الأماكن الاسلامية في مكة وعناية الملك عبد العزيز بها (6)
التاريخ سجل للمؤسس دورا حضاريا في الحفاظ على الآثار النبوية
أثارت مقولة إزالة بعض المواقع الإسلامية المأثورة وتغيير مسميات بعضها الآخر في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة جدلا واسعا في المشهدين الفكريوالإعلامي، وتقدم لتأييدها عدد من المشايخ والمفكرين والمثقفين بينما تصدى لها وناقض أطروحاتها فصيل آخر من هذه الشرائح، كما شارك في التجاذب الفكري حولها عدد من كتاب الرأي في وسائلنا الإعلامية.
ولأهمية الموضوع وحاجته للبحث المتعمق المدعوم بالأدلة والأسانيد تنشر «عكاظ» على عدة حلقات مسلسلة دراسة أكاديمية قام بإعدادها الشيخ الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء، تتناول هذا الموضوع وتضع النقاط على الحروف المدعومة بالأدلة والشواهد على التساؤلات الإشكالية المهمة التي أطلقها المؤيدون والمعارضون لهذا الموضوع.
الفصل الثالث: المؤلفات في الأماكن الإسلامية المأثورة في مكة المكرمة استقلالا، المنثور منها والمنظوم: ألف العلماء المؤلفات المستقلة في الأماكن التاريخية المأثورة في مكة المكرمة منها:
1- كتاب: (عدة الإنابة في أماكن الإجابة)
تأليف العلامة السيد عبد الله بن إبراهيم مرغني، جاء في مقدمة الكتاب: "أنه لما طالع بعض شرح العالم العلامة الشيخ إدريس الشماع الشافعي على منظومة الشيخ عبد الملك العصامي رحمهما الله تعالى، المسمى بـ(الإنابة في أماكن الإجابة)، وكانت تلك منظومة مقيدة بأوقات معينة، كما ذكره الإمام أبو بكر بن محمد بن الحسن بن النقاش رحمه الله تعالى، وقد ذكره كثير من علمائنا غير مقيدة كما رواه الشيخ الجليل سيد التابعين الحسن البصري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكره الشيخ عبد الملك في آخر نظمه، وقد كنت رأيت بيتين في ذلك غير مقيدين للشيخ الإمام والعالم الهمام عمر بن إبراهيم بن نجيم صاحب النهر الفايق شرح كنز الدقايق، خطر لي أن أجمع عليهما بعض الفوايد، وأذكر كل فايدة في محلها اللائق بها ليسهل به ادراكها، وحفظها..، وسميت ما جمعته بالكتابة: (عدة الإنابة في أماكن الإجابة) لكوني أذكر في كل محل بعض ما يناسبه من مسايل فقهية، وأدعية مأثورة، ومروية تتميما للفوايد، وتحصيلا للعوايد.." ص2، 3. (طبع الكتاب أخيرا..)
2-(تحفة الأنام في مآثر البلد الحرام) العلامة السيد عبد الله بن السيد محمد صالح الزواوي المكي رحمه الله تعالى (1266 - 1343هـ) جاء في مقدمته قوله: "مكة المكرمة هي بلد الله، وفيها بيته المعظم الذي هو أول بيت وضع للناس في الأرض الموصوف بكونه مباركا، وهدى للعالمين، وبكونه فيه آيات بينات، وبكونه من دخله كان آمنا، وجعله الله قبلة لجميع الأمة المحمدية في جميع العالم.." إلى أن يقول: "وكلها مباركة يستجاب فيها الدعاء، ولكن لا شك أن بعضها يترجح على بعض بمزايا اختصت بها لكونه عليه الصلاة والسلام ولد فيها، أو تعبد فيها، أو لوجود أثر منه، أو عنه صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه الكرام، وذلك البعض المرجح كثير ومختلفه فيه، ولكن المشهور من ذلك الذي يعتاد الأماثل التردد عليه، ويزورونه، ويدلون الحجاج عليه هو ما هو معلوم عند أكثر أفاضل المطوفين من العارفين، وذلك البعض جبال، ومساجد، وموالد، وهي الدور التي ولد فيها الأماثل، وسكنوها، وزاد فضلها بهم"..(71).
