الطوافة ( الجزء الاول )
قال تعالى : (( إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما و من تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم ))
يفد إلى مكة المكرمة إلى البيت العتيق .. الملاين من المسلمين من شتى بقاع الأرض بقصد القيام بإحدى أركان الإسلام التي ارتبطت بالاستطاعة .. و بالمقدرة على القيام بهذه الفريضة .. إنها الركن الخامس .. و أحد الأعمدة التي يقوم عليها الإسلام ..
إنه الحج إلى بيت الرحمن .. إلى أقدس مكان إلى قبلة الدنيا مكة المكرمة التي تحمل في قلبها بيت الرحمن ..
و تحمل فريضة الحج العديد من المناسك المختلفة التي تلزم الحاج بإتمامها ومنها الطواف بالبيت العتيق و الذهاب لمنى لرمي الجمرات و المبيت بعرفات , و غيرها من المناسك التي منها الواجب و السنة و المستحب ..والتي يجب أن يكون على علم بها حجاج بيت الله..
حيث هناك من الحجيج من تكون معرفته بهذه الأمور و المناسك الشيء البسيط أو قد يكون المعدوم .. و كان هذا الأمر يحزن الحجاج ..
و عندها ظهر أشخاص أصحاب علم و دين .. تَولوا مهمة تعريف الحجيج بمناسك الحج و العمرة .. و تلقينهم الألفاظ و الأدعية و السنن و الفرائض ذات العلاقة بعملية الطواف و مناسك الحج ..و قد أطلق عليهم (( المطوفون))
و منها كانت بدائية قصة مهنة الطوافة .. التي تحمل شرفها أهل مكة المكرمة
اشتقاق اسم المطوف
الطواف أو المطوف هو الدوران حول الكعبة و منه اشتق اسم (( المطوف ) . و المطوف أساساً هو الشخص الذي يطوف بالحجاج , و يقوم بمهمة تلقين الحاج أو المعتمر بالألفاظ و الأدعية و السنن و الفرائض ذات العلاقة بعملية الطواف كما يد اسم المهنة , و التي أصبحت فيما بعد من أهم المهن التي امتهنها أهل مكة منذ توافد الحجاج ممن لهم معرفة بسيطة أو معدومة بشعائر الحج و العمرة و الطواف بالبيت . و قد تطورت هذه المهنة نتيجة المتغيرات السياسية و الاجتماعية التي مرت بها المنطقة خلال تاريخها الطويل لتشمل جوانب عدة من حياة الحاج أثناء فترة إقامة منذ وصوله إلى الأراضي المقدسة و حتى خروجه منها , وقد أنتجت هذه المهنة عدة روافد ذات صلة باحتياجات الحاج الكمالية و بخط سيره منم موطنه إلى مكة و المدينة و العودة منهما . فازدهرت صناعة المواصلات في مصر مثلاً , نتيجة تدفق حجاجها , إضافة إلى مرور حجاج الشمال الإفريقي منها عابرين باتجاه الساحل الشرقي للبحر الأحمر , وتعد قافلة مصر واحدة من أربع قوافل رئيسة كانت تصل إلى مكة قبل الموسم , و القوافل الأخرى هي قافلة الشام و قافلة الهند و قافلة المغرب
الطوافة .. بمعناها الشمولي ..
بدأت الطوافة بمعناها الشمولي الخدماتي قبل الإسلام بمئات السنين إلى أن وقعت في يدي قصي بن كلاب , جد النبي صلى الله عليه وسلم . و المعنى الشمولي للطوافة آنذاك كان ينحصر في ما قدمته قريش وعرف حينها بالرفادة , و الوفادة , و السدانة و السقاية . و يقول الأستاذ فؤاد عنقاوي معرفاً الطوافة بأنها في مهامها و مفهومها الحاضر هي تلك المهام مجتمعة التي كانت تقوم بها قريش, و الرفادة هي استضافة الحجاج , و الوفادة هي هيئة للعلاقة الدبلوماسية بين القبائل و كان ممثلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم , هو عمر بن الخطاب , رضي الله عنه
و أما السدانة فكانت للبيت العتيق ( الكعبة ) و العناية به و بأصنامه حينها و قد أبقاها النبي صلى الله عليه و سلم , في بني شيبة يوم فتحه مكة المكرمة و لا تزال فيهم إلى اليوم لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : (( لا ينزعها منهم إلا ظالم )) .
