أمين العاصمة المقدسة ورئيس نادي الوحدة الأسبق فؤاد توفيق
ستة أعوام من العمل في أمانة العاصمة المقدسة تجربة تحتاج إلى بوح وكشف أستار، خصوصا أنها تزامنت مع مرحلة تقشف حاد في استخدام الموارد؛ نتيجة التأثير المباشر للحرب العراقية الإيرانية التي أكلت الأخضر واليابس من ميزانيات كل الوزارات... ويأتي الحديث مع عراب تلك المرحلة المهندس فؤاد محمد عمر توفيق أمين العاصمة المقدسة الأسبق ..
على عكس والدي الذي ولد في مكة ونشأ في المدينة فقد ولدت في المدينة ونشأت في مكة ثالثا من بين عشرة أبناء وبنات وأتذكر أنني كنت أرافق والدي عندما كان مديرا عاما للنيابة العامة الذي أصبحت فيما بعد ديوان رئاسة مجلس الوزراء فيضعني عند فراش اسمه (آدم تكروني) كان هو معلمي الأول في حفظ القرآن الكريم وظللت في نفس الفترة أذهب مع أخي الأكبر فاروق إلى المسعى في الحرم حيث نجلس إلى الكتاب هناك، ولا أنسى الشيخ أحمد غندورة الرجل الضرير الذي ظل يعلمني القرآن منذ أن كنت طفلا إلى أن بلغت الثالثة عشرة من العمر، يوم أن زرته بعد أن عينت أمينا للعاصمة بعد ثلاثين عاما من انقطاعي عنه وهو نائم على مفرشة فوق أرض ترابية بجوار ورشة أحد أبنائه فسلمت عليه، فإذا به يرد السلام ثم يفاجئني بتساؤله: (فؤاد) وكأنه كمبيوتر يعرف بالصوت كل شيء فقلت في نفسي هذه معجزة القرآن الذي يحفظه وقد توفاه الله إلى واسع رحمته .
• كنت مدللا ولم تعان كثيرا في طفولتك ؟
المعاناة مسألة نسبية وإذا أخذنا بمقياس العشش والخيام فلم أعاني أما بمقياس الحضارة الحالية فعانينا من الحر وانعدام الكهرباء في الطفولة الصغرى في حي الحجون ثم انتقلنا إلى جرول عند ريع الرسان وراء جبل الكعبة مع أقاربنا من الأشراف الكريمية في الفترة التي كان فيها الشريف علي بن منصور الكريمي عميدا للأسرة . وقد درست السنة الأولى الابتدائية في القاهرة عام 1953م في مدرسة خاصة أسسها المرحوم ولي الدين أسعد وهو رجل أعمال سعودي من أهل المدينة المنورة بعد الثورة المصرية بستة أشهر وعدت مع أسرتي بعد إكمالي الصف الثالث الإبتدائي حيث واصلت الدراسة في المدرسة النموذجية الابتدائية في أجياد وزاملني فيها اللواء أحمد فاضل وأبناء السجيني وأسعد كشميري والدكتور أنور الجبرتي الذي انتهى به الأمر أن اقترن بإحدى أخواتي ثم عدنا إلى القاهرة عام 1961م وأكملت المرحلة المتوسطة هناك، وفي هذه الفترة عين والدي وزيرا للمواصلات وانتقل عمله للرياض وكانت لدينا الرغبة في العودة وأنا في الصف الثاني المتوسط إلا أن تأزمت العلاقات السعودية المصرية في تلك الفترة وقرار الرئيس عبد الناصر بمنع السعوديين من السفر من القاهرة حالا دون ذلك فاضطررنا للبقاء حتى أنهيت مرحلة الكفاءة المتوسطة وعندما عدنا إلى الرياض ألحقني والدي بمعهد الأنجال الذي أصبح فيما بعد معهد العاصمة النموذجي، حيث أشرف على تعليمنا وتربيتنا المعلم الفاضل الشيخ عثمان الصالح ــ رحمه الله ــ والذي استطاع أن يخرج جيلا يقود البلد بشخصيته ومراعاته للاعتبارات الاجتماعية التي كان يحظى بها أبناء كثير من الشخصيات.
