الخدمات الصحية في الحجاز في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري

 

1.في مكة المكرمة

سعت الدولة العثمانية جاهدة إلى حفظ صحة الأهالي والحجاج ؛ إذ بدأت في أواسط القرن الثالث عشر الهجري(19م) بإرسال لجان صحية بغرض تحسين الحالة الصحية في الحجاز ، وقامت هذه اللجان بإعداد تقارير عن الحالة الصحية بها، وبناء على تلك التقاريــر افتتح مستشفى بمكة المكرمة باسم مستشفى الغرباء ، وذلك في سنة 1278هـ (1) في المدعى. ويبدو أن موقع المستشفى كان قريباً من مدرسة خاصكى سلطان المعروفــــة بـ "خُرَّم سلطان" زوجة السلطان سليمان القانوني ، أو هي المدرسة نفسها (2).

وكان المستشفى يحوي 70 سريراً ، واثنتي عشرة غرفة ، وصيدلية واحدة ، ومطبخ، وكان يعمل فيه عشرون شخصاً من طبيب وصيدلي وجراح ومعاون للجراح وقابلة ومدير وموظف للمشتريات وإمام وطباخ وتسعة أشخاص من الخدم وبواب وعامل للمستودعات (3).

وكان بمكة مستــــشفى آخر وهو المستشفى العســـــكري الذي أعد بتحويـــــل قلعة فلفل الكائنة على جبل لعلع في حي الفلق، إلى مستشفى عسكري في بداية ولاية عثمان نوري باشا على مكة المكرمة(4) في أواخر القرن الثالث عشر الهجري(19م) ، وأسس أيضاً عثمان نوري باشا في بداية ولايته على مكة دائرة للصحة في حي أجياد(5) ؛ إذ كان يعمل فيها طبيب وصيدلي ومضمد للجراح .

وفي عام 1330هـ أرسلت الحكومة العثمانية عدداً من الأطباء للعناية بشؤون الحج، وكذلك نصبت في المكان الكائن خلف تلك الدائرة صوالين من الخشب غير القابل للاحتراق ليكون مقراً للمرضى الذين يعالجون داخليـــاً(6) ، بالإضافة إلى التكية المصرية التي كان بها طبيــــب يعالج المرضى الذين يقصدونــــه أياً كانت جنسيتهم، ويصرف لهم الدواء من عنده(7).


2 – في المشاعر المقدسة:

ومن الجهــــود الصحية التي قامت بها الدولــــة العثمانية في المشاعــــر المقدســـة إنشــاء مستشفى في منى، ولم تذكر المصادر تاريخ تأسيــــس هذا المستشفى إلا أن أيوب صــــبري(8) ذكر أن مبنى المستشفى أنشيء من جديد في زمن السلطان عبد الحميد الثــــاني في أواخر القرن 13هـ(19م) . وكانت سعــــة المستشفى 40 سريراً، والكشف والتداوي والعلاج والأدوية كانت مجانية على حساب السلطــــان الخاص. وكانت تعلق عليه شمعة حمراء لإرشـــاد المرضى إلى موقع المستشفى(9). هذا بالإضافة إلى وجود فرع لدائرة الصحـــــة بمكة التي كان يشرف موظفوهــــا على الأعمال الصحية في منى أيام الحج(10).

وفي الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري(19م) بدأت الدولة أيضاً بإقامة محاجر صحية في المداخل البرية والبحرية للحجاز لمنع سريان الأمراض السارية عن طريق بعض الجنسيات من الحجاج إلى الأراضي المقدسة(11).

ثم جاءت بعد الحكومة العثمانية حكومة الشريف حسين بن علي فلم يضف شيئاً كثيراً على ما وجده من المستشفيات التي تركتها الدولة العثمانية في مكة ، وهي دائرة الصحة ومستشفاها بأجياد ومستشفى الغرباء التي سمي فيها بعد بمستشفى القبان. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى تلك المدة لم تكن هناك مؤسسة للتعقيم فيما إذا مست الحاجة وحدث مرض ما من الأمراض الوبائية، وليس هناك مؤسسة دار الجراثيم لفحص المواد المشتبه فيها التي لا يمكن الاستغناء عنها، وليس هناك أيضاً مؤسسة تحليل ولا مؤسسة جدرى وغيرها من المؤسسات التي لا تتم الرعاية الصحية الكاملة دونها(12).