ثم خص كلا من تلك الأماكن بالعرض المفصل، وقال عندما جاء العرض لـ"الموالد" معرفا بها: "وهي الدور التي ولد فيها الأماثل الكرام، وسكنوها، وزاد بهم فضلها، منها الموضع الذي يقال له: مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسوق الليل، وهو على الصحيح البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتربى فيه وموضع مسقط رأسه الشريف في نفس المحل معروف إلى الآن".
المنظومات الشعرية للأماكن الإسلامية المأثورة:
تنوع اهتمام العلماء من فقهاء ومؤرخين وغيرهم في الأماكن التاريخية المأثورة في مكة المكرمة، فرصدوها نظما في مدوناتهم الفقهية، أو خصوها بمؤلفات مستقلة، من هؤلاء الذين ضمنوها في مؤلفاتهم الفقهية:
1- العلامة الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد المرادي المعروف بالنحاس، أو ابن النحاس (260 - 388هـ) في كتابه المناسك.
2- العلامة الشيخ عبد الملك بن جمال الدين العصامي (978 - 1037هـ)، نظم الأماكن المأثورة في مكة المكرمة على وفق ما قال الحسن (البصري)، لكن قيد كل موضع بزمن تبعا للنقاش المفسر فقال:
قد ذكر النقاش في المناسك وهو لعمري عمدة المناسك أن الدعا بخمسه وعشره في مكة يقبل ممن ذكره ثم عرضها جميعا في خمسة عشر موضعا.. (72)، ثم شرحها العلامة الشيخ إدريس الشماع الشافعي بعنوان: (الإنابة في أماكن الإجابة).
3- العلامة الشيخ محمد بن علان الصديقي الشافعي المكي (ت 1075هـ) قال: وقد كنت نظمتها، وزدت عليها مواضع أخرى.. (73)، وقد جاء نظمها في تسع أبيات: الحمـد لله وصــــلى الله على نبيه الذي اجتبـــــاه
محمد والآل والصحـــابة وهذه مواضع الإجـــــابة وذلك الحجر الطواف والصفا والمروة المسعى لدى من عرفا ملتزم والمـسـتجـار ومنى وعرفات ثم جــــمع فاتقنا كذا لدى الثلاث من جمرات وزمزم أتى عن الثقات خلف المقام بوسط الكعبة وغير ذا مواضع بمكة مثل حرا ومسجد التنعيم والمجتبى ومولد الكريم ومهبط الوحي وعند المتكا وغار ثور فادع تعطى سؤلكا وغيرها مواضع مأثــورة وهي لدى أربابها مشهورة (74)
الفصل الخامس:
الأماكن الإسلامية المأثورة في الوقت الحاضر
المبحث الأول: المندثر في الأماكن الإسلامية المأثورة في مكة المكرمة
اهتم بعض المؤرخين المكيين رحمهم الله تعالى، لدى عرض الأماكن الإسلامية المأثورة في مكة المكرمة ببيان الموجود القائم منها في زمانهم، والمندثر، أمثال العلامة تقي الدين الفاسي (775 - 832هـ) والعلامة جمال الدين محمد جار الله بن محمد بن ظهيرة القرشي (ت 986هـ)، والعلامة محمد قطب الدين النهروالي المكي (917 - 990هـ) رحمهم الله تعالى، ويمتد الزمن حتى الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري فيندثر الكثير من تلك الأماكن بسبب عوامل متعددة، ونحن في الوقت الحاضر، العام الخامس والعشرين بعد الأربعمائة والألف أولى بالقول: "فقد تغيرت البلاد ومن عليها".. (75).
متابعة لهذا المنهج العلمي للمدرسة التاريخية المكية يتم عرض المندثر من هذه الأماكن في هذا المبحث، والباقي منها في المبحث الذي يليه:
خصص العلامة جمال الدين محمد بن ظهيرة القرشي مساحة في كتابه "الجامع اللطيف للمساجد" التي ذكرها الأزرقي ولم تعرف الآن (عصر ابن ظهيرة القرشي) فقال:
"وأما المساجد التي ذكرها الأزرقي، ولم تعرف الآن فخمسة مساجد:
الأول: مسجد بأعلى مكة بين شعب ابن عامر.. وهذا المسجد لا يعرف الآن.
