المطاف

 

المطاف هو الفناء المفروش بالرخام الأبيض الذي يحيط بالكعبة المعظمة ، ويسمى الآن بالصحن ، ويطوف المسلمون فيه حول الكعبة المعظمة ، وفيه الحركة متصلة آناء الليل والنهار ، ما بين طائف وراكع وساجد .


وسمي بالمطاف نسبة إلى الطواف وهو الدوران حول الكعبة المشرفة .


وبناء على ذلك فإن هذا الفناء هو المطاف وهو نفسه المسجد الحرام الذي يطوف المسلمون فيه حول الكعبة المعظمة وكذا يصلون فيه . فقديمًا كانت البيوت تحيط بالبيت العتيق من جميع جوانبه ، ولم يُترك للطائفين سوى مدار المطاف ، ومع ازدياد أعداد المسلمين بدأت تتسع دائرة المطاف ؛ لتستوعب الأعداد المتزايدة من المسلمين ، ثم توالت التوسعات التي شملت المسجد الحرام .

المطاف والاهتمام بأرضه :
لقد حظي المطاف بعناية واهتمام الخلفاء والملوك والحكام ، وكذا عمارته والزيادة فيه .

قال الجزيري في درر الفوائد : « أول من بلط المطاف عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما بنى الكعبة وفرغ من بنائها بقيت معه بقية من الحجارة ، ففرش بها حول البيت نحوًا من عشرة أذرع ، وتبعه غيره ففرش باقي المطاف ». وقد كانت عمارة ابن الزبير سنة (64هـ) .

وقال الفاكهي في أخبار مكة : « ذكر فرش الطواف بأي شيء هو؟ قال بعض المكيين : إن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما بنى الكعبة ، وفرغ من بنائها، وخلَّقَها وطلاها بالمسك ، وفرش أرضها من داخلها ، بقيت من الحجارة بقية ، ففرش بها حول الطواف كما يدور البيت ، نحوًا من عشرة أذرع ، وذلك الفرش باد إلى اليوم ، إذا جاء الحاج في الموسم جعل على تلك الحجارة رمل من رمل الكثيب الذي بأسفل مكة يدعى : كثيب الرمضة ، وذلك أن الحجبة يشترون له مدرًا ورملاً كثيرًا ، فيجعل في الطواف ، ويجعل الرمل فوقه ، ويرش بالماء حتى يتلبد ، ويؤخذ بقية ذلك الرمل فيجعل في زاوية المسجد التي تلي باب بني سهم ، فإذا خف ذلك الرمل والمدر أعادوه عليه ، ورشوا عليه الماء حتى يتلبد ، فيطوف الناس عليه ، فيكون ألين على أقدامهم في الطواف ، فإذا كان الصيف ، وحمي ذلك الرمل من شدة الحر ، فيؤمر غلمان زمزم وغلمان الكعبة أن يستقوا من ماء زمزم في قرب ، ثم يحملونها على رقابهم ؛ حتى يرش به رمل الطواف ، فيتلبد ، ويسكن حره ، وكذلك أيضا يرشون الصف الأول ، وخلف المقام كما يدور الصف حول البيت » .

ومن ذلك « ما كان في سنة (119هـ) حيث قام الوليد بن عبد الملك بفرش أرض المطاف بالرخام .


وكذلك في سنة (284هـ) فعل الخليفة المعتضد العباسي ، عندما أدخل دار الندوة في المسجد الحرام ، فأتم تبليط المطاف بالرخام ».

 

ومن جملة ذلك ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام عن المطاف قال : « وهذا الموضع مفروش بالحجارة المنحوتة حول الكعبة من جوانبها ، وعمل ذلك على دفعات حتى صار على ما هو عليه اليوم ، وكان مصيره هكذا في سنة (766هـ) ست وستين وسبعمائة ، والمعمول منه في هذه السنة جانب كبير ، وهاتان العمارتان من جهة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر .

وعمّر الطواف من ملوك مصر الملك المنصور لاجين المنصوري ، واسمه مكتوب بسبب ذلك في رخامة بين الركن اليماني والحجر الأسود .


وعمّره من الخلفاء المستنصر العباسي في سنة (631هـ) إحدى وثلاثين وستمائة ، واسمه مكتوب بسبب ذلك في الحفرة التي عند باب الكعبة» .

