موسيقى المقاهي ومغنيات الأفراح في مكة المكرمة فترة الحكم العثماني

 

فرقة موسيقى الفرقة الكشفية في العهد العثماني

يخبرنا المستشرق الانجليزي بيركهارت (رحلات إلى شبه الجزيرة العربية) أثناء إقامته في مكة المكرمة سنة 1814 م فترة الحكم العثماني بأن الموسيقى التي يعشقها العرب بشغف كبير كانت تمارس في مكة المكرمة وفي الحجاز عموما كحرفة أو مهنة ولكنها بنسبة أقل منها في سوريا ومصر. مبينا أن ألوانا من الأغاني الكورسية (الجوق) تغنى من قبل بعض الشباب ليلا في بعض مقاهي المدينة لجذب المزيد من الزبائن وأن الأعراس وبعض المناسبات تحيى من مغنيات وراقصات محترفات يمتلكن أصواتا جميلة إلى أن تم تطهيرها من المد السلفي مثل كثير من الممارسات التي مورست كحرف في المدن المقدسة وقال في بعض التفاصيل:

إن أصوات أهل الحجاز عامة جشة وغير نقية إذ إني لم اسمع أيا من تلك الأصوات الرنانة والمتناغمة كتلك الأصوات الرائعة في مصر، وتلك الاستثنائية في سوريا، أكانت تنطق بأغاني الحب أو ترتل سورا من القرآن الكريم في المآذن .! والتي لها وقع مميز وخلاب في عمق الليل، وحتى الأئمة في المسجد، وأولئك الذين يرتلون الترانيم الدينية مرددين الكلمات الأخيرة لأدعية الإمام التمهيدية، تجد في أصواتهم خشونة ونشازا، رغم أنهم في البلدان الأخرى يختارون لجمال أصواتهم.

لشريف مكة فرقة موسيقية عسكرية، هي نفسها التي يحتفظ بها الباشاوات. وهي مؤلفة من خليط من الطبول والأبواق والنايات ..الخ، وتصدح الموسيقى أمام بابه مرتين في اليوم، وتعزفها لنحو نصف ساعة في كل مساء من القمر الجديد ( الشهر الجديد ).

ويحضر الأعراس إناث محترفات يغنين ويرقصن، ولهن كما يقال أصوات جميلة، وهن لا ينتمين إلى الفئة الفاسقة التي ينتمي اليها بعض المغنون الراقصون الشعبيون في بعض البلدان المجاورة، ويقول المكيون إنه قبل الاجتياح الوهابي كان بالإمكان سماع المغنين خلال المساء في كل شارع، الا أن صرامة الوهابيين الذين عارضوا غناء الإناث العلني، رغم أنهم شغوفون بأغانيهم البدوية الخاصة، قد تسببت في انهيار المهن أو الحرف الموسيقية كلها. الا أن الفكرة القائلة بأن العصور القديمة كانت دائما أفضل من العصور الحاضرة، هي فكرة تافهة لا قيمة لها ويمكن تصنيفها مع تلك الشائعات في الشرق كما في أوروبا.

إن السقايين أو حاملي المياه في مكة المكرمة والعديد منهم من الأجانب، يرددون أغنية مؤثرة جدا من خلال بساطتها والهدف الذي استعملت لأجله، حيث يقوم الحجاج الأثرياء مرارا بشراء كل ما تحويه قربهم من ماء عند مغادرتهم المسجد في الليل خاصة ويطلبون منهم توزيعه بين الفقراء مجانا. وبينما يسكبون الماء في الأوعية الخشبية التي يملكها كل متسول، يرددون ( سبيل الله ياعطشان، سبيل ! ) ومن ثم، يرددون الأغنية القصيرة التالية المؤلفة من ثلاث نوتات موسيقية فقط، والتي لم أسمعها قط دون أن أنفعل بها: (الجنة والمغفرة لصاحب السبيل) أي لتكن الجنة والمغفرة من نصيب ذلك الذي أعطاك هذا الماء !

وليس باستطاعتي أن اصف حفلات الأعراس كما تقام في مكة لأني لم أحضر أيا منها الا إني رأيت العروس تنقل إلى بيت زوجها , ترافقها كل صديقاتها . ولا تستعمل ظلة في هذه المناسبة كما هي الحال في مصر، ولا الموسيقى، ولكن يتم عرض الثياب الفاخرة والأثاث المنزلي، كما أن المأدبة فخمة وغنية وتدوم غالبا ثلاثة أيام أو أربعة. عند تسوية الزواج يحمل المال الواجب دفعه للعروس في موكب من منزل العريس إلى منزل والد العروس ويحمل عبر الشوارع فوق منضدتين خفيضتين وقد لف بمنديل أنيق وغطي مجددا بقماش من الساتان المزركش والمطرز , ويسير أمام الشخصين اللذين يحملان المنضدتين، شخصان آخران مع قارورة من ماء الورد في يد ومبخرة في الأخرى، يحترق فوقها أنواع الطيب والعطور كلها، ويلحق بهم في الخلف صف طويل أنسباء العريس وأسرته وأصدقاؤه كلهم وقد (تزيّوا) بأفضل ثيابهم، ويتراوح المبلغ الذي يقدم للعذارى في مكة بين الطبقات العريقة، بين أربعين إلى ثلاثمائة دولار، وبين عشرة إلى عشرين دولارا بين الطبقات الفقيرة، ويتم دفع نصف المبلغ عادة، ويترك النصف الآخر في حياة الزوج الذي يدفعه في حال أراد تطليق زوجته.

المصدر: جريدة الرياض 1434/6/25هـ - سعود المطيري