اخلاقيات التجارة في مكة المكرمة

إن تجار مكة المكرمة يختلفون عن غيرهم من التجار في أي مدينة أخرى ! كما يذكر الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عن هذه الطبقة - بإحدى مقالاته بجريدة عكاظ - يقول واصفاً لهم : "نهارهم كسب وتجارة ، وليلهم مزاحمة للعلماء بالركب في حلقات دروس المسجد الحرام واجتماعات علمية وعبادة ، وكان غشيان مجالس العلم ودروسه بين المغرب والعشاء منهج حياتهم ، وفقه المعاملات وآدابها على ذكر منها ومعرفة تامة بها ، ناهيك عن المواعظ والرقائق التي كانت تملأ قلوبهم خشيةً تتجلّى في سلوكهم" ؛ وذلك لأن دكاكينهم كانت محيطة بالمسجد الحرام ، وصلواتهم كلها بالحرم ، فليس غريبا أن ينتجوا لنا تلك الصورة الراقية من الإيثار والمروءة في البيع والشراء ، التي نقلها الشيخ محمد طاهر الكردي في حديثه عن عادات تجار أهل مكة المكرمة - بكتابه التاريخ القويم - حيث يقول :"كانت المعاملات بينهم في غاية من الأمانة والوفاء ، كان بعضهم من أهل الدكاكين يدفع بعض الزبائن إلى جيرانه في الصباح الباكر ليشتري منهم ، ويقول لهم : إنني قد بعتُ واستفتحتُ ، أما جاري فلان فإنه لم يستفتح ، فاذهبوا إليه لتستفتحوا لبعضكم خيراً".

لقد كان المجتمع المكي بجميع فئاته متصلاً اتصالاً روحياً ومكانياً بالمسجد الحرام ، فقد كانت معظم حارات مكة محيطة بالمسجد الحرام ، بل كان المسجد نقطة التلاقي بين تلك الحارات ، وكان أهل مكة المكرمة لا يتركون الصلاة بالمسجد الحرام ، يقول الدكتور عبد الله حسين با سلامة في سيرته الذاتية ( مواقف وذكرى ) :"إن أهل مكة كانوا يمرون عبر المسجد الحرام عند ذهابهم إلى حوائر مكة المكرمة ، وكانوا عندما يدخلون يطوفون بالبيت ، وعندما يعودون يطوفون أيضاً مرةً أخرى ، وربما تكرّر ذلك الطواف للشخص عدة مرات في اليوم" ، فلم يكن لأهل مكة مكان يذهبون إليه بعد نهار معيشتهم سوى المسجد الحرام ، يدخلون حرمه من صلاة العصر أو المغرب ويجلسون ما بين طائفٍ ، وقارئٍ للقرآن الكريم ، وذاكرٍ لله ، وطالب علمٍ في إحدى حلقات علماء الحرم ، وبعد العشاء يعودون إلى بيوتهم وقد امتلؤوا نوراً على نور ، يقول الدكتور محمد عبده يماني في لقاء له بجريدة الجزيرة :"والناس كانت تتنادى ، فعندما ينتهي الواحد من عمله يذهب للمسجد الحرام ويجلس في حلقة من هذه الحلقات ليستمع إلى هؤلاء العلماء ، فكانت فرصةً لتثقيف كثير من الناس".

الموضوع مشاركة من السيد حسن محمد شعيب