 

وقال ابن بطوطة في رحلته التي كانت سنة (725هـ) : « والمطاف مفروش بالحجارة السود ، وتصير بحرّ الشمس كأنها الصفائح المحماة ، ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها ، فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب الموضع من حينه . وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب » انتهى

وقال ابن فهد نقلاً عن الغازي : « وفي سنة (881هـ) عملوا الرصاص بأرض المطاف حول الكعبة » .

« وفي سنة (894هـ) أمر ناظر الحرم قاضي القضاة جمال الدين أبا السعود ابن ظهيرة بحفر جميع حاشية المطاف ، وإصلاحه بإخراج البطحات التي بها ، وذلك بسبب وقع المطر ودخول السيل إلى المسجد ، فحفرت وأخرج منها بطحات كثيرة مخلوطة بالتراب ، فغربلت وبطحت الحاشية ببعض البطحات ، وفرق باقيها بالمسجد في الأماكن المحتاجة لذلك ، وكان إكمال العمل في أوائل شهر ربيع الأول من السنة المذكورة.


وفي سنة (918هـ) أمر الأمير الباش بإذابة الرصاص في المسجد الحرام في أماكن في المطاف ، وعند المزولة ، فتم ذلك في يوم واحد.

وفي سنة (920هـ) رصص أرض المطاف الخواجة ابن عباد الله ، وأصلح مجرى السيل والمسعى حسب المرسوم الذي ورد لنائب جدة بتفويضه ذلك ، وأرسل لهذا العمل رصاصًا وصل إلى جدة ، قالوا عنه : إنه خمسون قنطارًا ، فوصل بعضه لمكة » . اهـ .

 

وقال القطبي في الإعلام : « إنه في سنة (961هـ) بعد أن فرغ ناظر الحرم أحمد جلبي من تجديد سطح البيت الشريف، شرع في تسوية فرش المطاف ببلاط جديد، أي رخام ، فإن أحجاره انفصلت ، وصار بين كل حجرين حفر ، كانت تلك الحفر تسد تارة بالنورة ، وتارة بالرصاص ، وتسمر بمسامير الحديد ، فأزال ما بين الأحجار من الحفر ، ونحت طرف الحجر إلى أن ألصقه بطرف الحجر الآخر من جوانبه الأربعة ، واستمر في فرش المطاف على هذا الأسلوب ، إلى أن فرغ من ذلك ، وأصلح أبواب المسجد الشريف وفرش المسجد جميعه بالجص» اهـ.

 


« وأول من فرش المطاف بالحجارة الجبلية المنحوتة هو الوزير الأعظم سنان باشا ، وذلك سنة(980هـ) أو في التي قبلها أو في التي بعدها.


قال القطبي في تاريخه : فمن آثاره الخاصة بالوزير الأعظم سنان باشا في المسجد الحرام هو تعميره حاشية المطاف ، وكانت من بعد أساطين المطاف الشريف دائرة حول المطاف ، مفروشة بالحصا ، يدور بها دور حجارة منحوتة ، مبنية حول الحاشية بالحجر الصوان المنحوت ، ففرشت به في أيام الموسم ، وصار محلاً لطيفًا دائرًا بالمطاف ، من بعد أساطين المطاف ، وصار ما بعد ذلك مفروشًا بالحصا الصغار ، كسائر المسجد خاص به .


وفي سنة (1003هـ) قلعوا حجارة المطاف ، وكانت من الحجر الصوان ، ففرشت في الحاشية التي تلي المطاف ، وفرشوا المطاف بالمرمر .

 


وفي سنة (1006هـ) فرش جميع أرض المطاف بالرخام الأبيض الناصع الجميع السلطان محمد خان من سلاطين آل عثمان ، فرش المطاف كله إلى العمد المطيفة به.


وفي سنة (1072هـ) زاد في حاشية المطاف فرشًا بالحجر المنحوت زيادة قليلة سليمان بيك صنجق جدة» اهـ .


توسعة المطاف :

من المعلوم أن المسجد الحرام كان فناء حول الكعبة للطائفين ، ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر رضي الله عنه جدار يحيط به ، وإنما كانت الدور محدقة به ، وبين الدور أبواب يدخل الناس منها من كل ناحية .