• الغريب أنك فشلت في الطب والطيران قبل تخصصك في الجيولوجيا؟
لم يكن فشلا بقدر ما كانت سوء حظ ففي البداية كنت متجها إلى الطب إلا أن طول مدة الدراسة في أمريكا والتي تستغرق إحدى عشرة سنة دفعتني لتغيير تخصصي ثم فكرت في أن أكون طيارا حربيا فاتجهت إلى إحدى الكليات المتخصصة هناك والتي تدرس الهندسة أيضا فقلت في نفسي ولم لا أجمع الحسنيين فأحقق رغبة والدي في أن أكون مهندسا ورغبتي في الطيران وحاولت السفارة السعودية مساعدتي في الالتحاق بها إلا أنني رفضت؛ لأن هذه الكلية لا تقبل طلابا أجانب من دول لم توقع حلفا مع الولايات المتحدة ذلك الوقت ولم تكن بلادنا قد وقعت هذه الاتفاقية فاتجهت إلى الهندسة الجيولوجية لما لهذا التخصص من علاقة في تخطيط المدن والبيئة والمياه، ثم تعمقت في دراستي العليا للماجستير في معرفة مسالك المياه تحت الأرض وبالتالي تأثير البيئة عليها والتخطيط الصناعي والمدني والبيئي بما له علاقة بالمياه الأرضية واستخدمت أجهزة لم تكن متوافرة في المملكة من بينها جهاز الامتصاص النووي وكنت أول طالب يستخدمه في الدراسات العليا لدرجة أن المشرف على رسالتي أمرني بتدريس طلبة الجامعة بشأنه، كما استخدمت بشكل بسيط المفاعل الذري وقد طبقت رسالتي على مدينة بورت لاند الأمريكية، وقد طلبت الحكومة الأمريكية من الجامعة موافقتي على استخدام بحثي فوافقت وقامت الجامعة بتسمية أحد الكمبيوترات باسمي في تلك الفترة التي كانت بدايات ظهور الكمبيوتر في أمريكا كنوع من تقديرهم لي، لكنني لم أتحمل البقاء وحيدا فعدت رغم حصولي على منحة لتحضير شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية لشعوري بالغربة وتشبعي من أسلوب العيش في أمريكا، وعملت في وزارة الزراعة لمدة سنة وكان من نصيبي أن اختارني الملك فيصل ــ رحمه الله ــ قبل أن يتوفى بسنة ضمن وفد التوافق وبداية الاتصالات الخليجية والذي ضم سبعة أشخاص.
• لكن يبدو أنك ملول فلم تمكث أكثر من عام في وزارة الزراعة ؟
أنا لم أصبر في الوزارة لأنني اكتشفت بعد مرور عام أن لدي فرصا جيدة في القطاع الخاص تعادل أضعاف ما سأحصل عليه من العمل في الوزارة مع بداية الطفرة وانتقلت إلى عدد من الشركات الخاصة مع غيث فرعون ثم بدأت أكون أعمالا خاصة بي، وعندما خرجت تحدث الوالد مع الشيخ حسن المشاري وزير الزراعة آنذاك وعلم بخروجي فقال للشيخ حسن: لو كنت مكانك لما تركته، ثم اتصل بي ــ رحمه الله ــ وقال لي: لا تأتيني معاملة عليها اسمك بالكامل في القطاعات الحكومية أو وزارة المواصلات... وفي لحظات معينة من عملي في القطاع الخاص استدعاني وطلب مني أن أخفف من اندفاعي، وأن لا أفرط في السعي وراء المادة وركز على أهمية تكوين العائلة والمحافظة عليها، وعندما أخذت برأيه عينت بعد أسبوع أمينا للعاصمة.
• يبدو أن للوالد دورا في اختيارك أمينا للعاصمة المقدسة؟
على العكس من ذلك فلم يكن ــ رحمه الله ــ يعلم بالأمر وعارض تعييني في هذا المنصب من واقع تجربته في العمل الحكومي ومعرفته بحجم المسؤوليات التي يتطلبها وكان يشفق علي من ذلك، ومن الصدف أنني استدعيت لأول مرة من الشيخ إبراهيم العنقري ــ رحمه الله ــ لأكون أمينا للمدينة المنورة وبعد أسبوع وصل إلى جدة وأخبرني برغبة الملك فهد ــ رحمه الله ــ في أن أكون أمينا للعاصمة المقدسة فقلت له كلاهما عينان في رأس وصدر الأمر في نفس الليلة.
