العالمية حياة سليمان سندي " بنت مكة "
عندما كان رأس الصغيرة (حياة) يضجّ بالأسئلة، كان والدها المكاوي الصميم (سليمان سندي) يرد عليها بإجابة واحدة: إقرأي. وعندما كانت تعيش طفولتها الخاصة مع أبطالها الأسطوريين، الرازي، ابن الهيثم، آينشتاين. كان سليمان سندي يثبت حقيقتهم قائلا: إنهم تشكلوا بالعلم.
شبت حياة في ممرات العلم بين مكة وجدة والرياض، وحينما وضعت خطواتها الأولى في طريق (البحث) هناك في بريطانيا، فشلت حياة في اجتياز اللغة الإنجليزية ولم تقبلها جامعة واحدة، لكنها عادت تقضي 18 ساعة كل يوم في تعلم اللغة من جديد، واجتازتها بنجاح، لتفتح لها الجامعات البريطانية كل أبوابها، وتبدأ منها (بنت مكة) رحلة البحث الأولى في (علم الأدوية). الآن تجلس الدكتورة حياة سليمان سندي، على كرسي جامعة (هارفارد) العظيم، تخاطب العالم بعلم الأدوية وتقنية النانو. قبل أيام فازت الدكتور حياة بمكانة علمية رفيعة، تتمثل في اختيارها من قبل منظمة Tech Pop ضمن أفضل 15 عالما في مختلف المجالات؛ ينتظر منهم أن يغيروا أساليب الحياة في الأرض عن طريق أبحاثهم وابتكاراتهم. «عكاظ» اتصلت مهنئة الدكتورة حياة سندي وخرجت بالحوار التالي:
• مبروك يا دكتورة على هذا التقدير العلمي الرفيع..
ــ مبروك للجميع، وأنا حرصت عندما طلبت منظمة Tech Pop بياناتي الشخصية واسم الجامعة أن أضيف بكل فخر اسم المملكة كإهداء مني وعرفان بوطني ومشاركة أهلي وناسي الذين دعموني بدعائهم في هذا التكريم، لا سيما أني مواطنة انتمي لهذا الوطن الغالي على نفسي كثيرا، لكن أبلغت من قبل المنظمة أن مصدر أبحاثي هو جامعة (هارفارد) ولا علاقة للمملكة في ذلك، فأبلغتهم رغبتي في تطبيق التجربة ونقل التكنولوجيا إلى بلدي المملكة كنوع من التعاون، فرحبت المنظمة بهذه الفكرة ووافقت على وضع اسم السعودية كدولة سيتم تطبيق التجربة فيها، إضافة إلى المدينة التي قمت فيها بتطبيق الاختراع في أمريكا.
• من الجميل أن يشعر الإنسان بالتقدير، أليس كذلك؟
ــ طبعا. ويجب أن يكون دافعا للاستمرار.
• كيف حصلت على ترشيح منظمة TECH POP؟
ــ المنظمة دائما ما تبحث عن الشباب المبتدئين لتبني ابتكاراتهم، إيمانا منها بأن هؤلاء الشباب سيغيرون في العالم وكل الذين تم اختيارهم للجائزة هم أشخاص ما زالوا في بداياتهم، ونقطة الانطلاقة جاءت من ترشيحي لهذه الجائزة من قبل جامعة هارفارد، بما أنني ساهمت في أخذ هذا الاختراع من المعمل وتطبيقه على أرض الواقع.
• وماذا ستقدم المنظمة لحياة سندي؟
ــ تمنح المنظمة الفائزين لقب عضو مدى الحياة، إضافة إلى تكوين حلقة وصل بينهم وبين المستثمرين وتسويق الابتكارات وتذليل العقبات التي قد تواجه العالم والتغلب عليها والمساعدة في تطبيق الأبحاث، والمنظمة غير ربحية بل تهدف إلى خدمة البشرية منذ إنشائها قبل 15 سنة، كما ستعقد المنظمة مؤتمرا بحضور ما يقارب 1000 شخص من رجال الدولة والأعمال لتفعيل أبحاثنا وابتكاراتنا على أرض الواقع بشكل سريع وسهل وأن أكون سفيرة بينها وبين الشرق الأوسط.
