حسين هاشم .. اسم لا يسقط من ذاكرة تأريخ المدينة المنورة

اتفقنا منذ البدء ونحن نستعرض سيرة هؤلاء القوم العظماء، إنهم «المساهمون في وضع اللبنات الأولى لثقافتنا وفنوننا» في مراحل تأسيس هذا الكيان وفيما بعدها.

إن الحياة الثقافية لدينا وفي فروع الفن والإنشاد تحديدا شهدت لمعانا وبريقا مبكرا صاحب تلك المراحل وكانت لأغنياتنا والإنشاد تحديدا الكثير من العلامات التي صنعها رجال فن وغناء ملؤوا الساحة وأسسوا لحياة ثقافية مختلفة الطابع مثل سعيد أبو خشبة، إسماعيل كردوس، عبدالقادر شولق، حسن لبني، حسن جاوا، سعيد شاولي، وطارق عبدالحكيم، وأبو حميدي، عبدالرحمن مؤذن، وحسين هاشم الذي نحاول قدر الإمكان استعراض حياته ومشواره مع الفن والإنشاد في صفحتنا .. اليوم عن الرواد وحسين هاشم «أبو طلال» ، «أبو طريف» ليس هناك فرق، هو واحد من أهم رجالات فن الإنشاد الديني والابتهالات والغناء التراثي في المدينة المنورة وواحد من أدوات التحدي الفني بين موطني الشعر والغناء مكة المكرمة .. والمدينة المنورة عبر التأريخ، ولا يمكن لأية سيرة عن الغناء تمر إلا ويرد اسم حسين هاشم الذي كان واحدا من أهم أوراق السباق الفني في الإنشاد وغناء الموشحات بمختلف أنواعها في جلسات الفن الراقي والجميل والتحدي بين فناني مكة المكرمة والمدينة المنورة .. طارت شهرته مستفيدا من الإعلام عندما اعتمد التلفزيون السعودي بقناته الوحيدة في العام 1398 ــ 1978 اختتام بثه في الثانية عشرة «منتصف الليل» بإذاعة الموشحات والابتهالات الدينية ختاما للبث اليومي قبل القرآن الكريم. وكان صور عامها ــ رحمه الله ــ للتلفزيون 30 قصيدة دينية ما بين ابتهال ونشيد من كلمات وأشعار كثيرين من رواد كبار الأدباء والشعراء في تلك المراحل مثل محمد هاشم رشيد، محمد حسن فقي، محمد أمين كتبي، محمد أمين يحيى، حسن صيرفي، عبدالرحمن رفة، وحسين عرب، وطاهر زمخشري، ومحمد سرور الصبان وحمزة شحاتة.

حسين إدريس هاشم ــ رحمه الله ــ من مواليد المدينة المنورة عام 1348هـ / 1928م، اهتم بالموشحات والابتهالات الدينية والغناء التراثي الحجازي وموروث ما بعد صدر الإسلام من غناء بما فيها الموشحات الأندلسية أو تلك الأندلسية المهاجرة في جذورها من اليمن والجزيرة العربية، هو من أبناء حارة «الزرندي» والآن هي وسط الحرم النبوي الشريف ومن بعدها سكن حارة الساحة من الناحية الغربية للحرم النبوي متفرعة من سويقة والآن المجاورة لساحة الحرم من ناحية باب الرحمة وباب السلام، ثم نقل بيته من المنطقة لحوش فواز ثم إلى «سيد الشهداء».


مدرسته (العلوم الشرعية ليتامى بلدة خير البرية) درس وبدأ في هذه المدرسة منذ كان في السادسة من عمره القصير في حسابات السنين بينما كان عمره في الحياة الثقافية والفنية في المملكة أكبر من كبير رغم أنه لم يعش إلا 53 عاما فقط فلقد توفي رحمه الله في مكة المكرمة في اليوم التالي لإحيائه أمسية إنشاد وغناء في بيت أحمد الشاعر شقيق وزير الإعلام الأسبق علي الشاعر في يوم الأحد «6/ 3/ 1399»، الموافق 1979م.. واصل دراسته المتوسطة في نفس المدرسة، ثم التحق بمدرسة تحضير البعثات، ثم بمعهد الإدارة العامة في الرياض، إلى أن عمل في بلدية المدينة المنورة التي تحول اسمها فيما بعد إلى أمانة المدينة المنورة.


حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظافره وصغر سنه «وهو في سن الـ 14عاما» قد وهبه الله موهبة حلاوة وطلاوة الصوت.. صوت حسين هاشم عذب ،جميل .. وكان صاحب حس مرهف يتجلى ذلك بوضوح في جلسات الفن والإنشاد وخاصة في أداء المجس الحجازي الأصيل، حيث أحب ومنذ صغره المجالس الدينية ومجالس الذكر والإنشاد الديني، ومحب للفن عامة، وكان ملما بجميع المقامات العربية وعلى رأسها المكية والحجازية بشكل عام. بداية العشق للفن كانت عندما بلغ حسين هاشم الثامنة في الحارة حيث عشق الموسيقى العربية والموال والمجس حيث كون فرقة موسيقية مصغرة في حارته «الزرندي» وكانت الفرقة عبارة عن عازفي آلات موسيقية تقليدية آنذاك وهي الدفوف، والطبول، والناي، ثم القانون.

أساتذته
تحددت شخصيته الفنية على يـد والده رحمه الله والشيخ إدريس هاشم رحمه الله والريس مؤذن الحرم المديني النبوي الشيخ عبدالستار بخاري رحمه الله. والعم عبدالقادر شولق رحمه الله. هذا في المدينة المنورة.. أما من مكة المكرمة كان أساتذته كما يقول أستاذنا الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي :
كبار الغناء في مكة يومها سعيد أبو خشبة رحمه الله. و حسن باجنيد (جاوه) رحمه الله. و حسن لبني رحمه الله. والعم عبدالقادر كحيل المكي رحمه الله. والعم زيني بويان المكي رحمه الله.

ويقول الفنان المكي الكبير جميل محمود ويعدد معه الفنان الحجازي الإنشادي الشاب محمد هاشم الذي انتهج نهج فناننا رجل الصفحة : كانت بدايات حسين هاشم مع عمالقة الغناء في الحجاز الذين تزاملوا معه وهم:
كبار نجوم الغناء والإنشاد يومها من طيبة الطيبة ممن زامله في فنه
مثل الشاعر المخضرم العم حسن صيرفي رحمه الله. والريس المؤدن حسن عبدالستار رحمه الله. والعم عبدالقادر زهري رحمه الله. والإخوان: العم حمزة شحاتة، والعم عبدالعزيز شحاتة رحمهما الله.. أما من مكة المكرمة زامله فنيا : فهم كل من عبدالرحمن دحلان المؤذن الذي عرف بـ «الأبلاتين» والفنان جميل محمود والعم إبراهيم خفاجي الشاعر الكبير والعم الراحل علي شيخ رحمه الله.. ومن فناني جدة الكثير مثل القدير طارق عبدالحكيم.

والراحلِين: الفنان طلال مداح، والفنان فوزي محسون، والفنان عبدالله محمد رحمهم الله.. وأخيرا الفنان محمد عبده الذي ربي ونشأ فنيا على عطاءات كل أولئك الكبار بل وصهر عطاءات كل أساتذته الذين كان آخرهم وأقربهم إليه طلال مداح وفوزي محسون وخرج لنا بعبقرية فن عظيم اسمه «فن محمد عبده» المرتبط بالجذور لثقافة وفنون البلد والمجتمع.