وسألته: هل أنا مخير؟ فأجابني: وما الفرق إن كنت مخيرا ؟ فأخبرته: أن الإنسان لا يسعى إلى المسؤولية لكي لا يحاسب عليها أمام الله، فقال لي: وإن كنت مأمورا، فقلت له: سمعا وطاعة ولكنني أطلب الدعم، فقال لي: هذا سيحصل إن شاء الله.
• قيل إنك خسرت ماديا بتولي منصب الأمين ؟
هذا صحيح فمنصب الأمين تسبب في توقف الكثير من المنافع التي كنت أعمل عليها وكان راتبي في القطاع الخاص أضعاف راتبي كأمين للعاصمة المقدسة، ولكنني لا أنكر موقف ولاة الأمر ودعمهم لي في كثير من المواقف، وحرصت على أن أعطي مقابل تطلعات ولاة الأمر رغم العوائق والظروف الصعبة وشح الموارد في تلك الفترة، التي شهدت الحرب العراقية الإيرانية والتي أثرت بشكل كبير وكانت تضغط على الميزانيات.
• هل حاصرك الخوف من العمل في قطاع تحيط به الشبهات من كل اتجاه؟
لا أخفيك القول إنني اكتشفت بعد أسبوع من استلامي المهمة أنني أمام عمل صعب جدا، فالأمانة عمل يومي يلتصق بالمواطنين من المهد إلى اللحد لدرجة أن القبور من مسؤوليتها أضف لذلك حجم الحج سنويا، فأنا واجهت بعد عام من عملي أكبر موسم حج في التاريخ وكنت أعيش وضعا صعبا مع الإمكانيات المحدودة بسبب حالة التقشف التي سببتها الحرب العراقية الإيرانية وأرهقت في تلك الفترة.
• وأين دور القطاع الخاص؟
كان الشعور في تلك الفترة أن اللجوء لهذا القطاع ضعف، وقد حاولت أن أقتحم هذه التصورات بقوة وفكرت في التعامل مع شركة استثمارية لإنشاء مترو أنفاق بين المشاعر ومكة وتستثمر لمدة خمسين عاما ولكن توقفت، ثم عملت مشروع تطوير مكة المكرمة بعد خمسين عاما وأشركت فيه كل الدوائر الحكومية، ولا أدري ماذا حصل له فهو موجود في الأدراج.
• ربما تخوف المعارضون من امتداد الفساد؟
إن كان هناك فساد فأحد أسبابه عدم إشراك القطاع الخاص، وأعتقد أن إشراكهم تحت منظومة مدروسة يشعرهم بالمسؤولية .
• وقد يفتح لهم الأبواب المغلقة؟
ولماذا تغلق هذه الأبواب .
• خوفا من ضعاف النفوس؟
يا أخي عندما عملنا مشروع تخطيط مكة لم يكن لدينا ميزانيات فجهزناها هندسيا مثل الشارع الموازي لأم القرى وآخر مواز من جهة جبل الكعبة إلى شارع المنصور والتخطيط حول الحرم وطلبت من البلديات الفرعية أن تضع كل هذه المخططات في مداخلها لكي يعرف كل مواطن ماذا سيحدث في منطقته ؟ وأتذكر أنني عرضتها على الملك فهد ــ رحمه الله ــ وأدهشني بمعرفته مسميات الأحياء القديمة والشوارع بدقة شديدة خصوصا منطقة الملاوي، والتي تعرفت عليها عندما أصبحت أمينا للعاصمة المقدسة، فكانت النظرة والرغبة في التطوير موجودة لكن الظروف حاصرتنا في تلك الفترة وكنا نعمل بلا إمكانيات، وقد بدأنا مع القطاع الخاص في مشروع مكة وكانت عندي حساسية من أن نفس أصحاب المنطقة ينبغي أن يشاركوا في هذا المشروع، وأن تستمر ملكيتهم بأن نقتطع بعض الشقق من العمائر ونعيدها لهم كملكية فيصرفون فيها بحسب رؤيتهم، ــ وأعتقد أن هذه النظرة قائمة ــ والحقيقة أننا عملنا باليد أكثر من الإمكانيات وكل من عمل معي من الزملاء في عهد الكوشك أعطوا بإخلاص مما يدل على أن اختيار الرجل لهم كان سليما.
