الغبانة المكية و تقرير مصور مع أ.يوسف طيب




لأن العمائم تيجان العرب ، ولأن الغبانة البهيّة تمثّل الهويّة المكية ، في صورةٍ من صور التراث الحجازي الذي كان ثم ندَر ولم يلبث أن عاد من جديد بقوّة على جناح الصحوة في العودة إلى القديم الجميل من تراث الآباء والأجداد في اللباس العريق الذي يقتطف أجزاءه ويستكمل مكوّناته من ثقافات متعددة حاملاً ألوان الجمال وروعة الفن المتعدد الأعراق في لوحةٍ عالمية لا تملّ الأنظارُ رؤيتها ولا يستريح الخيال من فُسحة التحليق في جماليّاتها وأبعاد رونقها ..

لذلك كان لموقع ومنتديات قبلة الدنيا مكة المكرمة ذاك اللقاء الرمضاني مع الأستاذ يوسف الطيب في معرضه بمجمع أم القرى في شارع الستين بمكة المكرمة ، مساء الجمعة 10 /9 / 1431هـ .


فمن أروقة الخطوط الجوية السعودية انطلق الأستاذ يوسف الطيب محلقاً في سماء التراث المكي الذي توراثه عن الآباء والأجداد في مهنة بيع الغبانات ومستلزمات اللباس الحجازي لأكثر من 90 سنة ، وظل متمسكاً بها في وجدانه رغم البعد الذي لم يقطعه عن المحافظة عليها في ظل فناء وهجر الكثير من أهلها .. فقد كان منذ نعومة أظفاره في السابعة حين يعود من مدرسته الابتدائية يقف مع والده في المحل ويلتقط كل أسرارها ، وفي ذاك الوقت لم يكن بيت الطيب وحدهم الوحيدون في مجال الغبانات ؛ حيث يشاركهم فيه الكثير من البيوت المكية أمثال : بيت فؤاد قطب ، والبوقري ، والسندي ، وفؤاد حموه ، وأسعد هاشم ، وبيت كمال ، وابن جحلان .. وفي المدينة المنورة وجدة كان سعد صبرة المدني

ويعتبر محل الطيب الآن على مستوى المملكة الوحيد الذي يقدّم الغبانات بأشكالها القديمة والجديدة وبتنوع كبير بعد تحوّل وتوقف كل البيوتات السابقة التي كانت تتنافس في بيعها ، طبعاً يوجد بمكة المكرمة وغيرها محلات أخرى تبيع الغبانات التي تُصدّر من سوريا ، ولكنهم يبيعون الأصناف العادية ومن أرخص وأقل النوعيّات بعكس محلات الطيب المتخصصة في الغبانات المكية بأشكالها وخاماتها وأنواعها الأصيلة ، ولعل سبب توقف تلك العوائل المكية عن مزاولة بيع الغبانات أنهم بعد وفاتهم لم يكمل أبناؤهم مزاولة الصنعة فتُركت وانثرتْ .

ويعدّ محل الطيب للغباني في مكة المكرمة من المحلات القديمة التي ما زالت مستمرة منذ أكثر من 90 عاماً ؛ حيث كانت سابقاً في شارع فيصل أمام المسعى حالياً ، ثم انتقلت بعد التوسعة إلى شارع الأمير عبد الله الفيصل بالغزة ثم أخيراً استقرّت في شارع الستين بمجمع أم القرى ، وقد تفرّغ لها مؤخراً العم يوسف الطيب بعد تقاعده قبل سنتين وحاول خلال السنتين الماضية إضافة الكثير من التحديثات والأشكال والزخارف والألوان الجديدة في تصاميم الغبانات بشتى أنواعها ؛ مما كان له دوره وأثره الكبير في توجّه الكثير من الشباب المكي - تحديداً - في العودة إلى تراث الغبانة الحجازي ، وظهور الغبانة المميز في المناسبات المتعددة بعد أن كانت محصورة في السابق على عُمد الحارات والمنشدين وغيرهم .

وحول تسمية "الغبانة" يخبرنا العم يوسف بأن أهل مكة يجمعونها "الأغبان" ، وينسبون بائعها إليها فيقولون : فلان "الأغباني" أي بائع الغبانات ، وأيضاً يجمعونها على "الغباني" .