الثاني: مسجد بأجياد، يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ هناك في منه، قال الأزرقي: إن أهل العلم ينكرون ذلك، وإنما يثبتون أنه صلى بأجياد الصغير، ولا يوقف على موضع مصلاه أيضا تحقيقا، بل حدسا بغير أصل.
الثالث: مسجد بأعلى مكة، يقال له مسجد الشجرة.
الرابع: مسجد بذي طوى في علو مكة بين الثنيتين اللتين يدخل منهما الحاج.
الخامس: مسجد السرر: تعيين محله يقينا لا يوقف عليه الآن، بل جهته.
السادس: مسجد بعرفة عن يمين الموقف يقال له مسجد إبراهيم، وليس مسجد عرفة الذي يصلي فيه الإمام.
فهذه المساجد المذكورة لم تعرف الآن (أي في عصر العلامة ابن ظهيرة، وذلك هو القرن العاشر الهجري).. (76).
وبعد القرن العاشر الهجري اندثر البعض من تلك الأماكن الإسلامية فأصبحت خبرا من الأخبار، وربما زال الكثير منها في القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجريين لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها كثرة أعداد الحجاج الذين وصلت أعدادهم بالملايين، مما لم يكن موجودا في القرون الماضية، فاستدعى هذا توسعة الحرم المكي الشريف، وإزالة الكثير مما حوله من العمران، والأماكن، بهدف إيجاد مكان لقاصدي البيت الحرام، الذي هو الهدف الأول، ومعظم القصد من حجة العمر، ولهذا أزيل الكثير من تلك الأماكن، فإن معظمها يدخل في نطاق تلك التوسعة، فمن ثم يتم القصد من هذا البحث بعرض أسماء ما أزيل من تلك الأماكن الإسلامية المأثورة:
أولا: منزل السيدة خديجة رضي الله عنها:
كان في هذا الموقع المبارك بناية من ثلاثة أدوار خصصت لتكون مدرسة لتحفيظ القرآن، (77) هدم هذا المنزل المبارك لصالح توسعة ساحات الحرم المكي الشريف في الجهة الشرقية، وذلك عام 1401هـ، جاء في مقدمة الدراسة التوثيقية الصادرة عن (عمار): "أثناء إعداد المرحلة الأولى من المشروع الخاص بتطوير الساحات المحيطة للحرم المكي الشريف بمنطقة القشاشية لتهيئة المنطقة، شرق المسعى لأداء الصلاة لأكبر عدد من المصلين، ولصالح مشروع أنفاق الخدمات، وتيسير الحركة أمام رواد بيت الله الحرام، وفي 29/4/1410هـ اكتشف القائمون على المشروع أثناء عملية إزالة العقارات بالمنطقة وجود بعض الأماكن الأثرية بالقرب من برحة القباني، الواقعة بين المسجد الحرام وسوق المدعى حيث وجد محراب كبير باتجاه الحرم، وقد لوحظ أن الموقع الذي وجد به هذه البقايا الأثرية هو نفس موقع مدرسة تحفيظ القرآن التي انشأها الشيخ عباس قطان بعد ما استأذن جلالة الملك عبد العزيز في إنشاء هذه المدرسة في مكان بيت السيدة خديجة رضي الله عنها، المعروف باسم (مولد السيدة فاطمة) في زقاق الحجر، المعروف بزقاق الصوغ، وزقاق العطارين.. (78).
ثانيا: دار الأرقم بن أبي الأرقم:
تقررت إزالته عام 1375هـ لصالح توسعة الحرم المكي الشريف، (79).
ثالثا: مولد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
تقرر هدم منطقة شعب علي والمنازل على جبل أبي قبيس بما فيها مدرسة النجاح الليلية المقامة على منزل مولد سيدنا علي بن أبي طالب في العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري.
رابعا: مسجد النحر بمنى:
أزيل ضمن مباني منى من أجل توسعة الطرق المؤدية إلى الجمرات.
خامسا: مسجد الكبش بمنى:أزيل ضمن ما أزيل من المباني بمنى من أجل توسعة الطرق المؤدية إلى الجمرات.
سادسا: مسجد المرسلات: قد أزيل ضمن المباني التي أزيلت بمنى.
سابعا: مولد جعفر الصادق:ليس له وجود في الوقت الحاضر.
ثامنا: دار العباس رضي الله عنه: قد دخل في المسعى ضمن توسعة الحرم الشريف.