فلما تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكثر الناس ، وسَّع المسجد، واشترى دورًا فهدمها ، وأدخلها فيه ، ثم أحاط عليه جدارًا قصيرًا دون القامة ، وكانت المصابيح توضع عليه ، فكان عمر أول من اتخذ الجدار للمسجد .

ثم لما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه ابتاع المنازل في سنة ست وعشرين ، ووسع الحرم بها أيضًا ، وبنى المسجد والأروقة ، فكان عثمان رضي الله عنه أول من اتخذ للمسجد الحرام الأروقة .

 


وقد وضعت بعد ذلك أعمدة وأساطين حول المطاف ؛ لتعليق مصابيح الاستضاءة عليها ، وتكون في الوقت نفسه علامة على حد المسجد الحرام الذي كان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وما وراء ذلك فهو من الزيادات .

 

 

المطاف يحده الأعمدة والأساطين التي تعلق عليها المصابيح


ذرع المطاف :
يقول الفاسي : « المطاف المذكور في كتب الفقهاء وهو ما بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة » .


وقد أشار إلى هذا الشيخ أبو محمد الجويني ، ونقله عنه ابن الصلاح في منسكه قال : « المطاف المعتاد الذي يستنكر ويستبعد مجاورته هو ما بين الكعبة والمقام ، وفي كل جانب في العادة أمارات منصوبة لا يكاد الناس يخرجون عنها . انتهى »( ) .

 

قال الديار بكري: « وأما عرض البلاط المفروش بالمطاف ، فمن صوب المشرق وباب السلام من شباك مقام إبراهيم إلى شاذروان الكعبة مقابلاً له أربعة وأربعون قدمًا ، ومن صوب الشمال والمقام الحنفي من طرف المطاف إلى جوار الحجر مقابلاً له ثمانية وأربعون قدمًا ، ومن صوب المغرب والمقام المالكي من طرف المطاف إلى شاذروان الكعبة خمسة وستون قدمًا ، وهو أبعد الجوانب من الكعبة ، ومن صوب الجنوب والمقام الحنبلي من طرف المطاف إلى الشاذروان الذي تحت الحجر الأسود سبع وأربعون قدمًا »( ) .

وأما ذرع المطاف في عهد إبراهيم رفعت باشا (1325هـ)، فقال عنه : «قست المسافة بينه وبين جدر الكعبة الأربعة ، فإذا هي (13.25م) من الجهة الشرقية ، و(20.44م) من الجهة الشمالية، و(16.15م) من الجهة الغربية ، و(14.75م) من الجهة الجنوبية »( ) .


وفي عهد المؤرخ محمد طاهر كردي كان قياس المطاف -كما ذكر رحمه الله- كالتالي :

« وإليك بيان طول المطاف القديم من الجهات الأربع محررًا مضبوطًا منبطًا تامًّا بالأمتار : (11.50م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة الذي فيه الباب من جهة الشرق إلى أول مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام .

(16.65م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة من ظهرها أي من الجهة الغربية . (22.3م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة من تحت ميزابها أي من الجهة الشمالية ، بما فيه حجر إسماعيل وسمك جداره . (15.20م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة الذي بين الركنين من الجهة الجنوبية .

هذا هو قياس طول المطاف القديم بالأمتار ، وهو قياس مضبوط محرر لا يحتمل الشك ، لأننا أخذناه من نفس المهندسين المصريين الذي اشتغلوا في توسعة المطاف في زماننا سنة 1377 ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين هجرية .
وأما المطاف الجديد فهو على شكل دائرة كاملة الاستدارة ، وقد كان هذا الشكل الدائري من عمل المهندسين المصريين الذي أشرفوا على توسعة المطاف . وإليك بيان طول هذا المطاف الجديد من الجهات الأربع محررًا مضبوطًا تامًّا بالأمتار : (15.30م) طول المطاف الجديد من الجهة الشرقية للكعبة ، أي من مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام . (10.75م) طول المطاف الجديد من الجهة الغربية ، أي من جهة ظهر الكعبة . (4.65م) طول المطاف الجديد من الجهة الشمالية ، أي من جهة حجر إسماعيل عليه الصلاة والسلام . (11.50م) طول المطاف الجديد من الجهة الجنوبية ، أي من جهة الركنين الأسود واليماني .

