«أم القرى».. في قلب الملك
يظل خادم الحرمين الشريفين صاحب البصمة الخالدة في بناء مكة المكرمة إنسانا ومكانا حيث تحتل أم الحضارات ومهبط الرسالات مكانة مرموقة في قلبه لتتجه بوصلة التنمية العمرانية صوب (أم الحضارات) من خلال سلسلة من المشاريع الحيوية. هذه البقعة الطاهرة التي تحولت إلى ورشة عمل كبرى لا تعرف الهدوء من خلال منظومة من المشاريع الاستراتيجية التي ستغير وجه أم القرى وتحيلها إلى مدينة عصرية، فمن مشاريع البناء والتوسعات التاريخية إلى تلك الساعة (ساعة مكة) التي وقفت شامخة في وجه الحضارة تعيد ضبط (الوقت)، ومن توسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام التي تضاعف الطاقة الاستيعاب له إلى العناية بماء زمزم, وحزمة من مشاريع النماء والتطوير ستكون كفيلة بتطوير هذه البقعة الطاهرة وإحالة مهبط الوحي إلى أنموذج للمدينة النامية، ولعل من تلك المشاريع الضخمة التي تعكس مدى العناية والاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين لمكة مشروع وضع حجر الأساس لأكبر توسعة يشهدها المسجد الحرام على مر العصور، فهي ليست فقط في إضافة مساحات للمسجد الحرام وإنما تطوير المنطقة المحيطة بالحرم بإيجاد حلول جذرية لمشكلة الزحام وحركة السير والتنقل بين المشاعر، وإضافة مساحة جديدة تشكل الهامش الأكبر للعمليات المساندة لحركة الزوار والحجاج.
إن المتابع لحركة التطوير التي وجهها خادم الحرمين الشريفين لمكة المكرمة يلحظ أن توسعة الملك عبد الله ستأخذ في أبعادها التطورات العمرانية والزيادة البشرية، وهنا تبرز أهمية المشروع لاستيعاب الأعداد الكبيرة من ضيوف الرحمن في كل عام وأعطت للحرم مساحات وفراغات تمكن الجهات التنظيمية من السيطرة على حركة الحجاج والمعتمرين. لقد حمل خادم الحرمين الشريفين هم خدمة الشعائر المقدسة كأول اهتماماته من خلال منظومة المشاريع الجاري تنفيذها خدمة لقاصدي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، حيث تشهد مكة المكرمة مشاريع تطويرية عملاقة شملت توسعة المسعى الذي استفاد منه زوار وعمار البيت العتيق، إضافة لمشروع توسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام التي أمر بها ويضع حجر أساسها مساء اليوم، وكذلك مشروع قطار المشاعر المقدسة، ومشروع قطار الحرمين، ومشروع تطوير جبل عمر، ومشروع طريق الملك عبد العزيز، المشروع الذي يخترق خمسة أحياء عشوائية ويهدف إلى تطويرها بما يليق بإنسان مكة المكرمة، ومشروع وقف الملك عبد العزيز، كون جميع هذه المشاريع تصب في مجملها في خدمة ضيوف بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة من جميع أقطاب العالم. وكذلك مشروع عمارة ماء زمزم، وهنا نستعرض أهم المشاريع التي تشهدها مكة المكرمة في عهد خادم الحرمين الشريفين.
توسعة الساحات الشمالية للحرم مشروع توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي والذي صدرت الموافقة على بدء تنفيذه في 26 ذو الحجة 1428 هـ إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين ويتكون المشروع من: ساحات لتوسعة الحرم المكي الشريف استجابة للحاجة الملحة لتأمين مسطحات واسعة للمصلين، وكذلك واجهة جديدة على الحرم الشريف، منطقة هلال الأبنية، حيث تشمل مجموعة من الفنادق المصففة بشكل عمودي على طرف ساحات التوسعة، تشكل واجهة عمرانية وذات طابع معماري متفرد تطل على ساحات الحرم المكي، وتتيح في نفس الوقت للمباني الواقعة خلفها الإطلال أيضاً على الحرم الشريف، وبلغت مساحة الموقع 125.97 هكتار، وبطاقة استيعابية بلغت 151164 نسمة، كما يهدف المشروع إلى خلق حي ديناميكي يتغير خطيا مع الزمن، ونمطياً من ناحية الحدود والمستخدمين عدة مرات في السنة تتبع مواسم الحج ورمضان والعمرة، بحيث يكون المشروع مرة مشروعاً حضرياً متكاملاً يستوعب الحجم الهائل لجمهور السكان الموسميين القادمين لأداء شعائر الحج أو العمرة في رمضان، والذين يقومون بنشاطات الشراء والاتصال الثقافي والاجتماعي، ليعود في المواسم الأخرى من السنة، ليصبح عدة مشاريع حضرية تتكون من إحياء ترتبط بالمدينة وما حولها من نشاطات، وتستوعب الأنشطة العادية للمدينة وسكانها الدائمين، إضافة إلى السكان الموسميين القادمين لأداء مناسك العمرة، مع استخدام الشعاب والمحاور المشكلة لفراغات شعاعية وشريانية في البيئة المبنية، بخلق ثلاثة محاور موجهة إلى الكعبة تكون الهيكل الأساسي للفراغات الحضرية للمشروع، وتنطلق نحو الكعبة المشرفة باعتبارها مركز الإشعاع الديني والحضري والتشكيلي (محاور الفتح، الهجرة، خالد بن الوليد)، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من الساحات الشمالية منتصف العام المقبل.
