محمد حلمي آل سعيد ...أستاذ الأجيال,, وشاهد القرن
الأستاذ محمد حلمي بن حسين حلمي بن علي آل سعيد، خطاط وزارة المعارف، مرب واداري تربوي وعلم بارز من ابرز رواد التربية والتعليم والخط العربي في المملكة العربية السعودية.
البيئة والنشأة العلمية
كانت مكة المكرمة في مطلع صباح القرن الرابع عشر الهجري تحتشد حول جِواء المسجد الحرام بدورها وعمرانها، ومدارسها، وأربطتها، ومساجدها، وأسواقها، ومراكزها واداراتها الحكومية, وكانت احياؤها او حاراتها العريقة لا تتجاوز اثنتي عشرة حارة تحتضن المسجد الحرام وهو مركز المدينة المقدسة الديني والعلمي، حيث تنتشر في ساحاته وأروقته حلقات العلم التي بلغت - في فترة من الفترات - مئة وعشرين حلقة يقصدها أئمة العلم والدين.
وكانت أروقة الحرم الشريف تحتضن العديد من الكتاتيب الاولية لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم وتعليم مبادىء القراءة والكتابة والعلوم الاخرى, على ان ثمة كتاتيب عديدة كانت تنتشر في مواقع متناثرة من المساجد والزوايا والمنازل في جميع الأحياء وقد بلغ عدد هذه الكتاتيب اكثر من خمسة وأربعين كتابا, وناهزت كتاتيب البنات هذا العدد.
ولم يقتصر التعليم على حلقات الدرس في المسجد الحرام بل ان العديد من العلماء واهل العلم قد افردوا حلقات علم في منازلهم وفي الأربطة فكانت مراكز للتعليم يتحلق حولهم فيها طلبة العلم من اهل البلاد ومجاوريها والوافدين عليها لطلب العلم.
وبقي من المدارس الدينية التي قامت حول المسجد الحرام وبجواره - منذ القرن السادس الهجري - عدة مدارس هي: المدارس السليمانية، والمدرسة الداودية، والمدرسة المحمودية, أما المدارس النظامية الحديثة فقد كان ثمة: المدرسة الصولتية التي انشئت عام 1292ه والمدرسة الفخرية التي انشئت عام 1296ه ومدرسة دار الفائزين التي ظهرت في عام 1304ه وكانت هذه المؤسسات التعليمية الثلاث مدارس اهلية ظلت تؤدي دورها التعليمي قبل ظهور التعليم الحكومي العربي الذي اعقب التعليم الحكومي التركي بمدارسه التركية التي انشئت بين عامي 1302ه 1328ه ثم انشئت عام 1326ه مدرسة محمد حسين خياط الخيرية الاهلية التي تحولت في عام 1330ه الى مدرسة حكومية سميت فيما بعد مدرسة المسعى وهي اول مدرسة حكومية عربية في أم القرى.
وفي هذا العام 1330ه ظهرت مدرسة الفلاح الاهلية الشهيرة ثم تأسست في عام 1335ه خمس مدارس حكومية هي: مدرسة الشامية، ومدرسة المعلاة، ومدرسة حارة الباب، والمدرسة الراقية والمدرسة العالمية في قلعة جبل الهندي جبل قعيقعان وكانت هذه المدارس نواة التعليم النظامي المدرسي الذي عرفته مكة المكرمة في مسيرة النهضة التعليمية الحديثة في الديار المقدسة.
وفي هذه البيئة الاجتماعية والعلمية من صباح القرن الرابع عشر الهجري ولد محمد حلمي آل سعيد المربي والخطاط عام 1318ه 1900م وفيها نشأ وتعلم حيث الحقه والده بالكتاب فتلقى تعليمه الاولي فيه، ثم التحق بالمدرسة الفخرية - كما يذكر نجله الاستاذ فؤاد بن محمد حلمي - حيث تلقى تعليمه الابتدائي ثم استكمل تعليمه العالي في حلقات العلم بالمسجد الحرام وتتلمذ على مشايخ وعلماء زمانه كالعالم والفقيه الشيخ سعيد بن محمد يماني وقد نال حظا جليلا من العلم في اللغة العربية، والعلوم الدينية والمعارف العامة، ووصل حياته بأهل العلم والتربية والادب والثقافة فهيأ نفسه للحياة العلمية والتربوية.