أما خطوات صناعة الغبانة : فتتم في مدينة حلب بسوريا ، وتبدأ من الحرير الخام ، ويكون لونه الطبيعي "بيج" ثم يُصبغ وتضاف عليه بعض المواد الكيميائية ، أما خيط التطريز فيتم صبغه كذلك ويكون حرير أيضاً ، وله مقاسات : خيط بخيطين ، وأبو 46 وأبو 48 ، وتتعدد أنواع قماش الغبانة مثل : سلطان الدوبلين ، أبو غزالين ، الحرير ، وأقمشة أخرى تترون ؛ لذلك يزيد من سعر الغبانة وقيمتها درجةُ خامتها الحريرية ، فهناك الحريرية الخالصة ، وهناك القطنية فقط ، وهناك الحريرية المضاف إليها القطن وهكذا ، وكلما كانت حريرية علا سعرها .

وأكثر الدول العربية والإسلامية تستورد العمائم من حلب ، ولكل دولة تصميمها الخاص بها ، فالسعودية واليمن يأخذون نفس التصاميم تقريباً ، وعُمان لها تصميمها الخاص وكذلك دولة إيران وهكذا .. وبخصوص الرسومات فهناك متابعة مع الرسامين لوضع التصاميم الخاصة بكل غبانة وتعديلها وتحديثها أيضاً من حين إلى آخر مع المحافظة على الأصول الزخرفية ، وفي العموم يعتبر أهل حلب وأهل اسطنبول مشهورين بتطريز الغبانات .

ومن الذين كانوا يرسمون زخارف الغبانات في مكة المكرمة : السيد عبد الله بن حسن شعيب ، والسيد عبد القادر البغدادي (حفظهما الله) ، وقد كشف لنا العم يوسف عن غبانة رسمها له السيد عبد الله شعيب يحتفظ بها في المحل منذ أكثر من 52 سنة ، ثم أخرج لنا بعض التصاميم والرسمومات للغبانات من رسم السيد عبد القادر البغدادي ( شفاه الله ) .









وبحرص شديد أخرج لنا العم يوسف غبانة عمرها 100 سنة من الحرير الأصلي ، ذات نقشة قديمة من العهد العثماني ، دُفع له فيها 5000 ريال ولم يبعها .. وهي غبانة اشتراها من رجل حلبي اسمه منير حجّار ، وكانت قديمة لديه من زمن جده وقد اشتراها منه العم يوسف بصعوبة .






وتتكوّن الغبانة كتصميم من أجزاء أساسية كالتالي :
1- الكينار : وهو البرواز أو الإطار الذي يحيط بالغبانة على مدار أركانها الأربعة ، ويأتي في عدة أشكال : شكل ورقة ، أو
عنبة ، أو دمعة وغيرها من الأشكال الزخرفية .

2- الأركان : وعددها أربعة في كل غبانة .

3- الوسط : وهو الرسمة التي تكون في وسط أو قلب الغبانة .

4- النثر : وهي الأشكال التي تنثر في باقي أجزاء الغبانة كزخارف أو نقاط متعددة الأشكال والألوان أحياناً .

هذه الأجزاء الأربعة أساسية موجودة في كل غبانة ، إلا الغبانات السادة والتي تحتوي فقط على جزء الكينار ، وهي نادرة وقليل الطلب عليها ، والكينار هنا يختلف من حيث السماكة والنحافة ومن حيث التعبئة والفراغ بحسب الذوق ؛ فنجد الشباب يرغبون في الكينار الصارخ الألوان والمليء في تعبئته ، بينما كبار السن يفضلون الكينار الخفيف لوناً وتعبئةً .

وتتعدّد أنواع الغبانات بحسب اللون والشكل والخامة ؛ لتأخذ مسميات مختلفة ترضي كل الأذواق كالتالي :

1- البغدادية : وهي الأكثر انتشاراً الآن بين الكبار والشباب تحديداً ، وهي في الأصل لونان : الأحمر والكمّوني ، ثم مؤخراً أضيفت عدة ألوان جديدة : الأسود ، والعودي ، والبني ، والزيتي .. والتسمية نسبة إلى بغداد أو لأنها كانت تأتي من العراق .


2- العزيزية : عبارة عن خطوط متقاطعة ، وهي من الحرير الأصلي ، ومفضلة عند كبار السن لخفّتها .


