الطوافة .. ضيافة أهل مكة التي اندثرت
منذ عصر الجاهلية كانت العرب تتسابق وتتفاخر بإكرام الضيف وكان الوافدون إلى بيت الله الحرام ينالون من سكان البلد الحرام كل صنوف التكريم والتبجيل، فقد كان البيت معظما ومن يدخله أيضاً له حرمة، حتى أن الرجل كان يقابل قاتل أبيه ولا يتعرض له بسوء رغم أنه كان يترصد له لأخذ الثأر، وذلك تعظيماً وتبجيلاً لهذا البيت.
ومهنة الطوافة أشبه بالسقاية والسدانة التى كانت تتنافس عليها القبائل العربية وتتسابق إليها لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن.
ويرجع تاريخ صناعة الطوافة إلى العهد العثماني حسبما أشار لذلك الكاتب أحمد السباعي في كتابه «تاريخ مكة» حيث بدأ مع الشراكسة الذين يتحدثون بلغة أعجمية فكان لا بد لهم من مرشد يدلّهم على المشاعر ويلقنهم أدعيتها. وقد ظهر في هذه الفترة «ابراهيم بن ظهيرة» كأول مطوف وكان أحد القضاة في أواخر الحكم العثماني وخرجت هذه المهنة من ثوب القضاء ليلبسها أعيان مكة، ثم انتقلت إلى شرائح احتكرتها على نفسها وورّثتها لأبنائها، إلا أن ما كان يتقاضاه المطوف حينها لا يعدو أن يكون شيئا رمزيا من الحاج.
كما أوضح محمد الكردي في كتابه «تاريخ مكة القويم» من خلال التقرير الذي صدر أثناء حكم الأشراف ليقر التعريفة الخاصة بكل حاج بحسب المنطقة القادم منها والتي تراوحت بين بضع روبيات هندية وجنيه عثماني إلى الريال المجيدي.
والمطاف أو «الصحن» كما يسميه أهل مكة، كان يعتبر في الأزمنة الغابرة حدّ المسجد الحرام تحيطه المنازل، حيث جُعل بين كل منزلين طريق ضيق يؤدي إلى المسجد مباشرة قبل أن تجري عمليات التوسعة فيه منذ أيام الخليفة عمر بن الخطاب حتى يومنا هذا، واتخذت المصابيح لها من أسطح تلك المنازل موضعا إلى أن استبدلت بها الأعمدة في عهد عبد الملك بن مروان.
وكان المطاف في القديم مجلسا عاما يفترشه الناس للجلوس من التراب والرمل إلا انه وبسبب حرارة الشمس اللاهبة فقد تمت عمارته وفرشه منذ عهد الفاروق الذي يعتبر أول من فرشه بالحصباء من وادي العقيق. أما أول من عمل على فرشه بالبلاط فهو عبد الله بن الزبير عام 64هـ.
ثم تعاقب الأمراء والسلاطين على تغيير فرش المطاف، حيث تم فرشه في عام980 هـ بالحجارة الجبلية المنحوتة في عهد سنان باشا ثم من المرمر في 1003هـ أما الرخام الأبيض فقد تم فرشه في عام 1006هـ في عهد السلطان العثماني محمد خان.
مهنة الطوافة
وعن مهنة الطوافة يقول المطوف حيدر بن شيخ جمل الليل: المطوف صفة تطلق على كل من يزاول مهنة الطوافة وهي تقديم الخدمات للحجاج القادمين من خارج المملكة طيلة مدة بقائهم في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وهي مشتقة من الطواف حول الكعبة المشرفة وهو ما كان يقوم به المطوف قديماً حيث كان يقوم بتطويف الحجاج وتلقينهم الأدعية وإرشادهم لكيفية أداء النسك.
وكانت الطوافة شرفاً يحظى به القضاة ، ثم العلماء ، ثم الأعيان والوجهاء من أهل مكة سكان البلد الحرام، وكانت بيوتهم تفتح طوال العام لمن رغب في الإقامة بجوار البيت الحرام ولطالبي العلم دون مقابل مادي، واصبح اليوم هناك مطوفون للدول مثل بلاد الهند والسند وايران والدول العربية وضمت ايضا اوروبا وامريكا، ومطوفي الجاوا .
بلاغ مكة
وعندما دخل الملك عبد العزيز يرحمه الله مكة المكرمة أصدر بلاغاً في 12 جمادى الأولى سنة 1343هـ لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاج الحضر منهم والبدو إذ أثبت فيه وأبقى الوظائف الدينية في مكة على ما كانت عليه وسمي (بلاغ مكة) .
وجاء النص المتعلق بالطوافة والمطوفين في المادة الرابعة من المرسوم الملكي المنشور بجريدة أم القرى بعددها الأول الصادر يوم الجمعة الموافق 15 جمادى الأولى 1343هـ كما يلي: (كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذو راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئا إلا رجلاً أقام الناس عليه الحجة انه لا يصلح لما هو قائم عليه، فذلك ممنوع مما كان له من قبل وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين أعطيناه منه ولم ننقصه منه شيئا).
المصدر / جريدة المدينة 17/9/1430هـ
0 تعليقات