• ألم تطالك الاتهامات أثناء عملك في الأمانة؟
لا بد من هذا، ولا تعنيني مثل هذه الأمور لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قدوتنا وقد اتهم في ما هو أكبر من ذلك، والحمد لله أنني عملت بتوجيهات والدي فلم أقبل أي منحة أرض في مكة لأنها تتناقض مع عملي وموقعي.
• وما الذي حققته ويشار له بالبنان في الأمانة؟
فؤاد توفيق لوحده لا يستطيع أن يحقق شيئا وما تحقق نتاج عمل جماعي قاده ولاة الأمر وشجعونا دائما عليه وأتذكر أن الملك عبد الله في أيام الحج الصعبة عند ما كان وليا للعهد قال لي كلمة: (قوة) وتعني: شد الحيل، ولك أن تتصور كم أعطتني هذه الكلمة من الثقة والحماس كما لا أنسى سمو الأمير سلطان ــ حفظه الله ــ فقد كانت له منشأة يتضرر منها بعض المواطنين فزرت سموه وأوضحت له المسألة فتراجع عن القرار وأوقفه، كما أتذكر موقف سمو الأمير نايف ــ حفظه الله ــ عندما توقف لمدة سنتين شريان كبير يأتي من المشاعر ويمتد عبر الأنفاق والكباري إلى أن يصل منطقة ريع بخش بسبب تضارب في الرأي لدى وزارة المالية حول من ينفذ نفقا طوله خمسون مترا... مشروع تطوير منى أم وزارة المواصلات فلما أخبرت سموه وقف ميدانيا ومعه وزير المالية آنذاك الشيخ محمد أبا الخيل وانحلت مسألة السنوات في دقائق. فالست سنوات كانت بالنسبة لي ستين عاما وعملت فيها إلى أن أقلقت الشيخ إبراهيم العنقري ــ رحمه الله ــ بكثرة مراجعاتي، والحقيقة أن اللمسات عندما تأتي من ولاة الأمر فإنها كالبلسم الشافي، فالملك فهد قال لي في إحدى المكالمات الهاتفية قبل موسم حج أحد الأعوام وكانت الوحدة تلعب مباراة ضد الهلال في نفس الوقت ومهزومة بهدف للا شيء مداعبا: نريد للوحدة أن تتحرك ومثل هذه الكلمات تخفف عني الضغوط وعن أي مسؤول.
• مع أن القريبين منك يقولون أنك تعشق السلطة ؟
أنا أعشق خدمة الوطن ولا أعشق السلطة، وعندما وجدت أن الإنتاج أصبح محدودا تخلصت من قبضة الكرسي بالرغم مما حصلنا عليه من تقدير سنوي في محفل البلديات وحصولنا على جائزتي النظافة والمشاريع كأول وثاني في السنة الأولى والعكس في السنة الثانية مما يدل على جهد الزملاء ورعاية الدولة وليس إنتاج فؤاد توفيق فقط، ولا أنسى أنني بدأت السعودة في الأمانة ليس من بوابة التوظيف فقط، وإنما قمت بسعودة العمل من خلال نسبة العشرة في المئة التي تخصص لترسية العقود واخترت التفضيل، بحيث تكون نسبة السعودة في الشركة سواء كانت سعودية أو أجنبية مرتفعة وكنت أضغط في هذا الاتجاه دائما لكن الحقيقة أنه لا يمكن فرض السعودي على الشركات.
• يشتم الكثيرون رائحة الفساد في بعض الأجهزة الميدانية في الأمانات والبلديات، فهل واجهت مثل هذا الأمر في أمانة العاصمة المقدسة؟
هذا الموضوع شارع ذو اتجاهين فالخطوة الأولى في الفساد يمكن أن تأتي من المسؤول ويمكن أن تأتي من المراجع أو المواطن والأمانة لأنها تلتصق بالجمهور، ولكن إذا كان هناك فساد موجود وهو موجود فعلا في كل أنحاء العالم فهو موجود في كل الأجهزة وليس قاصرا على أمانة العاصمة أو غيرها، ونسمع قصصا كثيرة في هذا الموضوع وفي المقابل ينبغي أن يشعر المسؤول بضرورة الوطنية والإصلاح وكنت أحرص على إنهاء أية مشكلة تحدث مع شركة في مشروع ولا أميل لتجميدها لأن التجميد يخلق العلاقة بين الشركة المستفيدة والموظف المعني حتى لو اتهمت فيها وكمثال فقد وقعت ستة وثلاثين مخططا وحرصت على الإسراع في تنفيذها لسببين الأول منع العشوائيات لوجود اعتداءات على الأراضي والثاني لتخفيض الأسعار لتوفير الأراضي وقد وصلت أسعار بعض الأراضي في مخطط الرصيفة عندما دخلت الأمانة إلى أربعمئة ألف ريال وهي الآن أكثر من ذلك وبعد زيادة المخططات نزلت الأسعار إلى مئتي ألف ريال وأقل من ذلك وفي حي الشرائع الذي تساوي أراضيه حاليا من مئتي إلى ثلاثمائة ألف ريال لم تزد قيمة قطعة الأرض عن عشرة آلاف ريال، وكان المواطنون يشترونها بالتقسيط ولم يحتاجوا إلى المنح.