3- الأحمدية : وتأتي مشتغلة كلها ، وهذا يرفع قيمتها ، ويأتي ما بداخل الكينار كله مشتغل ، وتأتي في لونين كمّوني وأحمر ، والآن قامت محلات الطيب بعمل تحديث لها بإضافة ألوان وزخارف جديدة ، وفي تركيا أيضاً هناك قرى تصنع هذا النوع من الغبانات .


4- الرشوانية : ويصنع من حرير أبو غزالين .. وعرض القماش : عرضين ونصف ، ويسمّى عرض أبو 54 ، وأكثر من يلبسها أهل اليمن خاصة المشايخ فيهم .


5- السلطانية : وقماشها اسمه "سلطان بوبلين" ، وفيها أكثر من 30 نقشة ، وهي نوعان : الكريم والأبيض ، وهنا نقشات من تصميم المحل ، مع وجود النقشات القديمة والجديدة الأخرى .. وكان لهذه الغبانة قديماً نقشة واحدة فقط هي نقشة السلطان .


6- البريسمي : وهي أنواع : منها ما هو تصميم هندي ، وما هو حلبي ، وزبائنها من تايلند ومن الحبشة ، وهي نوعان أيضاً : بريسمي "طَلْس" أي مليان ، وبريسمي فاضي أو فارغ .





7- اللوزة : لأن تدويراتها مثل اللوزة ، وتتميز بإطارها "الكينار" العريض ، وهي نوع واحد والقماش يختلف .



8- السمسمية : عبارة عن مربعات صغيرة وتأتي قطنية 100% وتأتي حريرية أيضاً ، وهي خفيفة ؛ وهي مناسبة للبس في العمل .


9- البالي : وتسمى "المبكّرة" وهي لونان : الأبيض وهو الأساس ، وقماشها ماركة "أبو ولد" وهو في الأصل رجل من حلب اسمه مصطفى شمّاع ، وعمره الآن 80 عاماً .





10- المنقوشة : والتطرير فيها ذهبي وأصفر والأرضية بيضاء ، ويلبسها أهل البلد ، ويلبسها الجاوا وأهل تركيا وأهل اليمن .

هذا وهناك غبانات لا يلبسها أهل الحجاز ، يلبسها أهل المغرب والجزائر فقط واسمها ( التوته ) الهندية ، وهي مقاسات :
3 أمتار ، مترين ، 5 أمتار ، والعرض : 19 توته ، 12 توته ، 9 توته ، والتوته : هي المربعات المنقوشة التي تكون بعرض الغبانة ويختلف عددها من قياس لآخر ، فيأتي الحاج المغربي أو الجزائري ويعدّها داخل الغبانة لمعرفة المقياس الذي يناسبه ويرغبه ، وتأتي التوته من الحرير وغيره ، أما أهل السودان فيلبسون العمائم البيض من البال ، والمبكّرة ، 4.5 متر ونص ، و 5 متر .




ويرتفع سعر الغبانة باعتبارات منها : الخامة ، والشغل ، والاسم أو النوعية : من الحرير ، أوالأقطان ، أو الأسيتان .. ومن متممات لبس الغبانة : الطواقي أو الصندقة وتأتي على أشكال منها : الدورين ، 3 أدوار ، 6 سم ، 12 سم ، والبوقس ، والماليزي .. وتكمُل الغبانة مع "البقشة" وهي تلف حول الوسط كالحزام ولها أشكالها وخاماتها المتعددة .

أما أطفال المكيين فكانوا يلبسون الغبانة أيضاً من نوع اسمه "السُّقَّاطة" وهذا النوع قد انتهى الطلب عليه فلم يعد متوفراً ، ولكن استطعنا أن نطلع على عينة لهذا النوع محفوظة كتراث لدى العم يوسف .


هذه الأنواع مجتمعة من الغبانات : تلبس عمائم وتلبس على الكتف ، وإذا لبستها عمامة لا تضع مثلها على الكتف ، بل يوضع "مِصنف" ، أما إذا أردت وضع الغبانة على الكتف فإنك عندها لا تلبس عمامة بل تكتفي معها بالطاقية فقط ، ولا تجمع بين غبانتين : عمامة وعلى الكتف .

