قصر شبرا.. تحفة معمارية رومانية إسلامية

يعد قصر شبرا بالطائف أحد أبرز المعالم العمرانية والثقافية التي شهدت عدة مراحل تاريخية لعبت دورا كبيرا في رسم معالمها من خلال الاستخدامات المتعددة التي شهدها القصر منذ إنشائه، وحتى تحويله إلى متحف يحتوى على أكثر من 4000 قطعة أثرية تحكي بين أروقته قصص زمن قديم.

ويحظى القصر حاليا بعدد كبير من الزوار والسياح، حيث يحتضن الكثير من الفعاليات الاجتماعية والسياحية والمحاضرات والأنشطة والمعارض.

وقصر شبرا، الذي أنشئ في عام 1905 واستغرق بناؤه أكثر من عامين، وتعود ملكيته إلى الشريف علي بن عبد الله بن عون، بحسب ما أوضح مدير مكتب الآثار والمتاحف بالطائف، عبد العزيز العمري «كان يقع آنذاك خارج سور الطائف القديم. وتميز القصر بفخامة التصميم الذي تأثر بخصائص العمارة الرومانية القديمة، إلى جانب توظيف رائع لخصائص العمارة الإسلامية والمحلية التي تتجلى بوضوح في تصميم الأعمدة والأقواس والحمامات ذات الطابع الروماني الخالص من جهة، والرواشين والأبواب والشبابيك المزينة بالزخارف الإسلامية من جهة أخرى، الأمر الذي جعل من هذا القصر تحفة معمارية فريدة، تمت فيها الاستعانة ببعض المواد التي جلبت من خارج الجزيرة العربية، كالأخشاب التي جلبت من سنغافورة، والرخام من تركيا وإيطاليا. أما مادة البناء الرئيسية، فقد كانت الحجارة المحلية التي تمت تغطيتها بمادة الجص، والنورة».

القصر يتكون من أربعة طوابق. وارتفاع كل دور بنسبة ثابتة، حيث يظهر للرائي التناسق المبدع لأربع واجهات بنظام واحد، تتخللها أعمدة مصنوعة من الحجر والنورة «وينتهي سور سطح القصر بزخرفة تميل إلى الطابع الروماني، مما أضفى جمالا على المنظر الخارجي من كل الجهات. وللقصر سلم كبير يعرف «بالسلملك» أمام مدخل القصر المؤدي إلى البهو. يقول العمري «لقد بني القصر من دور تحت مستوى سطح الأرض، تعلوه أربعة أدوار متماثلة من حيث النسق والتصميم، على شكل جناحين.. شمالي وجنوبي، يتوسطهما بهو رئيسي واسع، تتوزع حوله الغرف والفراغات التي تتكرر بنفس الحجم والتصميم في جميع الأدوار. ويمكن الصعود للدور الأول عن طريق درج واسع يتحول إلى مسارين في قسمه الثاني، بينما يمكن الوصول إلى الأدوار العلوية الأخرى عن طريق درجين جانبيين يبدآن بمدخلين مطلين على الفناء، يتوسطهما المدخل الرئيسي الذي يمثل المدخل الثاني للقصر، والذي يقابل المدخل الرسمي المطل على الشارع، والواقع في الجهة الغربية للقصر. ويوجد في الدور الثاني للقصر حمام تركي، بني سقفه على شكل قبة تضم زخارف ملونة غاية في الروعة، وجدرانه مكسوة بالرخام، بينما يوجد في الدور الأرضي حمام آخر بنفس الأسلوب، ولكنه أصغر حجما». واكتسب قصر شبرا شهرة تاريخية من خلال العديد من الشخصيات التي ارتبطت بالعديد من الأحداث التاريخية التي كان لها أثرها في الحياة السياسية والاجتماعية السعودية. ولعل من أبرز هذه الشخصيات خلال الفترة السابقة لتوحيد السعودية السلطان وحيد الدين محمد السادس، آخر سلاطين الدولة العثمانية، عندما زار الحجاز في عام 1341هـ (1923) إلى جانب عدد من أشراف مكة آنذاك، منهم الشريف علي بن عون، والشريف حسين، وغيرهم. وعندما قيض الله للملك عبد العزيز رحمه الله ضم الحجاز في عام 1344هـ (1926)، اتخذ من القصر مقرا لإقامته خلال فصل الصيف. كما شهد أحداثا تاريخية عديدة، فقد شهد مولد الأمير طلال بن عبد العزيز، والأمير نواف بن عبد العزيز، وبعد وفاة الملك عبد العزيز أصبح القصر مقرا لوزارة الدفاع والطيران، وفيما بعد استخدمه الملك فيصل ـ رحمه الله ـ قبل وبعد مبايعته ملكا للبلاد مقرا صيفيا لإقامته، ومقرا لعقد اجتماعات مجلس الوزراء خلال الصيف. وبعد وفاة الملك فيصل، عاد القصر مرة أخرى تابعا لوزارة الدفاع والطيران، بصفته مقرا صيفيا لمكتب الأمير سلطان بن عبد العزيز حتى عام 1402هـ (1982).

وشهد القصر أعمال ترميم رئيسية في عام 1418هـ (1997)، سبقت تحويله إلى متحف إقليمي للآثار والتراث. يقول العمري « أخذت بعين الاعتبار المعايير العلمية في ترميم المباني التاريخية، حيث تمثلت أعمال الترميم في إزالة بعض الملاحق المستحدثة في فناء القصر، بما فيها مسجد كان يقع أمام المدخل الشرقي للقصر، ومعالجة الاهتزازات في السقوف، وتخفيف الأحمال عنها، ومعالجة التشققات في الأسطح، ومعالجة الأساسات، وعزل القواعد للحد من تأثير الرطوبة، وإلغاء التمديدات الصحية التي أضيفت في فترات لاحقة لمبنى القصر الرئيسي، مع صيانة التمديدات الصحية في المباني المستحدثة الأخرى التي تم الإبقاء عليها، وتستخدم حاليا كمرافق للمتحف، وغيرها من الترميمات».

