا مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفي هذا المحل تربى رسول الله صلى الله عليه وسلم... وقيل إن مولد سيدنا علي رضي الله عنه في جوف الكعبة، وضعفه النووي في تهذيب الأسماء واللغات.
4- ومنها في ما قبل مولد سيدنا حمزة بن عبدالمطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بأسفل مكة على طريق الذاهب إلى بركة الماجن، بالنون، وأهل مكة يقولون: ماجد بالدال، وهو خطأ، قال الفاسي رحمه الله، ولم أر شيئا يدل على صحة ذلك، بل في صحته نظر، لأن هذا الموضع ليس محلا لبني هاشم، والله أعلم.
5- مكان يذكر أنه موضع ولادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ضعفه الفاسي فيقول "ولا أعلم في ذلك شيئا يستأنس به..." (48)
6- ومنها موضع.. يقال له مولد جعفر الصادق (49).
ثم استمر في "ذكر الدور المباركة" فأعاد ذكر ما قد سبق ذكره منها باعتبار أنها مساجد، وذكر من هذه الدور (دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي المعروفة الآن بدار الخيزران المجاورة للصفا، والمقصود بالزيارة المسجد الذي فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستترا فيه مبدأ الإسلام، وفيه أسلم عمر بن الخطاب، وحمزة بن عبدالمطلب وغيرهما، ومنه ظهر الإسلام، وبه كان اجتماع الصحابة، فله فضل كبير، وهذا المسجد بنته الخيزران جارية المهدي العباسي... (50)
وذكر هنا أيضا: دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: "التي هي الآن رباط للفقراء بالمسعى المعظم، وفي جدارها الميلان الأخضران اللذان يسن الجري بينهما حالة السعي". (51)
ثم ذكر المساجد المأثورة في منى وجهتها فقال: "منها ما هو موجود معروف إلى يومنا هذا، ومنها ما هو دائر لا يعرف بمكة وخارجها، ثم ذكر المساجد المعروفة في وقته فعددها، وذكر منها: مسجد البيعة، ومسجد الجن، ومسجد الإجابة المعروفة في وقتنا الحاضر.

أخيرا استعرض (المساجد التي في منى وجهتها)، ذكر منها: مسجد البيعة، مسجد النحر بين الجمرتين: الجمرة الأولى والوسطى على يمين الذاهب إلى عرفة، ومنها مسجد الكبش على يسار الصاعد إلى عرفة بسفح ثبير، ومنها مسجد عائشة، وذلك في سفح الجبل المقابل له، يعني ثبيرا، ومنها مسجد الخيف، ومنها بلحف الجبل المشرف على مسجد الخيف، المسمى بالضب بمعجمة وموحدة نقله الصغاني، وبالصفايح أيضا بصاد مهملة، آخره تحتية ومهملة، وقيل الصابح... ويعرف بغار المرسلات، وهو مشهور به إلى هذا الوقت، وفي صحيح البخاري في باب ما يقتله المحرم من الدواب من رواية ابن مسعود أنه قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه (والمرسلات عرفا)، وإنه ليتلوها، وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوها، فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقيت شركم، كما وقيتم شرها، ومنها: مسجد عرفة الذي يصلي فيه الإمام، وهو مشهور.... ومنها مسجد التنعيم التي اعتمرت منها عائشة أم المؤمنين بعد حجها عام حجة الوداع... (52)
وقد تعقب العلامة جمال الدين محمد بن ظهيرة المساجد التي ذكرها الإمام الأزرقي، ولم تعرف في وقته فقال: "وأما المساجد التي ذكرها الأزرقي، ولم تعرف الآن فخمسة مساجد:
الأول: مسجد بأعلى مكة بين شعب ابن عامر المعروف الآن بشعب عامر.. والثاني: مسجد بأجياد يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ هناك في موضع منه، قال الأزرقي: إن أهل العلم ينكرون ذلك، وإنما يثبتون أنه صلى بأجياد الصغير، ولا يوقف على موضع مصلاه أيضا تحقيقا بل حدسا بغير أصل.
الثالث: مسجد بأعلى مكة يقابل مسجد الحرس، يقال له مسجد الشجرة، قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمسجد الحرس فدعا شجرة كانت في هذا المسجد فأقبلت إليه، فسألها عن شيء، ثم أمرها بالرجوع فرجعت إلى موضعها، وقد دثر.
الرابع: مسجد بذي طوى في علو مكة بين الثنيتين اللتين يدخل منهما الحاج.
الخامس: مسجد السرر.. غير أن تعيين محله يقينا لا يوقف عليه الآن بل جهته.
السادس: مسجد بعرفة عن يمين الموقف يقال له مسجد إبراهيم، وليس بمسجد عرفة الذي يصلي فيه الإمام.
فهذه المساجد المذكورة لم تعرف الآن.. (53)
* كتاب (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام في تاريخ مكة المشرفة): تأليف الإمام محمد قطب الدين بن أحمد علاء الدين بن محمد النهروالي المكي الشهير بالقطبي (917 - 990هـ).
جعل الحديث عن الأماكن التاريخية المأثورة خاتمة كتابه بعنوان (خاتمة في ذكر المواضع المباركة والأماكن المأثورة بمكة المشرفة).