• أحدثت ابتكاراتك دويا هائلا في الأوساط العلمية العالمية، حدثينا عن ذلك؟
ــ آخر ابتكاراتي كان في تقنية النانو في جامعة هارفارد. وهو عبارة عن إيجاد الحلول بالعلوم السهلة المبسطة حتى نستطيع إعطاءها للأشخاص الفقراء بحيث نستطيع تحويل الأشياء المعقدة بأن تكون سهلة الاستخدام وبسعر رخيص، خاصة أن أغلب ابتكارات العلماء لا يستطيع أن يحصل عليها الفقراء مثل جهاز الرنين المغناطيسي، حيث يتطلب وجود الكهرباء من أجل أن يساهم في اكتشاف الأمراض، إضافة إلى ارتفاع تكاليفه المادية على الفرد، ناهيك عن وجود مدن في بعض الدول الفقيرة لا تتوفر لديها خدمة الكهرباء فيكون سببا في حرمانهم من ابتكارات العلماء، لذلك بدأ العلماء في استهداف الأشخاص الفقراء وتسليط الضوء على الناحية الإنسانية لهذه الفئة لانعدام أساسيات الحياة لديهم. ومن هنا كانت الانطلاقة وكيف يسخر العلم لخدمة البشرية خاصة الفقراء ويحتاج هذا إلى جهد كبير جدا وذلك بتحويل أدوات باهظة التكاليف إلى أدوات مبسطة وبمبالغ زهيدة، حيث تم ابتكار جهاز صغير جدا يساهم في اكتشاف الأمراض التي تشهدها المجتمعات الفقيرة وربما تتحول إلى وباء يقضي على عشرات الأشخاص دون اكتشاف المرض لعدم وجود معامل متخصصة تكلف ملايين الريالات. وابتكار آخر قمت به وأحدث صدى علميا كبيرا؛ وهو اختراع جهاز من مادة الورق لاكتشاف الأمراض لا يتجاوز حجمه مقدمة إصبع اليد سهل الاستخدام، بحيث يمكن وضعه في الجيب ومقاوم لعوامل المناخ ويستطيع استخدامه حتى الأشخاص الذين لا يقرأون من خلال الألوان التي توضح لهم الحالة المرضية حسب كل لون. والابتكار سيساعد على اكتشاف الأمراض بشكل سريع وبسعر زهيد لا يتجاوز (واحد سنت أمريكي) بينما قد نحتاج لتحليل واكتشاف الأمراض إلى إيجاد معمل كبير ومعقد تبلغ كلفته مليوني دولار. وأحدث ابتكار الدرة الورقية ضجة كبيرة في أمريكا العام الماضي وحصلنا على المركز الأول في جامعة هارفارد وجامعة MMINIT وهما أقوى جامعتين حاليا في أمريكا، وكان التنافس محموما حيث لم يسجل تاريخ حصول ابتكار على مثل هذه المراكز في التوقيت نفسه، ومن ثم بدأت عملية تطوير هذا الجهاز بحيث نستطيع أن نستخدمه لاكتشاف أمراض الرئة والكبد والقلب والإيدز والسل وهذه التطورات صعبة جدا وممتعة في الوقت نفسه.
• كيف استطعت دعم هذا الابتكار؟
ــ قمت بالمشاركة مع الدكتور المشرف على أبحاثي في الجامعة بتأسيس شركة غير ربحية وأشغل فيها منصب المدير التنفيذي وشريكة فيها، ونسعى حاليا إلى نقلها إلى الشرق الأوسط، حيث إن 67 في المائة من الأشخاص المتضررين في العالم من الفقراء المسلمين، وأتمنى أن نحظى بدعم من المملكة ومن الدول العربية والإسلامية.
• ولماذا لم تستطيعي أن تحصلي على الدعم من هنا؟
ــ أسعى إلى تفعيل الجهاز المصنع من مادة الورق والاستفادة منه في وطني المملكة خلال موسم الحج على سبيل المثال، ومنذ العام الماضي ونحن نجتمع مع المسؤولين في البنك الإسلامي ووزارة الصحة ونتحاور معهم بهدف الاستفادة من هذا الجهاز، وما زلت انتظر الرد إن شاء الله في أقرب وقت ممكن.