وقد اتجه - في يفاعته - الى تعلم الخط العربي فواظب على دراسته مدة اربع سنوات متتلمذا على امام الخط والرسم في زمانه الشيخ عبدالرؤوف الفلمباني الخلوصي فأتقنه وبرع في فنونه وتخرج على يديه خطاطا ابرزه الفن في عداد اعلام مشاهير الرعيل الاول من رواد الخط في الحجاز والمملكة العربية السعودية كالشيخ سليمان بن فرج الغزاوي والشيخ تاج بن فرج الغزاوي والشيخ محمد اديب والشيخ ابراهيم حلواني والشيخ محمد طاهر الكردي.
مدير المعهد العلمي السعودي
استهل الشيخ محمد حلمي نشأته الاولى في مرحلة الكتاتيب والتعليم في المسجد الحرام والمدارس الاهلية المعدودة, فلما ناهز اليفاعة والشباب كان عليه ان يحترف العمل الوظيفي وهو الذي اعدته الحياة بين اهل العلم والقلم, فلم يتح له - في البدء - الا التوظف كاتبا ملازما في وظيفة مؤقتة بنظارة المالية في مكة المكرمة حتى انفرج له الحظ ذات صباح من أيام عام 1338ه فعين مدرسا في (المدرسة التحضيرية الهاشمية) او مدرسة محمد حسين خياط الخيرية التي صارت اول مدرسة حكومية عربية عام 1330ه، وسميت مدرسة المسعى وما تزال قائمة باسم المدرسة الرحمانية الابتدائية ثم رقي فنقل الى المدرسة الراقية وهي تمثل مرحلة أعلى في سلم التدرج المدرسي الذي يساوي الابتدائي والاعدادي.
وفي عام 1340ه انتقل الى التدريس في مدرسة دار الفائزين الاهلية، وفي عام 1341ه تفرغ ليفتتح كتّابه المشهور الذي سماه مدرسة تحسين الخطوط الحلمية في رواق عند باب الصفا بالمسجد الحرام، واخذ بتعليم الخط والحساب والاملاء والانشاء, وبعد عامين انتقل الى زاوية الحداد بباب اجياد بجوار المسجد الحرام ثم الى وقف لآل زيني في حي القشاشية حتى تأسست مديرية المعارف العامة السعودية فأصدر مديرها الاول السيد صالح بن بكري شطا في 12 المحرم 1345ه قرارا بتعيينه مدرسا في مدرسة المسعى الابتدائية يعلم بها الخط والمطالعة والانشاء.
وفي عام 1349ه رقي فأنيط به التدريس في المعهد العلمي السعودي الذي أسس عام 1345ه فظل في دوحه اكثر من ربع قرن يبسط ظل المعلم والمربي لأجيال ممن صاروا بناة النهضة التعليمية والثقافية ورجال الدولة.
وفي عام 1358ه انتقل المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات التي افتتحت عام 1356ه الى قلعة جبل الهندي بإدارة المربي الكبير السيد احمد بن محمد العربي.
وفي مطلع عام 1366ه انفرد المعهد العلمي السعودي بادارة مستقلة حيث عين المربي والاديب الناقد الاستاذ عبدالله بن احمد عبدالجبار مديرا له وعين الاستاذ محمد حلمي معاونا له.
وفي عام 1369ه اسند الى الاستاذ محمد حلمي منصب مدير المعهد عند انتقال الاستاذ عبدالله عبدالجبار مديرا للبعثات العلمية السعودية في مصر, وظل الاستاذ محمد حلمي مديرا للمعهد الى عام 1375ه حيث عين مفتشا فنيا ثم مفتشا اداريا وخطاطا لوزارة المعارف في عهد وزيرها الاول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز.