لقاءاته مع العمالقة
التقى الراحل حسين هاشم بكبار الفنانين العرب كان في مقدمتهم ة أم كلثوم والفنان المنشد سيد النقشبندي ومحمد عمران في القاهرة عام 1390هـ / 1970م، ودعته إلى حضور إحدى حفلاتها هناك وأعجب به الثلاثة كما أنها لم تصدق أنه واحد من أبناء هذه الأرض التي أنجبت الكثير من عمالقة الفن والإنشاد، ثم إنها دعته والنقشبندي للإقامة الدائمة في مصر لاستثمار وصقل هذه الموهبة الفنية الكبيرة في مصر بلد الفن الأول آنذاك، وأيضا لعدم توفر الوقت والإمكانات آنذاك للاهتمام بالفن عامة في الحجاز والمملكة بشكل عام، وكانت الناس تنظر إليه بمنظار أنه من باب الحياء ابن المدينة المنورة المشبع بثقافتها وروحانيتها. وفي المقابل عندما جاءت أم كلثوم إلى المملكة في بداية السبعينيات الميلادية التقى بها في قصر أمير منطقة المدينة الراحل عبدالمحسن بن عبدالعزيز رحمه الله ذلكم الأمير الذي عرف بشاعريته العظيمة وإن محمد عبدالوهاب شدا له بقصيدة «ولئن طال صبري» كما أنه استقبل في داره العامر في المدينة المنورة كثيرا من كبار الفنانين العرب مثل محمد الموجي وعبدالحليم حافظ وصباح فخري وسيد النقشبندي وغيرهم حتى أن بعضهم أقام لديه وكان الصالون الفني الخاص به والمقام إلى الآن بتنظيم من ابنه طريف هاشم قد جمع فنانينا الشباب مثل حسين عمر «طفلا» وفيما بعد طلال سلامة بكبار رواد الغناء والموسيقى العرب الكبار، كما أن من أشهر رحلاته إلى الخارج كانت تلك التي سافر فيها إلى لندن ثم إلى دمشق حيث التقى هناك بالفنان الكبير صباح فخري وتوفيق المنجد كما كان صيته رحمه الله قد ذاع في العالم الإسلامي بتلك الدول مثل :
سوريا، ومصر، والمغرب، بحكم احتكاكه القوي مع فناني تلك الدول مثل صباح فخري والمنجد وسيد نقشبندي ومحمد عمران.

جلساته الدينية والإنشادية
شارك في الكثير من المناسبات الدينية مثل ذكرى المولد النبوي وجلسات الذكر عامة التي كانت تحيا في منازل العلماء في طيبة الطيبة ومكة المكرمة وعامة الدول الإسلامية. وكان في جلساته الدينيه يدعى دائما من قبل أهل مكة من أصحابه وعلمائه مثل:
عالمه الفاضل الشيخ العلامة محمد أمين كتبي رحمه الله، والحبيب محمد علوي مالكي رحمه الله، وبيوت مكة الكبيرة مثل
آل قطان وعميدهم جميل قطان رحمه الله، وآل حسين عرب. ومنزل الوجيه محمد سرور صبان رحمه الله وآل حريري، و آل المشاط ( حسن مشاط رحمه الله)، وغيرهم من أبناء مكة الأحباب المحبين لمجالس الذكر والإنشاد الديني.

الجلسات الفنية
أما جلساته الفنية فكان معظمها في بساتين المدينة المنورة تلك البساتين «الشرحة» الجميلة بين النخيل، مثل بستان السادة آل الرفاعي، وبساتين الجزع، وبساتين الشاكرية للشيخ إبراهيم شاكر رحمه الله.. ومنزل هاشم بافقيه، وسالم برزنجي، والعم صالح طاهر، والعم عبدالقادر شولق، والعم علي عويضة وغيرهم ممن يعشقون الفن الأصيل والمجس الجميل والحس الرفيع المرهف. وفي مكة وجدة وغيرها من مناطق العالم العربي حسب المناسبات والعزائم التي كان يدعى إليها حسين رحمه الله تعالى. وكان رحمه الله أول ممثلي فناني المدينة المنورة في صوالين الغناء المشترك بين فناني المدينة ومكة المكرمة والتي تصل مجازا إلى تسميتها بجلسات التحدى أو المسابقات.