• ألم تتهم بأن لك علاقة مع أصحاب المخططات؟
يعلم الله أنني ذللت لهم العقبات ولم أجبرهم على شيء وناديتهم ليشاركوا في بعض الإصلاحات في الأمانة مقابل تسهيلات من حقهم ومنصوص عليها في النظام الأساسي للأمانات بأن من حق الأمانة أن تتعاون في موضوع إشراك القطاع الأهلي في بعض المسؤوليات مع كل القطاعات بما فيها الرياضية.
• تعرضت لضغوط في عملك.. تنازلت.. غضضت الطرف مثلا عن شيء ما؟
حرصت على أن أكون واضحا بكل أدب في أي موضوع أشعر أن فيه شيئا، وبفضل الله سبحانه وتعالى لم تمارس علي ضغوط طوال فترة عملي.
• حتى في موضوع الاعتداء على الأراضي من قبل بعض المسؤولين ؟
الاعتداء في أغلبيته يأتي من المواطنين ولا تستطيع أن تتحكم فيه الأجهزة بل إن بعض المعتدين كانوا من أفراد هذه الأجهزة، وقد حدث أن خططت موقعا فجاءني صك من شخصية ما لملكية هذا الموقع وبعد البحث وجدت عليه ملاحظات فلم آخذ بكلامه واستمررت في تطبيق بعض المنح للمواطنين وأتاني دعم كبير في هذا الموضوع، وعندما تكون هناك رغبة في الحصول على منحة أو في تخصيص منحة لشخص معين في موقع ما فإنني أوضح للقيادة حاجة الخدمات العامة للموقع فيتم إلغاء قرار المنحة ووجدت في هذا الأمر تأييدا لا محدود.
• ألا يؤرقك ضميرك عندما تخصص الأمانة أرضا بلا خدمات لمواطن وتمنح أرضا متكاملة الخدمات لمسؤول داخل المدينة ؟
مهما حرص الأمين فإن تخصيص المواقع مسألة تحتاج إلى تنظيم وفيما يخص مكة فلم يكن في داخلها أراضي تميز فيها شخصا عن آخر، أما المواقع القريبة من الحرم فظلت ممنوعة بموجب النظام إلا إذا حدد الأمر السامي الموقع بعينه، والحقيقة أن مشكلة الأمين في مكة أكبر من هذا الموضوع فهناك أكثر من عشر جهات تتدخل في تحديد قرار معين مع الجهات المسؤولة وتتناقض الآراء إلى الحد الذي يجعل الجهات العليا تجمد قرار الأمين بناء على رأي مخالف من الجهات العشر المسؤولة، وهذا الأمر ضايقني كثيرا وعانينا من تأخر تنفيذ القرارات واتخاذ الخطوات بسبب كثرة الآراء، وهذه المشكلة مزمنة ولذلك اقترحت على الملك فهد ــ رحمه الله ــ إنشاء الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر بحيث تسلب كل المشاريع من كافة الدوائر الحكومية وتوكل لهذه الهيئة، وعند انتهاء كل مشروع يسلم للجهة الحكومية المعنية لإدارته وتشغيله فيتوحد التخطيط ونوفر في الوقت والإنفاق.
• ولم تجامل أحدا ؟
أبدا.. بما فيهم أقاربي والبعض كان يأتيني ويقول: فلان يسلم عليك فأقول له: شكرا فأنت لا تحتاج لهذه المسألة لأنني اهتممت في عملي بمنح الصلاحيات للموقع وليس للأشخاص فإذا أخطأ شخص نغيره ولا نجمد الصلاحيات؛ لأن الموقع للناس.