ولكفاءته وخبرته في فنون الخط العربي فقد اختير من قبل المقام السامي خبيرا عاما لمكافحة التزوير ومضاهاة الخطوط في جهاز وزارة الداخلية وجميع الدوائر الحكومية حتى احيل على التقاعد عام 1388ه.
خطاط وزارة المعارف
كان الاستاذ محمد حلمي رحمه الله شخصية تربوية عصامية عتيدة في حقل التربية والتعليم، وقد ظل لأكثر من خمسين عاما مخلصا لرسالة العلم وفيَّا للقافلة التي أوكد سرج مطيته لها فلم يبرح فضاء التعليم الى غيره مما قد يحله مركزا في اضواء الوجاهة المادية والاجتماعية, ولكنه كان محظوظا ببناء العقول واعداد الاجيال المستنيرة وهكذا اراد ان يكون ولعل هذا سر العمر المبارك الذي عاشه قرنا من الزمان مطمئن النفس في صفو الامن والايمان.
لقد مر التدرج الوظيفي لحياة الأستاذ محمد حلمي بثلاثة أدوار:
الدور الأول
فقد افتتح الدور الاول مدرساً في المدارس الابتدائية ومعلما للخط وفنونه في كتّابه بالمسجد الحرام او بجواره وقد استغرقت هذه المرحلة المدة الممتدة بين عامي 1338ه 1349ه
الدور الثاني
ثم استهل الدور الثاني في مرحلته التربوية الكبيرة الممتدة لأكثر من ربع قرن بين عامي 1349 1375ه مدرسا فوكيلا، فمديرا للمعهد العلمي السعودي.
وفي هذه المرحلة كان منجزه الريادي التربوي الذي استتم به استاذيته لثلاثة اجيال وكان دوره الاداري والاشرافي الباني في تاريخ المعهد العلمي السعودي الذي كان أول مؤسسة تعليمية ثانوية رائدة.
يقول الاستاذ محمد حلمي في كتابه خواطر من ذكرياتي :
اني عاصرت جميع مراحل التعليم في الماضي والحاضر ولم اغادر حقل التعليم طوال حياتي ولذلك فإن طلابي هم كثيرون فمنهم : الامراء والوزراء والاطباء والمهندسون والقضاة والادباء والكتاب والفنانون واصحاب الاعمال الحرة والجميع يؤدون اعمالهم بأمانة واخلاص ويخدمون الافراد والوطن وجميع مرافق الحياة .
وقد تتلمذ عليه اجيال من طلاب المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات والعديد من اعلام اساتذة ومبدعي الخط العربي سوى الاجيال من تلاميذ المراحل التحضيرية والابتدائية.
فمن اعلام علماء وفقهاء المسجد الحرام الذين تتلمذوا عليه: السيد محمد امين كتبي والسيد علوي مالكي ومن طلابه الامراء: الامير منصور بن عبدالعزيز ومن طلابه في الرعيل الاول: المربي وامام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالله خياط ومن اعلام الادب والتربية والثقافة حمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان واحمد عبدالغفور عطار وعبدالعزيز الرفاعي وصالح واحمد جمال ومن الوزراء: حسين عرب وعبدالعزيز آل الشيخ وحسن آل الشيخ وعبدالعزيز الخويطر وناصر المنقور وغيرهم ومن التربويين حامد دمنهوري وعبدالله بغدادي وجميل ابو سليمان وعبدالله بوقس وسواهم من مديري وعمداء ومؤسسي واساتذة التعليم الجامعي ومن طلابه الاندونيسيين والماليزيين العديد ممن صاروا علماء ودعاة وسفراء واساتذة جامعيين.
الدور الثالث
أما الدور الثالث من رحلة حياته الوظيفية التربوية فقد امتد من عام 1376ه الى عام 1388ه وهو دور فيه تتويج لعمله القيادي التربوي مفتشا فنيا واداريا وخطاطا مرموقا لوزارة المعارف.
إنجازات
ومن انجازاته التي تحسب له في نشاطه الريادي:
* ادخال الاذاعة في التنظيم المدرسي فقد استورد اول اذاعة مدرسية في المملكة واستخدمها في نشاط المعهد العلمي السعودي.