• فرق بين حياة «مكة» وحياة «هارفارد» صحيح؟
ــ بكل تأكيد، لكن صدقني أن مرتكزات التنشئة هي المحرك.
• كيف؟
ــ نشأت في بيئة اجتماعية عادية جدا، كنت حينها أحب أن اطلع على كتب شقيقاتي الدراسية الأكبر سنا مني، كنت شغوفة بالاطلاع والقراءة التي توارثتها عن والدي الذي كان يحرص على أن اطلع على الصحف والمجلات التي يجلبها إلى منزلنا بين حين وآخر، إضافة إلى أنه كان يحفزني ويساعدني بالرد على كافة تساؤلاتي التي تثير عقلي من خلال القراءة، لذلك عندما دخلت إلى المدرسة لم يكن لدي أي تخوف أو رهبة كما هو الحال لدى البعض واستمر معي ذلك الشعور إلى الآن.
• كفتاة تعيش مرحلة مراهقة، من كان يسكن عقلك وروحك من الرجال في مرحلتك تلك؟
ــ قد تستغرب.
• ولم الاستغراب؟
ــ لأنهم كانوا رجالا من نوع آخر
• من هم؟
ــ الرازي، ابن حيان، ابن الهيثم، آنشتاين وغيرهم، ونبع حبي وتعلقي بتلك الشخصيات من قراءاتي العلمية المعمقة عنهم، ووضعتهم قدوة لي في نهل العلم وتطوير النفس وأن أكون في أحد الأيام مثل هؤلاء العلماء الذين طوعوا أنفسهم لخدمة الإنسانية.
• أثناء تتبع مسيرتك الدراسية في الجامعة نلحظ أنك استبدلت دراسة علم الأدوية بالطب، لماذا؟
ــ كنت بعد عام من التحاقي بالجامعة وجدت نفسي أنتمي أكثر إلى الأبحاث وبشكل خاص علم الأدوية، إضافة إلى أنني كنت أرغب أن أبدأ حياتي الدراسية في الجامعة في عمل التجارب ودخول المعامل، لذلك شعرت بالملل من دراسة الطب وقررت تغيير التخصص.
• ماذا فعلت بعد ذلك؟
ــ نظرا لعدم وجود تخصص علم الأدوية آنذاك في المملكة فلم يكن أمامي سوى خيار واحد وهو الدراسة في الخارج وتحديدا في بريطانيا، وبعد أن اقتنع أهلي وشجعوني على ذلك تجاوزت تلك المرحلة بنجاح.
• هل تابعت أخبار جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية؟
ــ نعم وبكل اعتزاز
• وكيف رأيتها؟
ــ أنا أرى أن الجامعة توازي جامعات العالم الأول، ومن المؤكد أنه في حال استمرار العمل في الجامعة بهذا التطور فإنها ستحقق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في جعلها نبراسا ومعلما قويا للعلم على المستوى العالمي.. وحقيقة لا أخفيها أن أي عالم عربي مسلم يواجه العديد من الصعوبات عندما يسافر إلى دول الغرب ولذلك فإنه دائما ما يتمنى أن تكون في بلاده أو أي بلد عربي جامعة بهذا المستوى.
• ماذا لو وجهت لك دعوة للانضمام إلى هيئة التدريس في جامعة الملك عبد الله، هل ستقبلين؟
ــ بكل سرور وأتمنى أن أكون ضمن فريق الجامعة.
