شهر رمضان..وأهل مكة..والتاريخ

سكان الحجاز يحتفلون بهلال شهر رمضان المبارك فيضربون الطبول عند باب أمير مكة ويبدأ الإستعداد للإحتفال في البيت الحرام فتجدد فيه الحصر ويكثرون من إيقاد الشمع والمشاعل حتى يتلألأ المسجد الحرام نوراً وتقام فيه صلاة التراويح ومن عاداتهم الإفطار في الحرم المكي في شهر رمضان.

 

ومن المعلوم إحياء الليالي الوتر في العشر الأواخر من رمضان ففي الليلة الحادية والعشرين يختم أبناء مكة القرآن ويحضر هذه الليلة القاضي وجماعة من العلماء وبعد أن يفرغ الصبية من القراءة يقوم بعضهم لإلقاء خطبة في الجالسين وعلى والد الصبي أن يقوم بعمل وليمة لهؤلاء الحضور في منزله.

 

وفي الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان يختم أيضاً من قبل هؤلاء الغلمان ويختار من بينهم غلام ويقوم والده بالإحتفال بالجلوس ويحضر لهم جميع الفواكه الموجودة في البلد رطبة أو مجففة مع القيام بعمل الحلوى المصنوعة بأيديهم ويوقد الشمع ويؤم الطفل المصلين في صلاة التراويح مرتدياً أفخر ثيابه مكتحل العينين مخضوب الكفين إلى الزندين ويعمل له منبر من الخشب يصعده لتلاوة القرآن ويقوم المدرس بإلقاء خطبة يلهب بها أفئدة السامعين لتذكيرهم وحثهم ثم يسكت الخطيب حتى يفرغ الغلام من قراءة القرآن ثم يختتم الخطيب خطبته ذاكراً فيها البيت العتيق مذكراً الناس بمآثر البيت مشيراً إلى توديع الشهر المبارك والدعاء للخليفة وللأمير.

 

وفي الليلة الخامسة والعشرين يحضرون غلاماً يقارب الغلام الأول سناً ويحضرون الشموع والفواكه الموجودة آنذاك ويزينون الحطيم بقناديل الشمع المختلفة ويعمل محراب ومنبر من الخشب يحيطونه بالشمع ويحتفل الناس بشهادة هذا المنبر ويعتبر هذا الإحتفال الثالث من العشر الأواخر ويصلي بهم مرتدياً أفخر الثياب ويسلم على الحضور ويخطب في الناس بسكينة ووقار خطبةً أبلغ من خطبة سابقه وبعد الإنتهاء منها توزع الأطعمة على الحضور أو يذهبون إلى منزل والد الغلام لتناول الطعام.

ومن أعظم ليالي الوتر عند المكيين ليلة السابع والعشرين من رمضان إذ يحتفلون بهذه الليلة أكثر من احتفالهم بالليالي السابقة إذ يختتم فيها ويقام الإحتفال قرب مقام الشافعية وينصب فيه الخشب حتى الحطيم وتبسط الأطباق الصفراء حيث تعلق في الهواء بواسطة سلاسل مربوطة بنصب الخشب وتوقد الشموع وتشعل المصابيح وقناديل الزجاج فيبدو المشهد وكأنه موائد ذات أرجل مشتعلة بالأنوار ويوقدون الشموع أيضاً أعلى قبة زمزم ويضعون صبيان مكة على شرفات الحرم.ويضعون في هذه الشرفات المشاعل ويتبارى في سرعة إيقاد هذه المشاعل فيتبادر للناظر أن النار تشب من شرفة إلى شرفة لاختفائهم وراء الأضواء ويرفع الأطفال أصواتهم قائلين : (يارب يارب) بصوت واحد فيتقدم القاضي فيصلي بالناس صلاة العشاء قارئاً سورة القدر ويكون باقي الأئمة قد ختموا القرآن في الليلة السابقة وتقام الصلاة خلف إمام واحد ثم يدعو بهم دعاء ختم القرآن ثم يخطب فيهم خطبة يذكرهم فيها بأهمية ليلة القدر ثم يختم خطبته بالدعاء للخليفة والأمير ويسلم عليهم.

ويحتفلون بليلة التاسع والعشرين من رمضان بإيقاد الشموع والمشاعل ويكثر إشعال الشمع في هذه الليلة ثم يجتمع الأئمة الخمسة يتدارسون علوم القرآن ومعهم الصبية يستمعون إلى هذه المناظرة.

 

وماكان يحدث في مكة كان يحدث في المدينة المنورة وفي الطائف ونلاحظ أن الحجاز يختلف عن باقي أمصار الدولة الإسلامية في احتفالاته واحيائه وقراءة القرآن.

نقلاً عن كتاب بلاد الحجاز منذ بداية عهد الأشراف حتى سقوط الخلافة العباسية في بغداد لد.سليمان عبدالغني مالكي