* العمل على زيادة المنح للدارسين في المعهد العلمي السعودي من غير السعوديين كالاندونيسيين والماليزيين.
* انشاء مكتبة وصندوق للتوفير والاقتصاد عام 1358ه سماه صندوق التعاون الاقتصادي بالمعهد العلمي السعودي.
* أولى نشاط التربية الفنية والصحافة المدرسية عناية ابرزت قدرات طلاب المعهد وابداعاتهم في الرسم والفنون التشكيلية والكتابة الادبية في وقت مبكر من زمن نهضة التعليم المدرسي وكان معرض المعهد يحوز مجد السبق على جميع المدارس.
اما نشاطه الفني في الخط العربي الذي عرف به فاشتهر بخطاط وزارة المعارف فيتمثل في:
* كتابة لوحات المدارس والفصول الدراسية في جميع مناطق ومدن المملكة.
* كتابة شهادات اتمام الدراسة في جميع مراحل التعليم بمدارس مديرية المعارف العامة ثم وزارة المعارف وشهادة اتمام الدراسة في كلية الشريعة.
* كتابة آيات قرآنية على جدران الحرم المكي الشريف عام 1357ه وعلى حزام الكعبة المشرفة في اول كسوة سعودية.
آثار ومؤلفات
ومن آثاره ومؤلفاته:
* كتاب خواطر من ذكرياتي وهو فصول من سيرته التربوية ولمحات عن الحركة التعليمية في عهد مديرية المعارف العامة واطلالة وزارة المعارف ويؤرخ فيه للمعهد العلمي السعودي عبر مسيرته التعليمية وقد اعتمد المؤرخون على ما كتبه فيه عن تاريخ هذا المعهد العتيد وعن قرارات جلسات مجلس المعارف.
* كتاب التربية والتعليم سجل فيه بعض تجاربه وافكاره التربوية.
* سلسلة كراسات خطية بخطي النسخ والرقعة ضمن المقررات المدرسية لجميع صفوف المرحلة الابتدائية.
ولقد كرمته الدولة عام 1395ه فمنحته بأمر الملك خالد بن عبدالعزيز ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة.
شهادات واشادات
حظي الاستاذ محمد حلمي بمساحات رحبة من الشهادات والاشادات التي جلا بها تلاميذه الكثيرون - الذين صاروا اعلام البلاد - الملامح المضيئة من شخصيته التربوية المحببة ومنزلته العلمية المبجلة وقد استضافته الصحف وافردت له صحيفة الجزيرة 1414ه حلقات ضمن ضيف الجزيرة وكتب عنه واشاد به الاوفياء من اولئك التلاميذ كالشيخ عبدالله خياط والاستاذ حمد الجاسر والاستاذ احمد عبدالغفور عطار والاستاذ عبدالكريم الجهيمان والاستاذ احمد جمال والاستاذ عبدالعزيز الرفاعي والاستاذ عبدالله بغدادي والدكتور عبدالعزيز الخويطر والاستاذ عبدالله بوقس وغيرهم من تلاميذه واصدقائه وزملائه كما ترجم له وتحدث عنه المربي الكبير السيد محسن احمد باروم في كتابه القيم من اعلام التربية والفكر في بلادنا .
عبدالله خياط
يقول الشيخ عبدالله خياط امام وخطيب المسجد الحرام في معرض حلقات لمحات من الماضي شخصيات لها اثر في نفسي ,:
بدأت صلتي بسيادة الاستاذ محمد حلمي الخطاط اذ كنت طالبا في المدرسة الفخرية ثم دارت الايام دورتها فحظيت بلقاء استاذي حلمي مدرسا للخط والاملاء في المعهد العلمي السعودي فتوثقت الصلة بيني وبينه, ان شخصية الاستاذ محمد حلمي الخطاط لا تزال من الشخصيات البارزة التي تركت في نفسي اثرا طيبا لا يمحوه تباعد الاشباح لظروف الحياة ولا يعفي عليه تقادم العهد وتصرم السنين! .