و أما السقاية فهي للحجيج من ماء زمزم , إلى أن اختفت زمزم فبدأت قريش تأتي بالماء من خارج مكة حتى أعاد عبد المطلب , جد النبي صلى الله عليه و سلم , حفرها و السقاية منها . و كان أولئك الذين أوكل بهم سقاية الحجيج من قريش , يخلطون زمزم بالبن و أحيانا بالعسل زيادة في كرم الضيافة . وكان تشبث قريش بهذا العمل المضني له مردود مادي يتمثل في التجارة التي يأتي بها الحج , و معنوي يتمثل في الشرف الذي يجبله بين القبائل العربية كونهم سكان الحرم و الذي يؤدي بدوره إلى المردود الثالث و هو السياسي و يتمثل في حصول قريش على الأمان في زمن كان غزو القبائل لبعضها البعض عرفاً شائعاً . و كان ذلك مما مكن لقريش من التوسع في تجارتها الشتوية و الصيفية
الطوافة في زمن الإسلام ..
يعتقد بعض المؤرخين بأن الطوافة بدأت في زمن الإسلام , بعناها المطلق للدلالة و الإرشاد الديني أثناء الحج , عندما نصب الرسول صلى الله عليه و سلم , أبا بكر الصديق , رضي الله عنه , أمير على الحج . و مع انتشار الإسلام و اتساع بقعة العالم الإسلامي جغرافياً و بتالي زيادة أعداد الحجيج و تعدد لغاتهم, بدأ كل بلد إسلامي في تعين أمير على حجه يأتي بالحجيج إلى مكة المكرمة في كل موسم . و في عصر المماليك , عين أمير مكة لكل من هذه البعثات مرافقاً محلياً من الشخصيات المرموقة في مكة لكي يرشدهم خلا الموسم , و كانت هذه هي المرة الأولى التي ظهرت فيها المعالم المهنية للطوافة و أخذت بعداً وظيفياً محدد براتب محدد , و خرجت عن المفهوم الروحاني أو الإنساني .
و مرت مهنة الطوافة منذ عهد المماليك بالعديد من المراحل المتباينة التي تميزت بالحرية الكاملة في ممارستها أحياناً مما أفقدها التنظيم, و طغت عليها السيطرة الكاملة في فترات أخرى مما أفقدها روح المنافسة.
و قد تدهور الوضع الاجتماعي للعاملين في مهنة الطوافة خلال زمن الأشراف إلى مستوى الطبقات التي صنفت من الطبقات الدنيا في ذلك المجتمع و هي طبقة الحرفيين و المهنيين بعد ذلك بدأت في الظهور جماعة من المطوفين و اتسعت قاعدتها حتى عرف معظم الحجاج من الأقطار الإسلامية المختلفة بوجود مطوفين ينتظرون قدومهم و يستعدون لخدمتهم و استضافتهم
تطور دور المطوف..
كان المطوفون غالباً من القضاة و الفقهاء القادرين على الإرشاد السليم على كل المذاهب, و لكن دور المطوف تنامي خلال فترة حكم المماليك من مجرد المرشد الديني, إلى المضيف في السكن ثم المسئول عن الإعاشة ثم الموفر لوسائل النقل و هكذا. و مع تنامي المردود المادي للطوافة و تداخل منافعها, تحولت بشكل رئيس عن الفقهاء و القضاة ووصلت إلى الوجهاء و الأعيان بداية الألفية الهجرية الثانية. و قد نشأ بين هؤلاء المطوفين من الأعيان صراع طبيعي قاعدته مادية بحتة بحثاً عن تنمية حصص الربح و تأسس على أثرا هذا الصراع ما عرف بنظام التقارير . و هذا النظام يقرر أو يعين مطوفاً محدداً لحجاج كل بلد إسلامي محدد , و ليس للحجاج من تلك الأقطار خيار أو رأي في ذلك المطوف . و أدى هذا النظام إلى تقسيم الحجاج إلى نوعين في تلك المرحلة هما حجاج التقارير كما سبقت الإشارة إليه , و حجاج المشاع , أو من لم يقرر لهم مطوف محدد و هؤلاء هم من يتجاذبهم المطوفون بعد وصوهم إلى الديار المقدسة .
و تم بعد ذلك إلغاء نظام التقارير , ثم إعادته و تعديله عدة مرات خلال فترة الحكم العثماني . كما أدى صراع الوجهاء على الربح وزيادة إلى تنظيم أجوار المطوفين كتعرفة عام 1326هـ . و حتى ذلك التاريخ كان يعتبر الأجر الذي يتقاضاه المطوف لقاء خدماته عبارة عن إكرامية يقدمها له الحاج تقديراً لضيافته كما يرى الحاج و يقدر و كانت لدى المكين قدرة في تمييز الحجاج الأغنياء أو الذين يسهل إقناعهم بدفع مبالغ أكبر و كان هؤلاء إما من المهراجات الهنود أو حجاج جاوه
المرجع بتصريف .. من مجلة القافلة – أرمكو
الموضوع من إعداد حبايب مكة / اللجنة النسائية بمنتديات قبلة الدنيا
0 تعليقات