 

هذا هو قياس طول المطاف الجديد بالأمتار ، وهو قياس محرر مضبوط لا يحتمل الشك ؛ لأننا أخذناه من نفس المهندسين المصريين الذي اشتغلوا في توسعة المطاف في زماننا سنة 1377 ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين من الهجرة . وبإضافة مقدار المطاف القديم على المطاف الجديد ، يظهر مقدار كامل المطافين .

 


ولقد قسمنا هذه الدائرة إلى أربعة أقسام متساوية، كما هو ظاهر في الرسم التالي،لنبين مقدار طول الطواف القديم،وطول المطاف الجديد من الجهات الأربع وهو رسم صحيح مضبوط مطابق للحقيقة ، أخذناه من المهندسين المصريين الذي اشتغلوا في توسعة المطاف من أواخر شهر شعبان إلى أوائل شهر شوال من سنة 1377 ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين هجرية . فالحمد لله على توفيقه .

وإليك رسم المطافين »:

« وفي العهد السعودي الزاهر بعد توسعة سنة 1388هـ للمطاف أصبح قطر المطاف (64.8م) على اعتبار أن الكعبة مركز القطر ، ويحيط به ممران متجاوران على محيط المطاف عرض كل منهما 2.5م ، وعلى ارتفاع 20سم . وقد أصبحت مساحة المطاف (3058 م2) حول الكعبة .


وفي توسعة عام 1399هـ ألغيت الحصاوي والمشايات ونقل المنبر والمكبرية وخفضت فوهة بئر زمزم أسفل المطاف بالقرب من المحيط الخارجي لدائرة المطاف ، فأصبحت سعة المطاف إلى حدود الحرم القديم بقطر (95.2م)، وأصبحت مساحة المطاف (8500 م2) »  .


وفي عام 1424هـ تم تغطية مداخل قبو زمزم للاستفادة القصوى من صحن المطاف الذي يئن في فترات الزحام بالمعتمرين والحجاج ، وذلك بتسقيف مداخل القبو المؤدي للبئر ، وترحيل نوافير الشرب إلى جانب صحن المطاف ، حيث أدت هذه الأعمال إلى زيادة صحن المطاف بمقدار (400) متر مربع .

المطاف في العهد السعودي الزاهر :
وفي العهد السعودي الزاهر رأى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله أن يوسع المطاف ، حرصًا منه على راحة الحجاج والمعتمرين ، فأصدر أمره بتوسعة المطاف وهدم المقامات الأربعة التي في أطراف المقام .
ففي سنة (1377هـ) تم قلع الرخام الذي بعد المطاف المحيط به ، فحفروا الأرض المحيطة بالمطاف ؛ لتتساوى به ، بعد وضع الرخام عليه ، كما أنهم قلعوا الأعمدة الخضر التي كانت في حدود المطاف الأول وعلامة عليه ، ثم بدأوا بعد حفر الأرض بفرشها بالأسمنت ، ووضعوا الرخام عليه حتى تساوى هذا المطاف الجديد بالمطاف القديم ، وصار على سمته وبلصقه . ومقدار مساحة الجديد كمقدار مساحة القديم تقريبًا ، ووُضع خط أسود من جنس الرخام ليحدد المطاف القديم من المطاف الجديد .


صورة للمطاف بعد هدم المقامات الأربعة ويظهر بالمطاف المشايات والحصاوي والمنبر وبناية زمزم وباب بني شيبة والمظلات لصق الرواق العثماني وذلك قبل إلغائها ويظهر أيضًا مدخل قبو زمزم أثناء إنشائه

 

 

 
 
 

وفي المرحلة الثانية من هذا المشروع العظيم التي تبدأ من جمادى الثاني 1381هـ وتمتد حتى عام 1388هـ تم توسيع المطاف القديم ، وهدم البناء الذي فوق بئر زمزم ، وخفضت فوهة البئر أسفل المطاف ، وقد حول كذلك كل من المنبر والمظلة ، وأزيل البناء القائم على مقام إبراهيم عليه السلام .

 

المصدر : بوابة الحرمين الشريفين .