وأضاف العمري «يعتبر قصر شبرا عنصرا رئيسيا في عملية العرض التي تبدأ من داخل البهو الرئيسي للدور الأرضي بالقصر بإعطاء نبذة عن تاريخ القصر، إلى جانب بعض المعلومات التاريخية والجغرافية لمدينة الطائف، مع عرض نماذج من أثاث مكتب الملك فيصل في الدور الأرضي، وكذلك الأثاث الذي كان مستخدما لمكتب الأمير سلطان بن عبد العزيز في الدور الأول. وعن طريق مكتب الملك فيصل في الدور الأرضي، يمكن الوصول إلى أولى قاعات المتحف الذي يعتمد على توظيف التسلسل التاريخي للأحداث والمعروضات لعرض مقتنياته، كما هي الحال في معظم المتاحف في العالم، من خلال ثلاث قاعات عرض رئيسية، تمثل الأولى المراحل المبكرة من تاريخ الإنسان في السعودية، التي تعرف بعصر ما قبل الإسلام، حيث تم في هذه القاعة عرض مجموعة نادرة من الشواهد الأثرية لأبرز المراكز الحضارية داخل أراضي السعودية للفترة الممتدة منذ فجر التاريخ، حتى أواخر العصر الجاهلي، شملت الأدوات الحجرية والفخار والنقوش والكتابات والمنحوتات والمصنوعات المعدنية والعملات وغيرها، فيما تعرض القاعة الثانية مجموعة نادرة من الشواهد الأثرية، تجسد أبرز ملامح العصر الإسلامي، وشملت الفخار والخزف والأحجار الشاهدية والمخطوطات النادرة والعملات الإسلامية، وخصصت القاعة الثالثة لسرد قصة توحيد السعودية على يد الملك عبد العزيز آل سعود، مع عرض بعض مقتنيات التراث الشعبي لمنطقة الحجاز. وفي وقت لاحق تم استخدام أحد مباني القصر لعرض أبرز الحرف التقليدية في محافظة الطائف. وهكذا يمكن للزائر الاطلاع على تاريخ وحضارة وتراث السعودية منذ أقدم عصر، وحتى الوقت الحاضر، بشكل موثق بالمعلومات والصور والرسوم التوضيحية، إلى جانب الشواهد الحضارية والأثرية لمختلف المراحل الحضارية».

وتابع العمري «لقد تم أخذ الأهمية التاريخية للقصر بعين الاعتبار عند إضافة العرض المتحفي، وذلك بتوزيع العرض على أربعة مبان تمثل ملاحق إضافية للقصر، دون تغيير لسمات هذه المباني الإنشائية، لأن ضوابط تحويل المباني التاريخية إلى متاحف تقتضي عدم تغيير المعالم الأساسية لتلك المباني أو طمس خصائصها المعمارية بأي حال من الأحوال، وهذا ما تم في قصر شبرا، الأمر الذي مكّن من توظيف هذه الضوابط كميزة للمتحف، خصوصا إذا كان المبنى في مكانة قصر شبرا التاريخية والمعمارية. ومما لا شك فيه أن المتاحف ليست مجرد متاحف، ولكنها تعد مراكز ثقافية بنفس القدر، حيث يمكن أن تشهد العديد من الأنشطة والبرامج». ويقول العمري «يشهد القصر العديد من الأبحاث العلمية والبرامج التعليمية والاجتماعية والسياحية والندوات والمحاضرات، إلى جانب إقامة العديد من الأنشطة، مثل استضافة المعارض الفنية المؤقتة، وإقامة الندوات والمحاضرات، واستقطاب الزوار، وكذلك الإشراف على ترميم المباني التاريخية، ومراقبة المواقع الأثرية، وكتابة التقارير الدورية، وغير ذلك. وحاليا يستضيف المتحف معرضين، الأول للخط العربي، والآخر معرض تشكيلي شخصي للفنانة مريم محمد». من جانبه، قال المدير التنفيذي لجهاز السياحة بالطائف، محمد بن قاري «يعتبر متحف شبرا الإقليمي أحد المعالم المهمة في هذه المدينة السياحية. وهناك جهود لدعم الإقبال على هذا المتحف والمتاحف الأخرى التي تحتضنها المحافظة، من خلال الترويج للمواقع التراثية الثقافية بالمحافظة، وتوفير الأدلة الإرشادية باللغات المختلفة. ويقوم الجهاز بالتنسيق للزيارات، إضافة إلى قيام مرشد سياحي بمرافقة الزائرين لشرح تاريخ مقتنيات المتحف، وأقسام القصر، وتعريفهم بتاريخ هذا المعلم السياحي».

تجدر الإشارة إلى أن القصر شهد زيارة أكثر من 3237 شخصا من المواطنين والمقيمين وطلاب المدارس والوفود الرسمية من بداية العام الهجري الحالي حتى الآن، كما يستقبل المتحف زواره يوميا خلال أوقات الدوام الرسمي، ابتداء من الثامنة صباحا، حتى الثانية بعد الظهر، ثم من الرابعة عصرا، حتى الثامنة ليلا، بما في ذلك الخميس والجمعة.

المصدر جريدة الشرق الاوسط  / الاربعـاء 23 جمـادى الثانى 1430 هـ / دانيا الصبان .