• أنت واحدة من عشرات الآلاف الذين استفادوا من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، كيف ترين نتائج البرنامج؟
ــ برنامج الابتعاث يعتبر خطة لتنمية وتطوير البلاد، لذلك أرى أن يتم اختيار برامج الأبحاث بما يفيد البلد، وأن تطبق على أرض الواقع، والمتوقع أن البرنامج قائم على هذا النحو، بحيث تطبق الأبحاث التي تقام في الجامعات في وطننا ويكون لها خط مباشر حتى نجد الثمرة التي نريد كما هو المعمول به في الدول العظمى التي أبدعت في العلوم بسبب تطبيقها بشكل مباشر في جامعاتها المحلية فتحقق لهم نتاج تلك الأبحاث، وهم يؤمنون أنه بالعلم يستطيعون حل كل المشاكل، ولذلك تشرع حكومات تلك الدول إلى تقييم العلم والعلماء ودعمهم ماديا وتخصيص ميزانيات للعقول التي ستنمي لهم حياتهم وتعود بالنفع على قوة البلاد الاقتصادية، وبذلك تكون الدول من الأمم القوية في العالم. وأنا هنا أعمم كلامي هذا على كافة الدول وليس المملكة، والأولى من كافة الدول أن تعمل على هذه الأسس الصحيحة لنيل النجاح والتقدم.
• كيف هي علاقتك بالمجتمع العلمي السعودي؟
ــ هناك تقصير في هذا الجانب من عدة جهات أولها عدم وجود منظمات أو مؤسسة تشرف على تنظيم اللقاءات الدورية بين العلماء مثل دول الغرب، إضافة إلى أن العلماء دائما ما تجدهم مشغولين بابتكاراتهم وأبحاثهم التي تكلفهم الجهد والوقت. ولذلك على الدولة أن تحرص على تنظيم اللقاءات بين العلماء والتي أراها من منظوري الخاص بأنها في غاية الأهمية.
• ماذا يمكن أن نفعل كي نستطيع أن نستقطب العلماء لخدمة الوطن؟
ــ استقطاب العلماء للوطن من الأهمية بمكان لأنهم يمثلون ثورة حقيقية، ولذلك فأنه لابد أن يكون هناك آلية من استقطاب العالم إلى وطنه كما فعلت الصين والهند. فالصين مثلا قامت باستقطاب علمائها ومن ثم أنشأت لهم 100 جامعة مجهزة بأحدث التقنيات والمعامل.. ومن البديهي أن العلماء إذا لم يتم تهيئة مواقع لهم متقدمة كي ينتجوا ويبتكروا فإن ذلك بمثابة تعطيل وقتل لعقولهم.
• وما هو المناخ المناسب للعلماء؟
ــ وجود الدعم المادي والمعنوي والمناخ المناسب للعلماء في رأي يتكون من أربعة عناصر:
- الدعم العلمي بحيث يكون هناك علماء يساهمون في خلق أجواء علمية بحتة. والدعم المادي؛ نظرا للتكاليف التي تحتاجها هذه الأبحاث. والدعم المعنوي، حيث إن العلماء لهم وزنهم ولا بد من تكريمهم. والحرية في الدعم والابتكار.
• حياة سندي.. شخصية فريدة في مجتمعنا كيف نستطيع إيجادها في بناتنا؟
ــ هذا سؤال في قمة الأهمية أخي أحمد.. لقد تلقيت العديد من الاتصالات حول ذلك والجميع يريد أن يكون لديهم أبناء وبنات مثل حياة سندي، وأنا أتوقع أن يكون هناك من هم أفضل مني في مجتمعنا، فأنا إنسانة أحببت العلم بجد وإخلاص وبذلت كل جهدي لتحقيق أحلامي، وأنا لا أؤمن بالمستحيل، كما أنني أؤمن أن لكل إنسان رسالة في هذه الحياة، حيث إن الله أوجد هذا الإنسان في الحياة لغرض معين، وأنا رسالتي وهدفي تسخير العلم لخدمة الإسلام والإنسانية. وأقول إنه متى ما وجد الشخص بيئة محفزة ابتداء من المنزل، حيث يعتبر الحاضن الأول لأبنائنا وبناتنا والاستفادة من مواهبهم في حال اكتشافها ودعمها بكافة الوسائل، من أجل تكوين شخصية فريدة وإعطائهم الفرص من أجل تحقيق تطلعاتهم وأفكارهم، فسنجد أكثر من حياة سندي في المجتمع.
المصدر / جريدة عكاظ 25/10/1430هـ
0 تعليقات