العِطارَة في مكة المكرمة

العطر – بكسر العين وإسكان الطاء – اسم جامع للطيب والجمع عطور ، والعطار بائعه وحرفته العطارة ، ورجل عاطر ومعطار ، وامرأة عطرة ومعطرة ، يتعهدان أنفسهما بالطيب ، ويكثران منه فإذا كان ذلك من عادتها فهي معطار ومعطارة . لسان العرب .

والعطار هو بائع الطيب ، وحرفته العطارة ، وهو لا يقتصر في عمله على بيع العطر وإنما يبيع الأعشاب الطبية المختلفة والأخرى التي تستعمل في أمور أخرى مختلفة ، فهو يبيع الأعشاب التي تستعمل في علاج المرضى ، فكل عطار في القديم هو إلى الصيدلة أقرب منه إلى العطارة ، وكانوا يسمون الصيدلة بيع العطارة ، وكانوا يسمون العطار أحياناً بالصيدلي .

ولا يزال العطارون منتشرون في الحجاز ، وفي كثير من البلاد الإسلامية ويسمون بنفس التسمية ويبيعون الأعشاب إضافة إ لى الطيب ، والعطارون كانو يبيعون للناس العطر والأعشاب التي يصفها لهم الطيب .

والعطارة في مكة ثلاثة أنواع ، النوع الأول : عطارة الأعشاب وتركيبها وصرفها من قبل أطباء متخصصين في ذلك ، وكان على رأسهم آنذاك الحكيم سلطان بخش – أو زبدة الحكماء – سيأتي ذكره عند الحديث عن (قاعة الشفا) .

وأما النوع الثاني فيتمثل في : عطارة البقالة ، أو الدكان ، يباع فيها مثل : حبة البركة أو الحبة السوداء ، والنانخة والسفوفات وجميع أنواع البهارات وما شاكلها .

والنوع الثالث يتكون عن : (العطرجية) وهن أصحاب العطور الدهنية ، مثل : العود والورد والمسك والعتبر وما شابه ذلك ، وطيب البخور بمختلف أنواعه .

وكان من التجار فيها مثل : بيت الألفي ، وبيت التونسي ، وبيت مظفر عالم وبيت الحبحب وغيرهم ، وكانت معظم دكاكينهم في المدعى ، ولا تزال بعض آثارها إلى يومنا هذا بل زادت .
فالعطرجي يختلف عن العطار في البقالة ، وعطار البقالة يختلف عن عطار الأعشاب ، وكلهم أحباب .


الطِّبُّ . . وقاعةُ الشِّفَا بمكة
من المهن المشهورة بمكة المكرمة مهنة بيع العقاقير الطبية النباتية والبهارات وللقائمين بها شيخ كبقية المهن ، وكان جمهرتهم في قسم من شارع (المدعى) ، وكانت لقسم منهم أيضاً دكاكين بمحلة (الشامية) على مقربة من رحبة (قاعة الشفا) وقد زالت الرحبة ، وزالت معها الدكاكين التي كانوا يشغلونها ، وتفرقوا إلى جهات متعددة .

وكان معظم من يمتهن ذلك (بقاعة الشفا) من الجالية الهندية فما أصل (قاعة الشفا) هذه وأين تقع؟

يقول الشيخ محمد طاهر الكردي : (قاعة الشفا بجوار المسجد الحرام باب القطبي وباب الباسطية ، بضعة دكاكين عطارة يباع فيها شيء من الأدوية المستخرجة من الأعشاب والحبوب الهندية ، وفيها بعض الأطباء الهنود الذين يعالجون المرضى بالعقاقير اليونانية) .

ويقول الغزاوي في شذراته : (قاعة الشفا : في الجهة الشمالية من (باب العتيق) وباب (الباسطية) وباب القطبي – أي من الشامية – منطقة تدعى (قاعة الشفا) وكنتُ أعلل تسميتها بذلك بكثرة ما كان يشغل حوانيتها من ممارسي الطب الهندي أو اليوناني ، غير أن ذلك ما كان إلا في القرون الأخيرة ، وأعياني أن أعرف سبب التسمية حتى الآن .

وقرأت في التراجم أن امرأة كانت تدعى (الشفاء) من قريش فقلت لعلها كانت تسكن ثمة ، ولها قاعة فنسبت إليها وصرفت بمرور الأيام والأعوام ، وأخيراً قرأت في قصيدة لعبد الله بن قيس الرُقيات وهو من شعراء القرن الأول في عصر ابن الزبير (العائذ) يقول في مطلعها :
ذهبت ولم تزر أهل الشفاء - - - ومالك في الزيارة من جداء
فقلت إذن هو يعني أهل هذه المنطقة قاعة الشفاء وإنها إنما نطقت بالقصر ، كما يقال (الدهنا) والدهناء ، انتهى كلامه .

قلت : فقاعة الشفا هي عبارة عن مجموعة دكاكين صغيرة لأطباء حكماء يعالجون فيها الأمراض بالأدوية الشعبية بالطب اليوناني كالعقاقير والدهانات والسفوفات ، وهي بمنزلة العيادة للكشف على المرضى ، وتشخيص الداء ، وفي نفس الوقت كالصيدلية لصرف الأدوية ن وسميت بقاعة الشفا لحصول الشفاء من الأمراض بسبب الأدوية التي تصرف منها – والشفاء بإذن الله تعالى – ولوجود أكثر الأطباء والحكماء فيها ، خاصة أيام الحج ، وهؤلاء هم أهل العطارة الذين ذكرناهم آنفاً .