المبحث الثاني: الأماكن الإسلامية الباقية في العصر الحاضر
من فضل الله ونعمه التي لا تحصى على أمة الإسلام أن بقيت بعض الأماكن الإسلامية في مكة المكرمة محافظا عليها لم تندثر، بل ظلت باقية تروي للأجيال الحاضرة والمستقبلية تاريخ أمجاد الإسلام على رحابها برغم طول العهد بأحداثها، وقد وصلت إلينا بطريق التواتر العلمي، والشفهي المحلي، بل تحدثت الوثائق الشرعية عن بعضها "بأنها أشهر من أن توصف"، تتضمن هذه القائمة عناوين الأماكن الإسلامية الآتية:
أولا: مولد النبي صلى الله عليه وسلم بالموضع الذي يقال له (سوق الليل)، وهو مشهور، وهو في الوقت الحاضر مقر (مكتبة مكة المكرمة), وسيأتي الكلام بالتفصيل عن أمر الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله تعالى، باتخاذ هذا المكان المبارك مكتبة عامة.
ثانيا: مسجد الراية: يقول العلامة المؤرخ فضيلة الشيخ محمد طاهر الكردي الملكي الخطاط في تحديد وتعيين هذا المسجد:"مسجد الراية" وهو الواقع بالجودرية على يمين الصاعد من المدعا إلى المعلا، وبين المسجد والبيوت التي قبله زقاق ضيق صغير نافذ إلى الطريق العام، وبئر جبير بن مطعم واقعة في هذا الزقاق الضيق، وملتصقة بجدار البيت الذي بجوارها، وهي بئر مهجورة. ولقد جدد بناء هذا المسجد في زماننا سنة 1361هـ فعند حفر أساسه عثروا على حجرين مكتوبين يدلان على أن هذا المسجد هو مسجد الراية، أحدها مؤرخ سنة 989هـ وثانيهما مؤرخ سنة 1000هـ وقد رأينا الحجرين حين عمارة المسجد، ولا يزال الحجران مثبتين في جداره.. (80)، وقد جددت عمارة المسجد الذي يقع وسطا بين الجودرية وشارع الغزة العام يسمى في الوقت الحاضر بمسجد الملك فهد.
ثالثا: مسجد الإجابة: لا يزال المسجد موجوداً، وكان عند قبلته حجر أثري مدون عليه بعض الكتابات، وقد جدد بناؤه منذ عامين في عمارة حديثة أنيقة، وكيف تكييفا مركزيا.
رابعا: مسجد البيعة: لا يزال موجودا في بنائه القديم، وللأسف فإنه مهمل، نزع بابه، لم يعط الاهتمام اللائق بتاريخه في الإسلام، وقبل ثلاثة أعوام عثر كل من عبد الوهاب أبو سليمان والدكتور معراج نواب مرزا على الحجر الثالث الضائع الذي نوه عنه العلامة تقي الدين الفاسي المكي. ولا يزال المسجد قائما بعد إزالة جبل العقبة وإنشاء مبنى الجمرة، ينال الاهتمام اللائق به من قبل الدولة السعودية في الوقت الحاضر.
خامسا: مسجد الخيف: لا يزال قائما، وقد محيت كافة المعالم التي توثق لبعض الأماكن الأثرية داخله أثناء عملية تجديده.
سادسا: مسجد التنعيم، أو (مسجد عائشة رضي الله عنها):
لا يزال في مكانه يؤمه المعتمرون، وقد جدد بناؤه، واتسعت أروقته على نمط حديث.
سابعا: مسجد الفتح بالقرب من الجموم: بني بناء حديثا متواضعا، تصلى فيه الصلوات الخمس، وله إمام راتب.
ثامنا: مسجد الجن (الحرس): لا يزال موجودا في مكانه المعروف قديما بسوق المعلاه، على يمين النازل إلى الحرم الشريف، وقبل ثلاثة أعوام جدد بناؤه على نمط حديث.
تاسعا: مسجد الجعرانة: لا يزال قائما في مكانه القديم، وقد جددت عمارته.
عاشرا: غار حراء: لا يزال قائما، وقد اتسع النطاق العمراني حوله بطريقة عشوائية لا تتلاءم ومكانته التاريخية في الإسلام، والطريق إليه غير ممهد، وبرغم هذا يرتاده المواطنون، والحجاج، وقد كان يعلو قمته مسجد قد تهدم.