• يلاحظ أن المجالس البلدية المنتخبة شكلت عبئا على الأمانات أكثر منها عاملا مساعدا وجهازا رقابيا لمصلحة المواطن؟
المجالس الانتخابية لديها صلاحيات وواجبات في النظام لو نفذت لأصبحت جهازا مساعدا بشكل كبير لكافة القطاعات الحكومية وليس للأمانات والبلديات فقط وقد طالبت بأن تكون هذه المجالس أو لا تكون، وينبغي علينا النظر إلى نوعية الأشخاص الموجودين في عضويتها بحيث يكونوا مؤهلين ودورهم مواكب لعمل الأمانة في الرقابة والمساءلة والمشاركة، وقد شعرت بأهمية وجودهم معي في أمانة العاصمة تلك الفترة لكن الظروف طوقتنا من كل جانب.
• الملاحظ أن الأمانات والبلديات تهمش الدور المطلوب منهم؟
أنا دعوتهم من جانبي وعرضت عليهم نص النظام ووضعت بين أيديهم الميزانية والأفكار والمشاريع ولكن المشكلة أن الأشخاص الموجودين في المجلس قديرون اجتماعيا فيما معلوماتهم العملية والفنية غير كافية .
• ألم يعرقلوا عملك في وقت ما ؟
حدث شيء من هذا القبيل في بعض المواقف فوجدت أن آراء بعضهم تقف وراؤها مصالح شخصية أكثر من المصلحة العامة فتجاوزتهم، وفي تصوري أن الرغبة في تحديث نظام المجلس البلدي كانت موجودة وفوجئنا بتقليص هذا الدور بعد ذلك وكان بالإمكان تطوير النظام السابق بما يتماشى مع المستجدات مثل التخصيص، ولو علمنا أن أهم المشاكل التي تواجه مدن المملكة وتسبب زيادة في العمالة تكمن في عدم وجود نقل عام منظم ووجود حاجة لشركات مساهمة ضخمة لتولي هذا الموضوع وهو أمر سيؤدي لتوظيف الآلاف من السعوديين لأدركنا مدى أهمية مشاركة المجلس البلدي في مناقشته والحاجة لتطبيقه بالأمس قبل اليوم .
• قضية مقاولي الباطن ما زالت تثير قلق الناس لانعكاسها على تنفيذ المشاريع الحكومية بما لا يتناسب مع المواصفات المطلوبة، فكيف واجهتها في مشاريع الأمانة الأكثر عرضة لمثل هذا التلاعب ؟
هذا الموضوع لا يجب أن يكون ممنوعا وإنما منظما بضوابط، فلا يوجد مشروع في أي مكان في العالم يقوم به المقاول العام وإنما تتم تجزئته وإشراك آخرين معه ومن الناحية الاقتصادية فهذا الأمر مطلوب لتشغيل الشركات الصغيرة ومنع الاحتكار وينبغي أن تتم ضوابطه قبل توقيع العقد وأن تتوافر لدى الجهة الحكومية القدرة على الإشراف بصورة عادلة .
• وهل تؤدي الجهات الرقابية دورها كما يجب أصلا؟
في بعض الحالات تكون متوسطة وأحيانا ضعيفة وفي حالات معينة تنعدم تماما وتكون قوية في البعض والفارق في هذه المسألة هو الموقع، فمثلا تأتي شركة في ينبع الخالية من السكان وتداخل الأجهزة الحكومية وحركة المواطنين اليومية فتسهل عملية مراقبة المقاول العام فيما تحدث التداخلات والتناقضات وتتشتت الرقابة في المواقع التي تحدث فيها طفرة وحركة، وهذه المسألة لها علاقة بضعف التنظيم فلو اجتمعت المشاريع في جهة تنفيذية واحدة فهذا أفضل في الرقابة وسيسد أبواب الفساد والإهمال والتناسي والتغاضي والشيء يردم فوق الشيء وهكذا، وفي بعض المواقع في مكة وجدنا أن بعض المشاريع التي يمكن تنفيذها في سنتين ينتهي العمل بها في خمس سنوات والسبب أن بعض الظروف تجبر جهة ما على المطالبة بإيقاف العمل لمدة تزيد على ثلاثة أو أربعة أشهر إلى أن ينتهي الموسم فيقع المقاول في أزمة دفع رواتب العاملين معه ويلجأ إلى أساليب لتوفير ذلك ونحن في نفس الوقت نحاسبه على التأخير وهذه التناقضات تحدثها الظروف لكنها لا تحدث في مواقع مثل الهيئة الملكية للجبيل وينبع؛ لأفضلية الإنتاج فيها.
