تاريخ ونشأة الخط العربي ( 1 )

 

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين .. سيدنا محمد واله وصحبه اجمعين ...


يسعدني من هذه البقعة المباركة  من مهبط الوحي قبلة الدنيا مكة المكرمة ان التقي بالإخوة  و الأخوات عشاق الخط العربي  أول وليد للفن الاسلامي لا يدين بالكثير للفنون التي سبقت الإسلام لذلك يعتبر الخط العربي  وبكل فخر درة الفن الاسلامي  ومفخرة لكل مسلم نطق باللغة العربية لغة القران الكريم فقمنا بإعداد مقالات للتطور التاريخي الجمالي للخط العربي منذ نشأته وحتى عصور ازدهاره نقدمها هدية من مكة المكرمة لكل عشاق هذا الفن الجميل    


تعددت أراء المؤرخين و علماء الآثار في نشأة الخط العربي و أصله و اختلفت تلك الآراء اختلافات شتى فمنهم ن رأى إن المولى عز و جل أوقف علم الكتابة على آدم عليه السلام .

ومنهم من يقول أنه تأثر بالكتابة السريانية ومنهم من رأى أن الخط العربي انتقل إلى الحجاز من إقليم الحيرة بالعراق و آخرون رأوا أنه اقتطع من الخط المسند الحميري الذي كان باليمن و آراء أخرى ترى أنه مشتق من الخط النبطي .

و سوف نعرض تلك الآراء ثم نخلص منها إلى رأي محدد تدعمه الأدلة المادية .

فأما الرأي الذي يدّعي أن الله عز وجل أوقف علم الكتابة على آدم عليه السلام فأستند أصحاب هذا الرأي إلى الآية الكريمة , قال الله تعالى " وعلّم آدم الأسماء كلها "

و ذلك يعني أن المقصود بالأسماء في هذه الآية أي المعارف و العلوم بما فها الكتابات و أن آدم عليه السلام كتبها على الطين ولما أصاب الله الأرض بالطوفان سلمت الكتابات و أصاب كل قوم كتابهم .

وقيل أن النبي إدريس عليه السلام هو أول من خط بالقلم و من هنا جاء اسمه " إدريس" من درس .

و قيل أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أبو العرب المستعربة هو أول من تكلم وكتب بالعربية و نقلها بعده أبناؤها و قد انتشر هذا الاعتقاد فترة طويلة و زاد في بداية الدولة العباسية .

وكلنا نجد أن عدد كبير من المؤرخين يرفضون هذا الرأي و أن كلمة  الأسماء في الآية الكريمة السابقة المقصود بها أسماء الأشياء من جبل و شجر و نهر ..و غير ذلك , و على ر أس هؤلاء المؤرخين ابن خلدون الذي ذكر في مقدمته الهيرة أن الخط صناعة  من الصنائع لجأ إليها الناس عند حاجتهم إليها بعد استقرار العمران و تطور حضارة الإنسان .


و أما الرأي الذي يقول أن الخط العربي اشتق من الخط المسند الحميري باليمن إلا أن الكثير من المؤرخين يرون أن هناك اختلافا كبيرا في أشكال الحروف و تراكيب الكلمة بين الكتابة العربية القديمة و صور الخط  المسند الحميري أو حتى فروعه كالثمودي و الصفوي و اللحياني ورأي ثالث  يرى أن الخط العربي انتقل من إقليم الحيرة في شمال الجزيرة العربية  , و أن ثلاثة من ذلك الإقليم وهم " مرامر بن مرة و اسلم بن سدرة و عامر بن جدرة  هم الذين وضعوا هيئ الكتابة العربية فالأول هو الذي وضع صور الحروف و الثاني  وصّل وفصّل أي حدد الحروف  التي توصل بما قبلها  و لا توصل بما بعدها و أن الثالث هو الذي وضع نقاط الإعجام على الحروف , وأنهم قاسوا الحروف الهجائية العربية على الحروف السريانية التي انتقلت إلى إقليم الحيرة من الأنبار بالعراق و أن الحروف العربية وصلت إلى الحجاز عن طريق الاكيدر حاكم دومة الجندل و منه تعلمها سفيان بن عبد شمس و عبد مناف بن زهرة إلا أن الكثير من المؤرخين لا يرون بصحة هذه النظرية و أنا الأسماء المذكورة أي من نصوص حيرية من خطوط الحيرة و الأنبار يمكن مقارنتها مع الكتابة العربية لتأكيد هذا الرأي   . هذا فضلاً عن أن الكتابة العربية لم تعرف النقاط إلا في وقت متأخر في زمن الخليفة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.


و أما الرأي الذي تثبته الأدلة المادية و الشواهد الأثرية ما ذكره المؤرخون عن أن الخط العربي الذي عُرف في الحجاز عن طريق الشام دون غيره و أثبتت المراجع المختلفة أن الخط النبطي في شمال الجزيرة العربية ( الشام ) هو أصل الحرف العربي ، ويؤكد ذلك وجود علاقة في أشكال  الحروف العربية عند مقارنتها بحروف الكتابة النبطية مثل ما هناك علاقة تجارية قوية بين الأنباط و أهل الحجاز من مكة والمدينة و على هذا ذكرت المصادر 

أن الكتابة العربية في إقليم الحجاز  تولدت عن الكتابة النبطية و أن هذه الأخيرة تولدت عن الكتابة الآرامية و هي بدورها تولدت عن الكتابة الفينيقية و هم - الفينيقيون – أول من أخترع  الأبجدية في العالم و من الأبجدية الفينيقية  خرجت أمهات الأبجديات في العالم فخرجت منها اليونانية و الأبجدية الصينية و الأبجدية العبرية و الأبجدية الآرامية . 

ومن الأبجدية الآرامية تفرعت الأبجديات الفارسية و السريانية والفهلوية و النبطية ثم تفرع من الخط النبطي الخط العربي.

و هكذا أخذ العرب خطهم عن الأنباط (2) الأنباط عرب رحلوا من جنوب الجزيرة العربية  إلى شمالها  _ فلسطين و الأردن وقعوا تحت تأثير الثقافة والحضارة الآرامية فجاء حظهم آرامياً وجاءت لغتهم خليطاً من العربية والآرامية وكانوا يسكنون المنطقة الممتدة من سيناء الى شمالي الجزيرة العربية الى حوران ومشارف الشام و كانت لهم حضارة عظيمة عاصمتها البتراء(البطراء) أي الصخرة والواقعة في الأردن

البتراء

وازدهرت حضارة الأنباط بحكم موقعها الجغرافي كطريق لقوافل التجارة فكانت لهم عاصمة أخرى اسمها (سلع) شمال المدينة المنورة في ما يعرف حاليا  بمدائن صالح 

 

و قد أثبتت النقوش التي أكتشفها المؤرخون المستشرقون من بلاد الشام صحة اشتقاق الخط العربي من الخط النبطي فمن أشهر تلك النقوش ( نقش أم الجمال ) و قد كتب في القرن الثالث الميلادي .

ونقش ( النمارة ) و يعود إلى عام 328 م و هو  شاهد قبر امرؤ القيس .

ونقش وجد بمدينة ( حران ) شمال جبل الدروز بسوريا تاريخه 568 م .


المراجع :

[1]  صلاح الدين المنجد . دراسات في تاريخ الخط العربي منذ بدايته إلى نهاية العصر الأموي .بيروت .

[2]  جواد العلي : تاريخ العرب قبل الإسلام . المجمع العلمي لبغداد .2004 .