الحادي عشر: غار ثور، لا يزال بحمد الله باقيا، يصعد إليه القاصدون من حجاج بيت الله الحرام ليشاهدوا المكان الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هجرته صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق إلى المدينة المنورة، الصعود إليه أشد صعوبة من جبل النور، وأكثر مشقة، وقد كان فيه مسجد قد تهدم.
هذه جملة الأماكن الإسلامية المأثورة التي لا تزال باقية حتى نهاية عام 1429هـ، ولكن والألم يحز في النفس فإنها لا تعطى الاهتمام اللائق بتاريخها الإسلامي.
الفصل الرابع:
عناية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالأماكن التاريخية في مكة المكرمة: ثم يأتي الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، في سلسلة الخلفاء والملوك الذين أبدوا عناية خاصة بالأماكن التاريخية في مكة المكرمة, وسجل لهم التاريخ دورا حضاريا غير مسبوق في توظيف هذه الأماكن، فقد نشرت صحيفة (البلاد) في عددها رقم 998 للسنة الخامسة عشرة الصادر يوم الأحد 25 جمادى الأولى 1370هـ الموافق 4 مارس 1951م: (مدرسة ومكتبة في الأماكن التاريخية):
"تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فمنح سعادة الشيخ عباس قطان الأرض البيضاء المعروفة بدار السيدة خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، لإقامة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم على أنقاض الدار. كما تفضل فمنحه أيضا المكان الذي ولد فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لبناء مكتبة ضخمة يؤمها رواد العلم وطلابه, ويشرع هذا الأسبوع بالبناء حسب التصميم الذي وضع لذلك"
كانت هذه لفتة كريمة, ومأثرة عظيمة من جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، في الحفاظ على تراث الأمة, تحسب له في موازين تعظيم الآثار النبوية, وإعطائها حقها الذي يفرضه انتسابها إلى سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
اتخذت الخطوات الرسمية العملية لتحقيق هذه الرغبة الملكية الكريمة, فوثقت بالمحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة توثيقا شرعيا بالصك رقم 140 بالمجلد الرابع, تاريخ 25/6/1373هـ, السجل 140. هذا في ما يخص المولد النبوي الشريف, وصدر أيضا صك من المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة بخصوص وقفية دار أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، كلاهما لدى رئيس المحكمة الشرعية الكبرى فضيلة الشيخ عبدالله بن عمر بن دهيش رحمه الله تعالى، وصدق الصكان من قبل رئاسة القضاة وردت فيه العبارات التالية:
"لدي أنا عبدالله بن عمر بن دهيش رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة، حضر أمين بن الشيخ عباس قطان، الوكيل عن عمته المصونة فاطمة بنت يوسف قطان بموجب صك التوكيل... وقرر على طريق الإنهاء قائلا:
إن موكلتي المذكورة كانت تقدمت بطلب من الحكومة السنية السماح لها بإنشاء مكتبة بالموضع المعروف بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بشعب علي بمحلة سوق الليل, الشهير في محله شهرة تامة تغني عن تحديده ووصفه, وبعد الاجراءات الرسمية صدر قرار الرئاسة برقم 525/23 في 14/4/1370 بالموافقة على الطلب المذكور؛ لأنه عمل خيري, على أن يجري تسجيل الوقفية بالمحكمة الكبرى عند تمام البناء, أن يكون مكتبة عمومية موقوفة بجميع أبنيتها, ومحتوياتها لجميع المسلمين, وقد حاز القرار المذكور على موافقة صاحب السمو الملكي نائب جلالة الملك المعظم المبلغ إلى أمانة العاصمة برقم 3068 , وتاريخ 11/5/1370هـ وصورة من ذلك إلى مقام رئاسة القضاة... وقد اشترطت بوقفيتها شروطا... منها:
أنها لا تؤجر الدار المذكورة, ولا تباع, ولا توهب, ولا يستبدل بها, بل تبقى قائمة على أصولها, كما أنها اشترطت أن الكتب التي فيها لا تخرج عنها, وشرطت عدم الاستغلال حاضرا, ومستقبلا إذا اندثر البناء في غير ما منح من أجله, ولا من ورثته, ولا أي أحد, ... فعلى مقتضى البينة المعدلة حسب الأصول ثبت لدي أن فاطمة بنت يوسف قطان أنشأت بمالها المباني المذكورة بعاليه فقد أجزت الوقفية المذكورة على الشروط المذكورة, وأمضيته, وأمرت بتنظيم صك بها تحريرا في اليوم الخامس والعشرين من شهر جمادى الثانية عام الثالث والسبعين بعد الثلاثمائة والألف من هجرة من له العز, والشرف صلى الله عليه وآله وسلم".