علماؤه وزملاؤه ومعاصروه
أساتذته ومجايلوه عديدون منهم إدريس حسين هاشم (والده رحمهما الله جميعا) محمد أمين كتبي رحمه الله. محمد علوي مالكي الحسني رحمه الله. من معاصريه أيضا الشيخ الحبيب علاء الدين البكري رحمه الله. والشيخ فضل الرحمن الله القادي رحمه الله. ومن تلامذة في المجس الحجازي ابنه طريف حسين جسيس مرهف وفيه من الإمكانيات الكبيرة وهو من كبار فناني وجسيسي الحجاز، الريس والمؤذن الحبيب حسن عبدالستار بخاري حفظه الله. وهاشم شيحة. و المخضرم صالح عمر. و المخضرم عبدالعزيز خطيري.

المدائح والمواويل والمجسات
كان حسين هاشم رحمه الله يتغنى ويجس الكثير من الأعمال
الأدبية والابتهالات الدينية منها: قف بالمدينة في المقام الأحمدي، وأقرأ السلام على النبي محمدِ، قل للأحبة في رياض محمد، سقاك الله ياتلك المغاني.. وقصيدة: وقف الناس ينظرون مناري.

وقصيدة: منيتي طيبة لا أبغي سواها، والقلب يعشق والمدامع تنطق، صفق القلب للحجاز فسارا، هزه الشوق للحبيب فطارا.، يا أرض مكة ماهذا الندى العطِر، إلى مكة الفيحاء والركن والحرامِ، أتينا حفاة قاصدين مع الأمم، ساداتنا الغر من أبناء فاطمة، طوبى لمن كان بالزهراء ينتسِب.. أما معظم قصائد حسين المغناة فمن ديوان الحبيب محمد أمين كتبي المكي رحمه الله شيخه وأستاذه في العلم رحمهم الله أجمعين ولاحرمنا من علمهم وفنهم الوفير الجميل.

وفـاتـه
قصة وفاته جدا غريبة حيث إن حسين قبل وفاته دعي لمجلس عبدالعزيز خوقير في مكة المكرمة، في سوق الليل آنذاك، وكانت أول ليله في منزله، وثاني ليلة أخرى كانت في منزل جمال قطب، أما الليلة الثالثة فكانت في منزل أحمد الشاعر، ورابع ليلة كانت في منزل عبد الحميد حريري، ولكن !! لم يحضر لأسباب ربانية كان الأجل المحتوم له بالمرصاد.


وكان مجـسه الوداعي الحنون المقشعر للأبدان في الليلة التي سبقت وفاته مديحا يقول فيه :
فيا طيبة المدينة زملوني زمـلوني
بتـربتــها لأنــعــم في حشـاها
دعــونـي ألـثـم التـــرب
إحترامـا لمـا فـي التـرب
مـن طـهـرا حــوا هــــا
و إذا مـت فحـفرولي قـبرا
عنــد قـبــر الحـبـيــب
حـتى ولــو كـان شبــرا..
في اليوم التالي كانت وفاته رحمه الله «في يوم الأحد 6 ــ 3 ــ 1399هـ، قبل صلاة الظهر ضحى، وفي نفس اليوم تم نقله إلى المدينة المنورة مسقط رأسه ومنشئه الطيب، بناء على طلبه رحمه الله ووصيته الأخيره لإبنـائه طلال و طريف وتم نقله إلى المدينة المنورة مساء الاثنين وعند وصوله إلى المدينة استقبله الفوج المحب المديني والإعلام ومن كبار أهالي المدينة المحبين لهذه الشخصية الطيبة وصلي عليه يوم الاثنين 7ــ 3 ــ 1399هـ ثاني يوم بعد وفاته ووصوله من مكة المكرمة، وقد شهد جنازته الكثير من العلماء والمنشدين والفنانين وجمع غفير من محبيه رحمه الله.


ملتقى طريف هاشم
ويحتفل ابنه طريف هاشم وهو المنشد الذي ورث عن والده هذا الفن بكثير من الإجادة في كثير من المناسبات باستضافة وتكريم الكثير من الفنانين والإعلام المرتبطين بالفن الأصيل كان منهم الموسيقار الكبير سراج عمر حيث أنشد يومها الفنان الجسيس الشاب محمد هاشم الكثير من ألوان الفن الأصيل من أشعار إبراهيم خفاجي.

المصدر : جريدة عكاظ 1432/5/3هـ