مشروع توسعة المسعى يوفر المسعى الجديد ما يقارب 87 ألف متر مربع لتتسع لنحو 300 ألف شخص في الساعة، ويتكون المشروع الذي أنجز على مرحلتين من ثلاثة أدوار وأربعة مناسيب للسعي، ويرتفع دور سطح المسعى الجديد عن أدوار الحرم، ويتم الوصول إليه عن طريق سلالم متحركة ومصاعد، كما تم تأمين ثلاثة جسور علوية بديلة، إضافة إلى ممر للجنازات من بدروم المسعى إلى الساحة الشرقية عبر منحدر أرضي، كما شمل المشروع توسعة منطقتي الصفا والمروة بشكل يتناسب مع التوسعة العرضية والرأسية، وأنشئت أربعة سلالم كهربائية جديدة ناحية المروة تستخدم لتفريغ المسعى من الزائرين بديلا عن مباني السلالم الكهربائية من جهة الصفا والمروة. يذكر أن التوسعة المقترحة ستزيد المساحة الكلية للمسعى لتصبح 72،000 متر مربع، ويؤمن ممرات سعي كل مستوى علوي في الدورين الأول والثاني لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة مع توفر مناطق للتجمع عند منطقتي الصفا والمروة، وتبلغ مسطحات البناء الإجمالية بكافة الأدوار لمناطق السعي والخدمات نحو 125،000 متر مربع.
تطوير مشروع سقيا زمزم في شهر رمضان من العام الماضي أطلق خادم الحرمين الشريفين مشروع تطوير سقيا زمزم بتكلفة تجاوزت 70 مليون ريال من خلال مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لسقيا زمزم في كدي في مكة المكرمة وبطاقة تصل إلى خمس ملايين لتر يوميا يتم ضخها عبر خطي تصفية، كل خط يتكون من مجموعة من الفلاتر الخاصة بتصفية المياه، ووحدة تعقيم في نهاية كل خط، وسيخزن عشرة ملايين لتر كحد أقصى من المياه المنتجة في خزان، بحيث تضخ منه المياه بواسطة مضخات المياه المنتجة وعددها أربع إلى الحرم المكي الشريف عبر خط ناقل قطره 200 ملم من الستانلس ستيل أنشئ حديثاً مع المشروع.
مشروع جبل عمر أطلق المشروع بمباركة من خادم الحرمين الشريفين. يتكون مشروع جبل عمر الذي أقيم لتطوير إحدى أكبر المناطق العشوائية غرب المسجد الحرام، من عدد من الاستخدامات السكنية، والفندقية، والتجارية، إضافة إلى الخدمات والمرافق، ومواقف انتظار السيارات، وساحات للمصلين، ويعد المشروع الامتداد الطبيعي لمشروع الطريق الموازي، لذا فقد روعي في تخطيطه التكامل الوظيفي بينهما خاصة في ساحات الانتظار والمواقف العامة وبمساحة 23.43 هكتار، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمشروع 35145 نسمة، ويهدف المشروع إلى بناء منطقة جديدة حول الحرم الشريف، وفق أنسب معايير التخطيط، والمحافظة على الميزات المعمارية الأكثر ملاءمة، ما يقوي من شخصية المدينة، وخصائصها الفريدة، ويحقق في المستقبل نموذجا لتطوير المناطق العشوائية يمكن الاستفادة من تطبيق التجربة في مناطق أخرى من العالم، واستحداث منطقة سكنية وتجارية نموذجية، وفق معايير التخطيط الحديث، مع مراعاة ترابط النسيج العمراني، وطبوغرافية الموقع، وكذلك كسر حدة الاختناقات المرورية، وفتح امتدادات واسعة لساحات الصلاة حول المسجد الحرام.