رئيس المحكمة الكبرى بمكة
ختم فضيلته
أما ما كان بخصوص دار أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، فقد صدر بوقفيته صك صادر من المحكمة الشرعية الكبرى رقم 142, تاريخ 25/6/1373هـ, وردت فيه العبارات التالية:
"الحمد لله وحده.. لدي أنا عبدالله بن عمر بن دهيش رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة، حضر أمين بن الشيخ عباس قطان وقرر على طريق الإنهاء قائلا: إن والدي الشيخ عباس بن يوسف قطان حال حياته طلب من الحكومة السنية منح الأرض البيضاء المعروفة بدار السيدة خديجة الكبرى, وبمولد السيدة فاطمة الكائنة بمحلة القشاشية المعروف بمحلها الشهيرة شهرة تامة تغني عن تحديدها لإنشاء مباني مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم من خيرات والده الشيخ يوسف قطان, وقد صدر أمر حضرة صاحب السمو الملكي النائب العام لجلالة الملك المعظم إلى أمانة العاصمة برقم 711 في 24/7/1366هـ بالموافقة على الشروط التي أقر المقام السامي بها في الخصوص المذكور, وأرسلت صورة من الأمر الكريم المعطى إليه إلى والدي, وأشعرت وزارة المالية, ومقام رئاسة القضاة بصورة منه, ووالدي بصفته وصيا مختارا من قبل والده الشيخ يوسف قطان على الخيرات والمبرات من مخلفات والده بموجب الصك الصادر من المحكمة الكبرى برقم 120 في 9/2/1351هـ قد أقام حال حياته بإنشاء المباني للمدرسة المذكورة على الأرض المذكورة من وصاية والده للخيرات التي كانت تحت يده, لا ملك ولا حق فيها, وعاجلته المنية قبل تسجيل هذه الوقفية لدى الجهات الرسمية, وحيث إن المباني المذكورة مشتملة على أماكن علوية وسفلية, ومنافع, ومرافق, ومشتملات شرعية, وحوش.
محدودة شرقا بالزقاق النافذ المعروف بزقاق الحجر, وغربا بالقبان, وشاما وقف بيت سنبل, ويمنا ملك الأشراف قديما, وحديثا ملك حسن طلاقي وأولاده, وقد شرط في هذه الوقفية شروطا جعل العمل عليها, والمصير إليها منها:
أنها لا تؤجر الدار المذكورة ولا تباع, ولا توهب, ولا تعار, ولا يستبدل بها بل تبقى قائمة على أصولها..."
إلى أن يذكر رئيس المحكمة رحمه الله تعالى قوله: "فعلى مقتضى البينة المعدلة حسب الأصول ثبت لدي أن عباس بن يوسف قطان أنشأ من مال والده يوسف قطان الأبنية المذكورة بعاليه، فقد أجزت الوقفية المذكورة على الجهات المذكورة, وأمضيته, وأمرت بتنظيم صك بها تحريرا في اليوم الخامس والعشرين من شهر جمادى الثانية عام الثالث والسبعين بعد الثلاثمائة والألف..."
ختم رئيس المحكمة الكبرى
أقدم جلالة الملك عبدالعزيز على هذه الخطوات المباركة بعد استشارة كبار العلماء, وهو ما سجله له التاريخ توثيقا, وحقيقة قائمة, وليس هذا غريبا، فإن عمله هذا رحمه الله تعالى، يأتي استكمالا لعمل الخلفاء والولاة المسلمين من سلف هذه الأمة.
المصدر جريدة عكاظ الخميس 25/1/1430هـ
انتقل إلى الجزء (7) من المقالة عبر الرابط التالي :
http://www.makkawi.com/Articles/Show.aspx?ID=300
0 تعليقات