ماذا تعرف عن الصرة ؟

تعني كلمة الصرة في اللغة الكيس او الخرقة التي توضع فيها النقود اصطلاحا يقصد بها الهدايا المرسلة الى مكة والمدينة بمناسبة الحج..

لقد بدأت عادة إرسال الصرة إلى الحرمين الشريفين في عهد الخليفة العباسي "المقتدر بالله" 908-932م، والوثائق تشير إلى أن الفاطميين والمماليك كانوا يرسلون صرة إلى الحجاز أيضا، وقد درج السلاطين العثمانيون على إرسال الصرة منذ بداية تأسيس الدولة العثمانية، إلا أن أول صرة حصلنا على وثيقتها في الأرشيف العثماني تعود إلى تاريخ 1389م، وهو عهد السلطان "بايزيد الأول"، وتنص الوثيقة قائلة: "لقد صدر الأمر السلطاني بإرسال صرة بمقدار 80 ألف قطعة ذهبية تنفق في مرافق الحرمين، وتوزع على فقرائها وأشرافها وساداتها وعلمائها..."، وقد أرسل السلطان محمد الملقب "محمد شلبي" 14 ألف قطعة ذهبية عام 1413م، وصرة أخرى تحتوي على أكياس لم يحصر عددها عام 1421م.

أما السلطان "مراد الثاني" فكان قد أمر بصرف ألف قطعة ذهبية إلى السادة الأشراف الموجودين قريبا منه، كما وقف موارد منطقة "بالق هصار" الواقعة قرب مدينة أنقرة على أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف، إضافة إلى إرساله صرة تحتوي على 35000 قطعة ذهبية كل عام، وفي وصيته العائدة لسنة 1446م أمر بوقف ثلث أملاكه الموجودة في "مانيصا" لخدمة الحرمين الشريفين، وذلك يعني 10 آلاف قطعة ذهبية كل عام.

وقد أمر السلطان "محمد الفاتح" بإرسال تسعة آلاف قطعة ذهبية مع مرسوم سلطاني إلى الحجاز قام بقراءته شريف مكة للجماهير أمام الكعبة المعظمة، وأرسل له ماء زمزم وعددا من حمائم الكعبة ردا على معروفه. وحدد السلطان بعد ذلك كمية تزيد على 200 ألف قطعة ذهبية لخدمة الحرمين الشريفين كل سنة.

ولما أصبحت الحجاز ضمن حدود الأراضي العثمانية عام 1517م على يد السلطان سليم الأول أمر بتخصيص 200 ألف قطعة ذهبية كل عام للحرمين الشريفين مع هدايا ثمينة ومواد غذائية متنوعة.

من البر إلى القطار

أما أكثر السلاطين إرسالا للصرة بين "آل عثمان" فهو السلطان "سليمان القانوني"، ومن اللافت للنظر أنه قد أُحدثت مؤسسة جديدة في هذا العهد باسم "وراثة الصرة" حيث يرث الشخص حصة مورثه من الصرة. وإذا مات صاحب الحق ولم يكن له وارث وزعت حصته على الفقراء والمساكين.

كما أن الدولة العثمانية لم تتخلَّ عن إرسال الصرة السلطانية حتى في أصعب أيامها اقتصاديا وسياسيا؛ فخلال الحرب العالمية الأولى في عام 1915 تم إرسال 107 حقائب تحتوي على 24 ألف ليرة و847 قرشا إلى أهل مكة، إلى جانب 197 حقيبة تشتمل على 32 ألف ليرة و882 قرشا مع حقيبة أخرى -لم يُعلن عن محتوياتها- إلى أهل المدينة المنورة.

وعندما قام "الشريف حسين" بثورة في العام التالي انفصلت هذه الأراضي المقدسة عن الدولة العثمانية، ورغم ذلك أصدر السلطان وحيد الدين خان مرسوما بإرسال "صرة كالماضي تُنفق على أهل مكة والمدينة وعربان الحجاز". وكانت آخر صرة في عام 1917؛ حيث أرسلت عبر الشام في أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن عندما انتهت الحرب بهزيمة الدولة العثمانية عادت القافلة أدراجها إلى إستانبول، ومن ثم كانت نهاية تلك العادة.

وقد درج العثمانيون على إرسال الصرة من قصر "طوب قابي" حتى إعلان التنظيمات سنة 1839. وبعد ذلك راح الموكب ينطلق من قصر "دولمه باخجه" وتلاه قصر يلديز. وتم إرسال المحمل النبوي والصرة السلطانية إلى الحجاز عبر البر تحمله مئات الجمال حتى عام 1864؛ حيث بات يُرسل عبر البحر بالمراكب البحرية. وبعد إنشاء سكة الحجاز الحديدية صار المحمل النبوي أو موكب الصرة السلطانية يرسل عبر القطار.
__________________

بحث أعده السيد عبد القادر إبراهيم السمان رحمه الله تعالى./الموضوع مشاركة من:  أ.محمد علي يماني (ابوعمار)+ابن الحرم