وقد عرض لها بشكل مفصل، وتتبع تاريخي منتظم، بدءا من المواضع التي وردت في رسالة الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى، ثم ذكر الزيادات التي ذكرها النقاش في ما يتصل بهذه الأمكنة، جاء في مقدمتها: "دار السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دار الأرقم المخزومي، ثم ذكر بقية الأمكنة. وما يتصل بتاريخها وعمارتها. اقتصر الإمام القطبي النهروالي رحمه الله تعالى على المعروف منها في عصره، وهو ما أنهى مقالته بقوله: "فاقتصرنا على المعروف منها" (54).
* كتاب (الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء)، تأليف: العلامة علي بن عبد القادر الطبري (ت 1070هـ).

عقد (الفصل الثالث: في الأماكن المشهورة فيها (مكة)، وفي المساجد فقال: "بمكة ونواحيها أماكن مشهورة يستحب زيارتها، ومساجد متعددة غير المسجد الحرام وربط كثيرة ذكرها المتقدمون، فما نبه المتقدمون عليه من المساجد المأثورة، ننبه عليه عند ذكره، ونذكر الجميع باعتبار ما هو موجود في زمننا، والمواليد التي ذكروها صارت في زمننا كلها مساجد..". (55).

بدأ أول ما بدأ بذكر مكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: "بفم شعب علي، وهو معروف وقد ذكروه، وكان عمره الناصر العباسي (553 - 622) ثم الأشرف شعبان صاحب مصر، ثم الناصر فرج بن برقوق، ثم الملك المظفر الغساني صاحب اليمن، ثم السلطان سليمان خان، فعمره قبة ومسجدا يصلى فيه، وذلك في عام خمسة وثلاثين وتسعمائة، ثم عمره سلطان الإسلام ومرجع الخاص والعام مولانا السلطان الغازي محمد خان ابن مولانا المقدس مراد خان رحمهما الله تعالى، وذلك في سنة تسع بعد الألف، وكانت هذه العمارة على يد شخص من أكابر الدولة العثمانية يقال له غضنفير أغا، وأنفق على ذلك أموالا عظيمة، ورفع جدران المحل المذكور، وجعل عليه قبة عظيمة، ومنارة، وأوقف عليه وقفا بالديار الرومية، ورتب له مؤذنا، وخادما، وإماما، وجعل لكلٍ في كل عام شيئا معينا، يحمل من مغلات الوقف المذكور، ويقسم عليهم، ثم جعلت له السلطنة الشريفة مدرسا بمعلوم، يدرس في يومين من أيام الاسبوع بالمحل المذكور

ومنها مولد السيدة فاطمة رضي الله عنها: وهو بزقاق الحجر على يمين الذاهب إلى المسجد الحرام.