أحمد عبدالغفور عطار
ويقول الأديب العلامة الاستاذ احمد عبدالغفور عطار:
,, وأما اهتمامي باللغة فالفضل في ذلك لأستاذنا الشيخ محمد حلمي الخطاط الشهير ,, هو الذي حبب الي اللغة العربية,, وكان الشيخ محمد حلمي يعرف كثيرا من كتب اللغة,, فانظر الى هذا الاستاذ الخطاط الشهير كيف اثر فينا نحن الطلاب ودفعنا الى الحرص على لغة القرآن الكريم وحفظ متن اللغة! .
عبدالله عبدالجبار
ويذكر المربي والمفكر والأديب الناقد الاستاذ عبدالله عبدالجبار ان الشيخ محمد حلمي كان استاذا له في المدرسة الفخرية في آخر الاربعينيات بعد الثلاثمائة والف من الهجرة ثم صارا زميلين في المعهد العلمي السعودي بين عامي 1359 1369ه وحين تولى الاستاذ عبدالله عبدالجبار منصب مدير المعهد عين الشيخ محمد حلمي وكيلا ومعاونا له حتى انيطت بالشيخ محمد حلمي ادارة المعهد عام 1369ه وكان الشيخ أحد ابرز اعلام الادارة وهيئة التدريس في المعهدين العتيدين: المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات امثال: السيد احمد العربي والسيد اسحاق عزوز والشيخ محمود قاري والاستاذ عبدالله عبدالجبار والشيخ عمر عبدالجبار والشيخ عبدالرحمن صباغ والشيخ ابراهيم فطاني والسيد محمد امين كتبي والاستاذ حسين فطاني ,, وسواهم.
عبدالعزيز الخويطر
وكتب الدكتور عبدالعزيز الخويطر:
الاستاذ الكريم محمد حلمي من الاساتذة الذين لا ينسى فضلهم ولا تجحد جهودهم الخيرة مع طلابهم وقد اتصف بصفات جعلته محبوبا,, ومن الامور التي كانت تعلي مقامهم عندنا اننا كنا نشعر انه والد,, وكان يدرسنا الخط,, ويعود الفضل لله ثم له فيما قد نفاخر به من حسن خط,, وكان يدرسنا بجانب ذلك خواص الاجسام ولا انسى بعض نصائحه الصحية ولا ازال متمسكا بها .
ويشيد الدكتور الخويطر بشخصيته التربوية فيقول : انها تمثل - بحق - جيلا كريما من المدرسين ساهموا في نهضة هذه البلاد وبذلوا من جهدهم ووقتهم شيئا كثيرا دون ان ينظروا الى المادة وقد يكون بعضهم مثل استاذنا الكريم محمد حلمي اعتنى بأبنائه في مدرستهم ومعهدهم اكثر من اولاده في بيته.
حمد الجاسر
ودبج العلامة الاستاذ حمد الجاسر رسالة الى استاذه الشيخ محمد حلمي نشرتها جريدة الجزيرة 1414ه ومنها:
استاذنا الجليل، بل استاذ الجيل.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد,.
فلا اقول ان استاذنا ذكرني بما اضفى علي من ثناء بما قد شملني سابقا من فضله ولطفه وعطفه فأنا لم انس ذلك ولله الحمد وليس ما قام به استاذنا الجليل ومربينا بسمو الاخلاق وجميل الصفات بالامور التي تنسى فتلاميذه ولله الحمد يملؤون فجاج البلاد ويثنون عاطر الثناء ويعترفون له بالفضل ويقرون له بما له عليهم من حسن التوجيه والتعليم.
محمد امين كتبي
ووجه اليه تلميذه المربي والعالم الفقيه السيد محمد امين كتبي تحية شعرية قال في بعض ابياتها:
يا صاحب الخلق الجميل
وصاحب الفن الجميل
يا راسم الملكات للطلاب
جيلا بعد جيل
يا ناشر العلم الشريف
تدير معهده الأثيل
اهديك من شذرات ما
يهدي الخليل الى الخليل
فلتحي ذخرا ولتعش
للعلم والخلق النبيل
رسالة بليغة
واستنهضت الشيخ محمد حلمي اريحية الاستاذ وهو يطل من نافذة المعلم على مشارف القرن من عمره الجليل المبارك بالعلم الشريف فأملى هذه الرسالة الادبية البليغة ووجهها الى تلاميذه الاعلام:
شكر وعرفان الى تلامذتي الذين غمروني بالكتابة الي وعني,.