مشروع الطريق الموازي يعد مشروع طريق الملك عبد العزيز من أضخم مشاريع التطوير الكبرى في مكة المكرمة التي أعلن خادم الحرمين الشريفين عن انطلاقها في الرابع والعشرين من رمضان لعام 1425هـ وقد حظي المشروع بدعم كبير من القيادة الرشيدة لتسهيل الحركة والنقل عبر أهم المداخل المؤيدة للحرم المكي الشريف، ويمتد طريق الملك عبد العزيز من حد الدوار الغربي عند تقاطع الطريق الدائري الثالث مع طريق جدة السريع حتى يتقاطع شرقا مع الطريق الدائري الأول عند سفح جبل عمر بطول 3500 متر، ثم يخترق الطريق جبل عمر بمسار خاص بالمشاة فقط حتى ساحة الحرم الشريف بعرض 32 مترا، ويبدأ عرض المشروع من الحد الجنوبي لطريق أم القرى ويمتد جنوبا بعمق متوسط يصل إلى 500 متر ليغطي مساحة من المساكن العشوائية تقدر بـ 345 هكتارا، إضافة لمساحة الدوار الغربي المقترح تخصيصه كمواقف عامة للسيارات، ويهدف المشروع إلى إنشاء مدخل غربي متميز حضاريا يليق بأهمية وقدسية مكة المكرمة من خلال طريق حضري سريع منفصل في اتجاهي الحركة لخدمة الوافدين لمكة المكرمة ورواد الحرم الشريف وتتوازى مع الطريق مسارات عريضة للمشاة، ويشمل التطوير إنشاء منظومة طرق فرعية متعامدة تمتد داخل النسيج العمراني الشمالي والجنوبي للطريق، وتطل عليها مبان حديثة ذات عمارة إسلامية متطورة الطابع تمتد شمالا حتى حدود طريق أم القرى، وجنوبا حتى الحدود الجنوبية للمشروع، وكذلك سيساعد الطريق على تسهيل حركة المركبات بأنواعها والمشاة، وفك الاختناقات المرورية في المنطقة المركزية، مع استحداث وسائل نقل كهربائية سريعة لخدمة زوار الحرم الشريف وأهل مكة المكرمة. ويساعد مسار الطرق على تطوير المناطق العشوائية المتهالكة المحيطة بمساره، ويرتقي بها عمرانيا وبيئيا، ويتوسط مسار الطريق مسجد الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي يشكل معلما حضاريا ومركزا ثقافيا متميزا في مكة المكرمة، وتنتشر على طول المسار أماكن للصلاة والمباني العامة ومحطات النقل الكهربائي، يعود ريعها لخدمة سكان مكة المكرمة وضيوف الرحمن. مشروع قطار المشاعر انتهى العمل من تنفيذ مشروع قطار المشاعر المقدسة وبلغت تكلفة المشروع قرابة الستة مليارات ريال، وسيتم هذا العام تشغيله بكامل طاقته الاستيعابية في موسم الحج هذا العام 1432هـ ويربط القطار بين المشاعر المقدسة ''عرفات، ومزدلفة، ومنى''، ومستقبلا سيتم ربطه بالمسجد الحرام، وسيخدم ما يقارب من أربعة ملايين حاج كل عام.
مشروع ساعة مكة الساعة التي بدأ تشغيلها تبقى معلما حضاريا في قلب العاصمة المقدسة تقع على علو 601 متر من ساحات المسجد الحرام حيث يبلغ الارتفاع الإجمالي لبرج ساعة مكة والمصممة على الطراز الإسلامي طبقاً لأدق معايير السلامة من مستوى قاعدي توفر شرفة للزائرين، حيث تتكون الساعة من أربع واجهات يبلغ حجم الواجهتين الأمامية والخلفية 43 مترا في 43 مترا فيما يبلغ حجم الواجهتين الجانبيتين نحو 43 مترا في 39 مترا ويمكن رؤية أكبر لفظ تكبير (الله أكبر) فوق الساعة حيث يصل طول حرف الألف في كلمة لفظ الجلالة الله إلى أكثر من 23 مترا ويبلغ قطر الهلال 23 مترا وهو بذلك أكبر هلال تم صنعه حتى الآن، كما أنها تحقق من علو رؤية كاملة لمكة بكل تفاصيل أحيائها ومعالمها التاريخية، عطفا على ما تحمله من طابع إسلامي فريد حيث يمكن رؤية لفظ الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فوق الواجهتين الجانبيتين للساعة، وتتكون واجهة الساعة من أربع حواف مزخرفة ووحدات تحديد الدقائق والساعات ويتوسطها أكبر شعار وطني سعودي تم صنعه حتى الآن، وكتب على ميناء الساعة عبارة ''تم التنفيذ بعهد خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز''، إضافة إلى سنة تدشين المشروع.
المصدر : الاقتصادية 1432/9/19هـ - علي المقبلي
0 تعليقات