وأكثر من يلبس الغبانات الكبارُ من أهل البلد ، وكذلك العُمَد ، والسائد عند أهل مكة لبس غبانة "سلطان البوبلين" لأن قطنها بارد والرسومات فيها هادئة ، أما طلاب العلم في الحرم فكانوا يلبسون الغبانة أبو غزالين ، أوالعزيزي ، ولهم رسمتهم ولفتهم الخاصة بهم ، وأما علماء الحرم المكيين فكانوا يلبسون العمائم السادة من البوال السويسري ، أوالشاش القطن .

ومن أشهر الشخصيات التي تشتري الغبانات من محل الطيب : جميل جلال المطوف ، والأستاذ عبد الله أبكر ، وجميع منشدي الغربية تحديداً ، والسيد عبد الله فدعق ، وعم حسني سابق ، والعمدة البيطار ، وعم صديق أشعري ، والسيد عباس مالكي ، والشيح أحمد زكي يماني .. وغيرهم .

هذا وسوق الغبانات في تحسن مستمر خلال 3 سنوات الأخيرة ؛ بسبب العودة للتراث المكي ، والالتفات الدائم للمحافظة على القديم ، إضافة إلى دور محل الطيب المؤثر في تسويق الغبانة كتراث قديم مع التحديث والتطوير المستمر في النقشات والألوان والخامات ، وعدم الوقوف عند الأشكال القديمة فقط ، ومراعاة التطلع الشبابي لكل جديد في عالم الأزياء .


وفي جانب آخر من محل الطيب للغباني نرى بعض مستلزمات اللباس المكي النسائي وهي : المحرمة ، والمدوّرة ، والسروال الحلبي ، والسروال أبو دكّة ( القطن المطرّز ) ، والأزارير (الفرنسية) ، وأزارير اليُسر ، والعظم ، والكوك ، والأزارير (التشيكية) الذهبية النادرة ، والساعة التعليق للسديري .












وقد كان في مكة المكرمة عوائل أو بيوت يشتغل نساؤهم في عمل بعض الملبوسات المكية المشتغلة مثل : بيت أبو عزة وبيت قدير ، فكانوا يعملون المدوّرات ، والتلّي : وهي عبارة عن قصب من الهند ، يُعمل على الشيفون على شكل رسمات وبألوان متعددة .. فكان سابقاً قبل 35 سنة كانت تكلفة التلي مع التطريز لدى ستات البيوت 25 ريال ، وتباع في المحل بـ 50 ريال تقريباً ، والآن لقلة الطلب وترك التطريز واندثاره لدى تلك العوائل ، أو كبر السن لأولئك السيدات اندثرت هذه الصناعة المكية الحرفية الرائعة .

هذا وقد التقينا بالمحل أحد زبائن الغبانة وهو الأستاذ سراج عمر أفغاني ، الذي أخبرنا بأنه يفضّل من الغبانات : الحجار البغدادية ، والرشوانية ، ويعمل معلم تربية فنية في مدينة عشيرة بطريق الرياض ، ويلبس الغبانة كسنة وكتراث مكي يحمله معه في كل مكان يذهب إليه ، ويقول : بأن جيلنا - نحن الشباب - هو جيل الصحوة التراثية المكيّة .. وقد أثّر في طلابه ؛ حيث أصبحوا يقلدونه في لبس الغبانة .




وفي المحل أيضاً التقينا بأحد أعضاء منتديات قبلة الدنيا وهو الأستاذ هاني صيرفي "الروحه" معلم تربية إسلامية وإمام وخطيب مسجد ، وأخبرنا عن مدى اعتزازه بالموقع والمنتدى ومتابعته الدائمة لكل ما يقدّمه من معلومات ثريّة حول مكة المكرمة .




وهذه صورة للعم يوسف طيب مع حفيده و ابنه محمد


وفي ختام هذا اللقاء سجل لنا الأستاذ يوسف طيب هذه الكلمات حول الموقع ومنتدياته : " أنا فخور بالموقع وهو فعلاً مؤثر ويبين بحق تراث مكة والمكيين ، ومكة بلد تاريخ وهويّة عالمية تجمع حضارات العالم في شتى أشكالها الثقافية .. وموقع مكاوي على الإنرتنت يمثل هذه الهوية العالمية خير تمثيل " .