ومنها دار خديجة: وهو بجانب مولد السيدة فاطمة رضي الله عنها..، ودار خديجة رضي الله عنها، أفضل محل بالحرم بعد المسجد الحرام.. ومنها دار الخيزران: وهي الصفا معروفة، وقد ذكروها، وفيها مسجد يقال له: المختبأ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستترا فيه في مبدأ الاسلام، وصار لفظها بالمسجد يطلق عليها كلها، ولها إمام وخادم.. (56)
هكذا يستمر المؤرخون المكيون في تتابع، وتواتر علمي في توثيق هذه الأمكنة، وبيان ما طرأ عليها من إصلاحات، واهتمام الملوك والولاة المسلمين بها حتى العصر الحاضر من هؤلاء:
* كتاب (منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم): تأليف العلامة علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري (1057 - 1125هـ):
ذكر: (أماكن مكة ومزاراتها) فجاء تحت هذا العنوان العبارة التالية: "وبمكة أماكن كثيرة، ومزارات مشهورة، وقد ذكرها المؤرخون في مطولاتهم، وسيأتي ذكر بعضها في محل الحاجة..".(57)
* كتاب: (تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام والمشاعر العظام ومكة والحرم وولاتها الفخام):
تأليف العلامة محمد بن أحمد بن سالم بن عمر المكي المالكي، المعروف بابن الصباغ "ت 1321هـ":
عقد: "الفصل الثالث في الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء بمكة المشرفة وحرمها، وما قاربها..."، ثم قال: "وذكر القاضي مجد الدين الشيرازي في كتابه: (الوصل والمنى) مواضع أخرى بمكة وحرمها يستجاب فيها الدعاء، لأنه عن النقاش المفسر أنه قال في منسكه: ويستجاب الدعاء على ثبير، وفي مسجد الكبش، زاد غيره وفي مسجد الخيف.." إلى أن قال: "وفي دار خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة، وفي مولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين عند الزوال، وفي دار الخيزران عند المختبأ بعد العشاءين..". (58).
* (سالنامة العربية في شأن الدولة العثمانية) الصادرة عام 1303هـ، وقد ذكرت "المواضع المباركة المأثورة بمكة شرفها الله تعالى" بإسهاب وذكرت ما جرى عليها من إصلاحات وتطوير. (59).
* العلامة المحدث عميد المؤرخين المكيين في العصر الحديث فضيلة الشيخ عبدالله غازي رحمه الله تعالى (1290 - 1365هـ) في كتابه الموسوعي: (إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام) عقد: "الفصل الرابع: في ذكر المواضع المعروفة بمكة بالمواليد" وقد استعرضها تفصيلا، وتتبع تواريخ عمارتها، واهتمام الملوك والأمراء بها" "60". إلى غير ذلك من المؤلفات التاريخية العديدة.
انتهت سلسلة التواتر العلمي المكتوب في عصرنا الحاضر - فيما أحاط به العلم- لدى: العلامة فضيلة الشيخ عبدالمالك بن عبدالقادر بن علي المعروف بالطرابلسي رحمه الله تعالى (ت 1418هـ) في كتابه: (ملخص مناسك الحج، ويليه دليل الآثار المطلوبة في مكة المحبوبة). (61)، عد منها ثلاثين موضعا، شمل المشاعر المقدسة، وقد رسم خريطة لمكة المكرمة وضح عليها مواقع الأماكن الإسلامية التاريخية المأثورة المعروفة في الوقت الحاضر.
(الهوامش والحواشي ستنشر في الحلقة الأخيرة من هذه الدراسة).

المصدر جريدة عكاظ الثلاثاء 23/1/1430هـ

 

انتقل إلى الجزء (5) من المقالة عبر الرابط التالي :

http://www.makkawi.com/Articles/Show.aspx?ID=298