الحج في الذاكرة النجرانية

 

نقلت كتب الرحلات العديد من المشاهدات عن رحلة الحج للبقاع الطاهرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ورصدت مواقف وأحداث تلك الرحلة المتسمة بالصعوبة والتعب والمشقة .


إحدى هذه الرحلات ليست مرصودة في كتاب أو مرسومة في مخطوط قديم، بل مشاهدات حية يرويها بنفسه رجل مُسن قام بالحج لتسعة عقود متتالية.
قال سعيد الصقور البالغ من العمر 90 عاماً: "حججت خلال تسعين عاما خمسين حجة مليئة بكل الأحداث المثيرة".

يقلب المُسن صفحات عقود من السنين عن رحلة الحج من نجران " جنوب المملكة " إلى البقاع الطاهرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة ويروي تفاصيل حجته الأولى عندما كان في العقد الثاني من عمره بالقول: "حجيت فرضي في أواخر عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأنا على مشارف العشرين من عمري وكان والدي معي ويرافقنا قرابة سبعين حاجا " .

من حسن حظ الشاب ومن معه - آنذاك - أن حجته الأولى كانت على سيارة مما خفف من عناء السفر، وقلت نسبة التعب والنصب , وكانت وسيلة نقلهم سيارة كبيرة تسمى (ارث) زودوها بالمؤن ومعدات السفر التي لا تتجاوز أدوات فنية بسيطة، فضلا عن التزود بالأكل من طحين وسمن وعسل وأغراض طبخ .

ومع أن وسيلة السفر كانت سريعة بالمقارنة مع الجمال التي كانت هي الناقل المعتمد إلا أن الرحلة استغرقت ثمانية أيام ، عن طريق محافظة تثليث مروراً ببيشة ومنها إلى مكة المكرمة , نتيجة لعدم تهيئة الطرق وصعوبة تجاوز جبال السروات بالغة الوعورة.

وأضاف الصقور " بينما كانت الحجة الأولى بالنسبة لي , كانت الثانية لوالدي المرافق لي، حيث سبق له الحج بعد تأسيس المملكة بما يقارب ثمان سنين , ويهون الأب على ابنه بأن تلك الحجة مع مشقتها تهون أما حجته الأولى التي كانت على الهجن عن طريق عقبة شعار بعسير مروراً بمحايل ومن ثم قرى الساحل وصولاً مكة المكرمة التي تستغرق أكثر من شهر مسيرا إلى مكة المكرمة وشهرين لمن أراد أن يزور مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم .

وتتصارع الذكريات في عقل الشيخ الكبير ويسوقه الحنين للماضي الجميل بقوله " كان حجاج نجران يخرجون من قراهم صباحاً بينما كان عمال السواني يودعونهم بترديد عبارة " مع الله يا حجاج قلبي مفارق " ويخرج لوداعهم أقاربهم وأهالي القرى وهم يسبحون الله ويكبرونه ويرافقون الحجاج المسافرين على الهجن حتى يصلون موقع " شعب شليا " وقت الظهر ويصلون الظهر سوياً ويتناولون الغداء جميعا بعدها يواصل الحجاج مسيرهم وسط دعاء الجموع لهم بسلامة الوصول والتبليغ للبيت الحرام" .

وتعد خمسين حجة شاهدت على عصر من النقلات النوعية التي شهدها الشيخ الصقور في مختلف المستويات، في النقل والتنقل والخدمات , ورصد التغيرات المتوالية لطريق السفر وتطوير مرافق الحجاج .

من جهته أكد عبدالله الصقور البالغ من العمر (70) عاما أن النقلات النوعية المشهودة الآن تكاد لا تصدق لو جاءت في وقت سابق , مشيرا إلى أن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - , عهد زاهر بالفعل في جميع المجالات ، لا سيما في ميدان الخدمات المقدمة للحجاج في المشاعر المقدسة أو التوسعة العظيمة التي شهدها الحرمين الشريفين التي لم يشهد لها التاريخ مثيل.

جريدة الجزيرة 1433/12/6هـ