بحمد الله على سلامة الذاكرة اذكركم ومن عمق الفؤاد ومما ملىء به من حب اهديكم ومن نفس ربيت على الاعتراف بالجميل اشكركم.
ابنائي لم اقتدر على ايصال العلم لعقولكم الا بفضلكم فلولا حسن استماعكم وعلو ادبكم ورغبتكم في التحصيل لما وفقت ان اكون معلمكم.
اذني تشنف برنين تعبيركم وشريط ذاكرتي يدور بسرعة البرق ولله الحمد.
ستون عاما لأتخيلكم : على الحنابل تقعدون وبامكانات للعلم يسيرة تحمدون وتجدون وتجتهدون.
على الجبال تدرسون وبلفيح الشمس ببطحاء مكة طاقة تتزودون وبعد ذلك علماء تتخرجون وبقوة عزم الرجال للرايات تحملون وفي التطوير تسهمون.
ولأنها امانة في اعناقكم فكما اخذتم تعطون فأنتم اساس للاجيال القادمين! .
وحين تشرفت بلقاء الشيخ الجليل محمد حلمي رفقة زميلي المربي محمد نور قاري صباح اليوم الاول من جمادى الاولى 1420ه وفي صحبة وضيافة ابنه الصديق الفاضل الاستاذ فؤاد محمد حلمي افاء علينا الشيخ ظل لطفه الابوي وجاءنا صوته طلق الانشاد مفعم النبرة بحكمة المئة من السنين.
ولكن نفسا حرة لا تقيم بي
على الضيم الا ريثما اتحول!
لعمرك ما بالارض ضيق على الفتى
سرى راغبا او راهبا وهو يعقل!
وصمت هنيهة ثم أومأ إلينا وأطل علينا صوته مرة أخرى: عذب المنطق جياشا ينبض كرامة الانسان في سعيه الفسيح الى الامل:
بلاد الله واسعة فضاء
ورزق الله في الدنيا فسيح
فقل للقاعدين على هوان
اذا ضاقت بكم ارض فسيحوا
كان ذلك هو المعلم والمربي الجليل والرائد التربوي العريق الشيخ محمد حلمي الذي عاش بيننا موفور الكرامة شاهد القرن وكان آخر الصفوة وبقية البقية من مؤسسي وبناة العلم واساتذة الاجيال.
وما زلت اذكر جولتنا في صالة فسيحة بداره المكية عرض فيها النوادر النفيسة من ابداعاته الفنية الخطية وجملة من المجلات المعهدية التي ابدعها نخبة من ابنائه في المعهد العلمي السعودي ومنهم اعلام من كبار المربين والاساتذة الجامعيين المؤسسين ورجال الدولة وكانت لوحات هذه المجلات الحائطية المدرسية التي ناهزت او تجاوزت نصف قرن من زمن النهضة التعليمية ذكرى نادرة حفظها الشيخ الجليل للتاريخ بين اجمل مقتنياته التربوية التي ظل يعتز بها.
ولعل العديد من تلامذته وابنائه ما يزالون يذكرون ذلك الشيخ الشامخ الفارع الوقور في ضحى الشيخوخة يمشي من بيته في جرول سيرا على الاقدام الى المسجد الحرام وحينما اعيته شيخوخة العمر المديد لزم بيته في انتظار نداء الرحيم الرحمن لا يبارح الاستماع الى تلاوة القرآن حتى لبى نداء الوداع مساء السبت 19/5/1421ه رحمه الله واكرم في الجنة مثواه.
المصدر : جريدة الجزيرة الجمعة 12 رمضان 1421 بقلم الاستاذ فاروق بنجر
0 تعليقات