• هل يعني هذا أننا بحاجة لهيئة رقابية على المشروعات الحكومية؟
الهيئات موجودة والمطلوب أن تفعل وبعضها ينقصها التخصص، وأتذكر في أحد مواسم الحج أن هيئة معينة راقبت أعمال الحج ورفعت تقارير عن طريق أشخاص ليس لديهم إلمام أو معرفة فنية فأدت الأخطاء الواردة في تقاريرهم إلى قرارات كارثية للعمل فهناك ضعف ولا بد من إعادة تنظيم الجهات الرقابية، وأرجو أن لا يؤخذ هذا على أنه أمر عام وفي كل المجالات بل في أماكن محددة فقط .
• وهل شعرت في لحظة أنك عاجز عن اتخاذ قرار؟
الاستسلام ليس من طبيعتي وكنت أراجع دائما ما يحدث على ضوء الظروف والإمكانات وأتصرف من خلال ذلك.
• هذا يعني أنك تركت وراءك مشاريع معلقة ؟
لم تكن هناك اعتمادات لمشاريع جديدة لكي أترك ورائي شيئا معلقا وقد أخذت الجائزة الأولى في تنفيذ المشاريع ولم تتجاوز ميزانية المشاريع خمسة وثلاثين مليون ريال وكان لابد أن تنجز ولو لم تنجز لما استحق الجهاز أن يبقى، وأنا إنسان لا حدود عندي في الطموح فلو أعطيتني خمسة مليارات واحتجت إلى ألف ريال لقلت لك: إن الإمكانات غير كافية فأنا أريد المزيد لتحقيق المزيد للوطن .
• بمعنى أنك خرجت راضيا عن نفسك؟
خرجت برغبة أن أنتج أكثر وشعرت بالحزن لأنني لم أملك الإمكانيات التي تحقق تطلع ولي الأمر، وخرجت راضيا عن ضميري أما الرضا عن النفس فإنه نوع من الغطرسة ولو حدث معي لرحلت قبل ذلك، ولم أقرر الاستقالة إلا بعد أن شعرت أنني أقف في دائرة لا يمكن الخروج منها ووجدت أنه من الصعب أن أبقى في منصبي بلا إنتاج.
• الملاحظ أن علاقتك بالرياضة بدأت وانتهت برئاستك نادي الوحدة لمدة سنتين عام 1406هـ؟
أنا مغرم بكرة القدم ولعبتها في سن مبكرة وكنت عضوا في منتخب المدارس المتوسطة في القاهرة، وعندما التحقت بمعهد العاصمة النموذجي في الرياض تدربت على يد مدرب المنتخب السعودي ونادي الهلال حسن سلطان ــ رحمه الله ــ وشجعني على الانضمام للأندية ولكن والدي لم يكن مرحبا بهذا الأمر وإلا لكنت سجلت في نادي الوحدة عشقي الأول والأخير، وعندما سافرت إلى أمريكا تم اختياري ضمن منتخب الجامعات وحصلت على جوائز عدة كأفضل لاعب وأفضل هداف في دوري الجامعات الأمريكية، وأمارس حاليا رياضة المشي وأتابع المباريات من خلال التلفاز، أما رئاستي لنادي الوحدة فقد دفعت لها دفعا ومن الطريف في الأمر أنني عندما كنت صغيرا في الثالثة عشرة من عمري زارنا أمين العاصمة ورئيس نادي الوحدة الأسبق الشيخ عبد الله عريف ــ رحمه الله ــ في منزلنا، وكان صديقا لوالدي فتعمدت مداعبته عند خروجه من المنزل بأن رفعت لوحة كتبت عليها (يعيش نادي الاتحاد) فالتفت إلي ضاحكا وقال لي: يمكن تصير في المستقبل أمينا للعاصمة ورئيسا لنادي الوحدة وقد كان .