المراجع والمصادر :

(1) مستشفى الغرباء بمكة تقرر فتحه سنة 1271هـ ، حيث إن هناك وثيقة بتاريخ 1271هـ بشأن تخصيص مستشفى للغرباء بمكة المكرمة ( مجلس الوزراء رقم 13683 بأرشيف رئاسة مجلس الوزراء باستانبول ) .

(2) صبري , أيوب: مرآة الحرمين (مرآة مكة)، ص 1034.

(3) المصدر السابق، ص 1035 وما بعدها.

(4) مكي ، محمد أمين: خلفاء عظام عثمانية حضراتنك حرمين شريفندة كي آثار مبرورة ومشكورة هما يونلرندن باحث تاريخي بد أثردر (الآثار المبرورة والمشكورة لسلاطين آل عثمان في الحرمين الشريفين) دار سعادت، مطبعة عثمانية، 1318هـ ، ص 82؛ حجاز ولايتي سالنامه سي. مطبعة ولاية الحجاز، سنة 1301هـ. (الكتاب السنوي لولاية الحجاز)، ص 65 ، رفيع: المرجع السابق، ص 229. ويوجد مسقط أفقي لهذا المستشفى في الركن الأيمن السفلي لخريطة مكة المكرمة التي عملت سنة 1298هـ من قبل هيئة عسكرية عثمانية. وأصل الخريطة في مكتبة جامعة إستانبول، وتوجد نسخة مصورة منها في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى في المعرض الدائم به.

(5)مكي: المصدر السابق، ص 82.

(6)رفيع، محمد عمر: مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري، منشورات نادي مكة الثقافي، الطبعة الأولى، 1401هـ/1981م، ، ص 228.

(7) هيكل، محمد حسين: في منزل الوحي. الطبعة الرابعة، القاهرة، 1967م، ص 145.

(8) صبري، أيوب: مرآة الحرمين (مرآة مكة)، مطبعة بحرية، إستانبول، 1303هـ، ص 1036 وما بعدها.

(9) المصدر السابق، ص 1037؛ شاكر، القائم مقام قيصر لي: حجازك أحوال عمومية صحية وإصلاحات أساسية حاضرة سيله برابر بعض مشاهدات وملاحظات بندة كانه مي حاوي برلايحة طبيبة در. (تقرير طبي عن الأحوال الصحية للحجاز وإصلاحاتها الأساسية الحاضرة مع بعض مشاهداتي وملاحظاتي). مخطوط في مكتبة جامعة إستانبول تحت رقم 4609ت باللغة العثمانية ، وتوجد نسخة مصورة منه في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى. ص 131.

(10) صبري: المصدر السابق، ص 1037 وما بعدها.

(11) دفتر العينيات رقم 871، ص 88؛ رقم 873، ص 83 بأرشيف رئاسة الوزراء بإستانبول؛ فــــؤاد حمزة: البلاد العربية السعوديـــة، مكتبة النصر الحديثة، الطبعة الثانية، الرياض. 1388هـ/1968م. ص 215؛ عبد القدوس الأنصاري: موسوعة تاريخ جدة. مطابع الروضة، الطبعة الثانية 1401هـ/1980م، جدة. ص 126 وما بعدها.

(12) حمدي، محمود: تقرير إدارة الصحة العامة عن الحالة الصحية في هذا العام. جريدة أم القرى: السنة الأولى، العدد 29، 25 ذو الحجة سنة 1343هـ، 17 يوليو سنة 1925م، ص 3، 4.1)

موضوع خاص بموقع قبلة الدنيا  ..مكة المكرمة من اعداد محمد علي يماني ( ابوعمار ) .