ولما كانت رقعة مكة صغيرة وسكانها قليلين كان هذا القدر من الأطباء والعقاقير الهندية اليومانية كافياً لهم ، علاوة على حسن نيتهم ، وقلة الأمراض الناتجة من حسن توكلهم على الله تعالى ، وعدم انتشار الفساد بينهم .

ثم لما كان زمن الحكومة السعودية ، اتسعت رقعة مكة المكرمة اتساعاً عظيماً فامتد العمران في جميع النواحي ، وكثر الناس بها كثرة عظيمة ، و هذا يستلزم انتشار الأمراض المختلفة ، كما يستلزم هذا كثرة وجود الأطباء والدكاترة المتعلمين في البلاد الأوروبية ، فاستحضرت الحكومة السعودية كثيراً من الأطباء من مختلف الأجناس ، وفتحت مستشفيات عديدة وصيدليات كثيرة ، وفيها من الأدوية المستحدثة الشيء الكثير الذي يدهش المطلع عليه ، فيوجد في مكة وحدها مستشفى أجياد العام ، ومستشفى الزاهر ، ومستشفى الولادة ومستشفى النور وغيرها .


أما الآن فهناك مستشفى الملك فيصل – الششة – ومستشفى حراء العام ومستشفى النور التخصصي ومستشفى منى العام ومركز مكة الطبي إلى جانب المستشفيات والعيادات الخاصة الكثيرة بمكة ، وكل هذا ناتج عن النهضة الصحية التي شهدتها المملكة العربية السعودية ، ليس في مكة فحسب بل في جميع مدنها وقراها .

ومن أشهر أطباء قاعة الشفاء الطبيب سلطان بخش الذي حاز على لقب (زبدة الحكماء) من قبل الملك عبد العزيز – رحمه الله – لأنه قام بمعالجة أحد أفراد الأسرة المالكة فلقب بهذا اللقب ، وبالفعل كتب على لوحة صغيرة (زبدة الحكماء) وعلقها على باب داره وعيادته أمام المسجد الحرام على بعد (6 امتار) تقريباً عند باب الزيادة (من أبواب المسجد الحرام) القديمة وهو في جهة الشامية .

و منهم الطبيب الحكيم إعجاز الدين بالقرب من بيت بانعمة ، وكان عنده الحمانات لتراكيب الأعشاب ، ومنهم الحكيم : معراج الحسن ، وهذا كان يقوم بدور المعالجة بالأدوية الشعبية التي تذكر بأرض الهند بالطب البلدي واليوناني ، ولديه أيضاً الطب (الهموبيتك) ، الذي تراكيب ومكوناته من الطب الشعبي للأعشاب والطب الألماني الذي معظم حبوبه حلوة وتعطى لجميع أنواع الأمراض ، والهموبيتك أي خلاصة الخلاصات ، ومنهم زين العابدن رئيس المشهور بـ (ساقدانة) وسيف بن ظفر الله العطار ، وإسلام الله العطار .

ومنهم : إسماعيل جان ، ويوسف العطار ابن أحمد الله العطار ، ومكانهم عند باب القطبي على يمين النازل إلى سويقة وتحت بيت السيد عمر علوي وأمام برحة الزينة قديماً ، وحالياً أمام باب العمرة على يسار النازل من الشامية ، وهناك دكاكين للعطارة في سوق الصغير .

ومنهم : عبد الحفيظ ميجان ، وعبد الرحيم ميجان ، ومحسن بلهادر . وكانوا جميعاً متمكنين من معرفة الأعشاب وتراكيبها الدوائية .

وهناك أيضاً دكاكين عطارة في المدعى مثل : دكان العرقسوس والجستنية ، وعبد الكريم سندي ، وطلال اللياتي الذي بقي إلى وقت قريب ، وهناك أيضاً دكان صبغة شيخ العطارة بمكة . وهناك د كان أبو زبيبة وهو مفتوح (24 ساعة) كمراكز الطوارئ والصيدليات المناوبة حالياً .

وكان أهل مكة يستخدمون الزنجبيل لعلاج أمراض الرأس ، والنانخة والكمون لعلاج أمراض البطن بأنواعها المختلفة .
وبعض الأعشاب لتنظيف الأمعاء ، مثل السنامكي وغيرها ، ومنها : الشمر والكركديه والحلبة والشعير ، والزعتر ، واليانسون ، وحبة البركة وزيتها ، وزيت الزيتون ، وزيت السمسم ، وغير ذلك .

وقد تكون هذه الأشياء موجودة في البقالات ، لكنها ليست من مهنة العطارة الكبيرة المتخصصة في الأعشاب .
وكان إذا كسر عضو أحد الأشخاص فهناك جماعة متخصصة في تجبير العظام وإعادة العظم إلى مكانة بإذن الله تعالى .
منهم الشيخ بشناق وابن صالح والشيخ عبد الله المشهور بابن بالكي ، في جرول ومنهم بعض الحضارمة أيضاً في جرول .

منهم بين الجاوا في المسفلة من المشهورين بالعلاج الشعبي وبتلاوة على الموضع المكسور من جسد الإنسان ، والمعيون ، والمعتوه والمصروع وغيرهم .

ومنهم الشيخ الحاج بكر تكروني ، والحاج مالم سعيد في الهنداوية يجبر كسر العظام ، وقد آل عمل التجبير إليه بعد رحيل والده ، ويحمل تصريحاً من وزارة الصحة كما هو حال الأب سابقاً . اللهم اشفنا من جميع الأمراض والأسقام والآلام آمين .

المصدر :  كتاب صور من تراث مكة المكرمة  لـ عبدالله ابكر , الموضوع مشاركة من : أ.منصور النقيب .