الخليفة المهدي أول من حمل الثلج إلى الحرم وأقام البريد بين مكة والمدينة واليمن

كتاب «الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك» لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي، تحقيق كرم حلمي فرحات، منشورات «عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية» ترجع أهميته، إلى ما تضمنه من معلومات قيمة عن الحج، حيث يُشير المقريزي إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينادي للحج أول ذي القعدة، وأن هذا النداء سنه للمسلمين لأن مسافة الحج من المدينة عشرة أيام، فقدم النداء بثلاثة أمثالها وقياساً على هذا، النداء للحج في مصر يقع في شهر رجب لأن مسافة الحج في البر من مصر أربعون يوماً فقدم النداء ثلاثة أمثالها ولهذا كان يُحتفل بدوران المحمل في مصر في عهد المماليك مرتين: الأولى في شهر رجب بعد النصف منه عند النداء للحج، والثانية في نصف شوال وكذلك كان يُفعل في الشام، وأول من أدار المحمل بمصر هو السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري.

الفصلان الثاني والثالث تناولا الإصلاحات المتتالية التي قام بها الخلفاء والملوك في مكة والمدينة، وأول خليفة قام بذلك الخليفة عمر بن الخطاب، فقد بنى المسجد الحرام ووسع فيه واستأذنه (أهل المياه) في أن يبنوا منازل بين مكة والمدينة فإذن لهم وشرط عليهم أن ابن السبيل أحق بالظل والماء، وعندما هاجمت جيوش الشام عبدالله بن الزبير في مكة في عهد الخليفة يزيد بن معاوية حيث حرقوا الكعبة فتركها ابن الزبير على حالها ليشنع بذلك على أهل الشام فلما مات يزيد قام بهدمها إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم وأدخل فيها حجر إسماعيل وجعل لها بابين. ولكن الحجاج بن يوسف الثقفي لم يلبث أن هزم عبدالله بن الزبير وقبض عليه وقتله، وعند ذلك هدم بناء ابن الزبير في سنة أربع وسبعين وأعاد بناءها.

وعندما تولي الوليد بن عبد الملك اعتنى بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فأمر بعمارته وأشرف على هذه العمارة واليه على المدينة عمر بن عبدالعزيز، ورسم له الوليد أن يهدم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويدخلها في المسجد لتتسع مساحته ففعل، وقد بعث الوليد بن عبد الملك إلى ملك الروم يخبره برغبته هذه فأرسل إليه مائة ألف مثقال ذهباً ومائة عامل وأربعين حملاً من الفسيفساء، فحمل الوليد ذلك كله إلى عمر بن عبدالعزيز لكي يستعين به في إعادة بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. وكتب الوليد بن عبدالملك إلى جميع البلاد بإصلاح الطرق وعمل الآبار بطريق الحجاز ومنع المجذومين من الخروج على الناس، وأجرى لهم الأرزاق. أما سليمان بن عبدالملك فقد كتب إلى خالد بن عبدالله القسري واليه على مكة: اجر لي عيناً من مائها العذب الزلال حتى تخرج بين زمزم والمقام. فعمل خالد بن عبدالله القسري بركة بأصل ثبير من حجارة ثم شق من البركة عيناً تخرج إلى المسجد الحرام.

ومن المعلومات الطريفة بالكتاب أن طريق الحج من العراق إلى مكة كانت تُبني فيه للخلفاء في كل منزل ينزلونه دار ويُعد لهم فيها سائر ما يحتاج إليه من الستور والفرش والأواني وغير ذلك وأنهم كانوا يعينون موظفاً خاصاً للإشراف على هذه المنازل والدور يسمى (متولي المنازل)، وكذلك الخليفة المهدي العباسي أمر ببناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور التي بناها الخليفة السفاح وأنه أمر باتخاذ المصانع – لخزن الماء – في كل منها وتجديد الأميال – أي علامات الطريق – وحفر الركايا – أي الآبار. أيضاً كان الخليفة المهدي حيث كان أول من حمل الثلج إلى مكة، وأمر لأول مرة في سنة ست وستين هجرية بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن - بغالاً وإبلاً – ولم يكن – كما يقول المقريزي – هناك بريد قبل ذلك. وكانت كسوة الكعبة المشرفة تُلبس كل سنة كسوة فوق الأخرى فلما كثر ذلك خافت السدنة على الأركان أن تنهدم لثقل ما عليها من الكسوة. حدث هذا في عهد الخليفة العباسي المهدي فنزع الكسوات القديمة وألبسها كسوته. أيضاً كان الصليحي أول ملك من ملوك اليمن يكسو الكعبة، فقد حج سنة خمس وخمسين وأربعمائة من الهجرة وكسا الكعبة الديباج الأبيض وكان شعار الدولة الفاطمية.

وفى سنة 656هـ قضى المغول على الخلافة العباسية في بغداد، وانقطع الحج من العراق عشرات سنوات، وقبل ذلك كانت الدولة الأيوبية قد زالت من مصر، وكانت دولة المماليك تعمل جاهدة لتثبيت مُلكها وانتهز هذه الفرصة الملك المظفر يوسف بن نور الدين على، وحج في سنة 659هـ وغسل الكعبة بنفسه وطيبها، وكساها من داخلها وخارجها، وكان بذلك أول من كسى الكعبة بعد قتل الخليفة المستعصم، ووضع بذلك تقليداً مهماً، فخُطب للملك المظفر بمكة، واستمر – كما يقول المقريزى – يُخطب بعده لملوك اليمن على منابر مكة إلى يومنا هذا بعد الخطبة لسلطان مصر، ولكن المماليك تولوا كسو الكعبة بعد أن استقر لهم الأمر، فقد حج الظاهر بيبرس في سنة 667هـ، وعلق كسوة الكعبة بيده.

ومن الحقائق التي أشار إليها المقريزي في هذا الكتاب، أنه لم يحج من خلفاء العباسيين في بغداد أحد بعد هارون الرشيد، وأنه لم يُخطب لأحد من خلفاء العباسيين بالقاهرة على منابر مكة، سوى المستعين بالله – ولأيام قليلة – بل إن الخليفة الوحيد الذي حج منهم هو الحاكم بأمر الله العباسي.

المصدر : الحياة 1432/12/2هـ