• لكنك لم تحقق للوحداويين بطولة يتذكرونك بها؟
النادي حقق نتائج جيدة في فترة رئاستي وعمل معي في مجلس الإدارة أناس قديرون مثل معالي الدكتور سهيل قاضي والدكتور محمد بصنوي والدكتور عبدالعزيز سرحان وقد حرصت على تقريب النخب من أبناء مكة وتعاملت مع ظاهرة الشللية في النادي برحابة صدر وأجلستهم مع مجلس الإدارة، ورفضت التدخل في صلاحيات المدرب والشؤون الفنية للاعبين خصوصا أنني استقطبت كريم المسفر ودخيل عواد لجهاز الكرة واطررت للمغادرة بعد أن حاصرتني مسؤوليات منصب الأمين فكان لا بد مما ليس منه بد.
• البعض يقول: إن مسيرتنا الرياضية تعيش مأزقا حادا بعد فشلنا للوصول لمونديال جنوب أفريقيا؟
أنا أختلف مع هذا الرأي تماما فالإيجابيات التي حققتها الرياضة السعودية أكبر بكثير من السلبيات والتأهل لكأس العالم ليس إنجازا وإنما الإنجاز في سمو الرياضة ومستواها الأخلاقي والفني والإداري في الدرجة الأولى والرقي في التعامل مع الرياضة كحضارة، وهذا أمر يوجد منه شيء وتحتاج أشياء أخرى منه إلى تنظيم، والآراء تختلف حول هذا الموضوع، فأنا مثلا أرى أن منتخبنا كان مؤهلا للفوز بعدد وافر من الأهداف أمام البحرين وشاهدنا رغبة اللاعبين واندفاعهم في هذا الاتجاه وفوجئنا من خلال ما شاهدناه في الشاشة أن تراجع المدرب عن قناعاته والتي قد تكون نتيجة الضغوط التي يمكن أن تعرض لها وأعتقد أن هناك أخطاء حتى في تشكيل اللاعبين فياسر القحطاني مهاجم ممتاز ولكنه بحاجة إلى تحفيز ليعود إلى مستواه ولم يكن يستحق أن يلعب وأرى في إبعاده عن المنتخب تحفيزا له للعودة وكان يلعب شبه مدافع لفريق البحرين فكل كراته تعود لخط الوسط، كما أن نور لم يوظف في مكانه الصحيح وقد ظلم لما وجه إليه من انتقادات، واستغربت من تهميش لاعب شهيته مفتوحة دائما للتهديف مثل ناصر الشمراني وكيف لعب الشهيل ولدينا لاعب مثل حسن معاذ، وأعتقد أن ما حدث حالة نفسية يمكن تجاوزها وتداركها ونحن ما زلنا في نقلة كروية يمكن أن تحدث فيها الكثير من الأخطاء حتى في رعاية الشباب التي تمر بمرحلة انتقالية ولا يجب أن نعتبر ما حدث جريمة، والمهم في الأمر يكمن في كيفية المعالجة وإلا فنحن مطمئنون إلى وفرة اللاعبين لدرجة أن بإمكاننا أن نفترش الخليج بما لدينا من مواهب، ويكفي أن ملاعبنا أنجبت لاعبين مثل يوسف الثنيان وسعيد لبان وهما من فئة (الستة نجوم) ويأتي بعدهم فئة الخمسة نجوم من أمثال سعيد غراب وماجد وسامي وغيرهم .
• يبدو أن ميولك هلالية أيضا؟
أبدا فأنا وحداوي حتى النخاع وهذه رؤيتي الشخصية فلم يمر على الكرة السعودية والعربية لاعب مثل يوسف الثنيان فهو الوحيد الذي استطاع أن يخترق وينظم ويسجل ويحاور بمكر ودهاء وفكره الكروي عال جدا، وفي تصوري أن لدينا في الوحدة لاعبا كبير لم يأخذ حقه ويستحق أن يحترف في أوروبا هو أحمد الموسى الذي أعتبره بيليه السعودية وسبقه لاعب خطير كان يمكن أن يكون له شأن هو عبيد الدوسري الذي ذهب ضحية للبطانة الملازمة لبعض المسؤولين الرياضيين خارج الأروقة.
المصدر / حريدة عكاظ 13/10/1430هـ - حوار : بدر الغانمي
0 تعليقات