قارئ الملوك القاضي محمد شرف الحلواني

لم أجد مخرجا في حواري مع رجل أوتي مزمارا من مزامير آل داوود إلا أن أستسلم لتوجيه الحوار نحو دفة المهابة والوقار التي تحيط بشخصية فضيلة الشيخ القاضي محمد شرف الحلواني قارئ القرآن الكريم، أو من يسمونه في العالم الإسلامي بخليفة الشيخ العلامة محمود خليل الحصري ــ رحمه الله. فالرجل الذي اشتهر قاضيا وارتقى في درجات القرآن منزلة وكان له في الخطابة قوس وسهم.


التقيته في الطائف حيث يعمل إماما وخطيبا للجامع الكبير فوجدته يعيش حياة الأخفياء تواضعا وعلما، وصف مايحدث من جرائم متزايدة في الطائف بالأمر المزعج لكل غيور، وحذر من استغلال منابر الجمعة لإثارة الناس والتشهير بالأشخاص. وقال بأن ظروفا قد حالت بينه وإمامة الناس في الحرمين الشريفين، ودافع بكل قوة عن حسن البنا متهما قيادات الإخوان المسلمين الذين جاؤوا بعده بإحداث فتنة الحاكمية في العالم الإسلامي. حوار مغلف بالهدوء لكنه يحمل في طياته رسائل في الصميم، بدأه فضيلته بإضاءات عن رحلته مع القرآن الكريم بقوله:


نشأت فلاحيا في مكة المكرمة التي أمضيت طفولتي فيها في منزل قديم في المسعى أمام باب النبي، حينما كان المسعى سوقا مسقفا بالزنك تكتنفه الدكاكين من جانبيه، وذلك في أواخر الستينيات الهجرية حينما كان الشيخ عبدالظاهر أبو السمح إماما وخطيبا للمسجد الحرام. كان والدي ــ رحمه الله ــ عالما ضليعا في علوم الشريعة واللغة العربية، وحافظا قارئا وخطيبا مفوها ذا صوت جهوري حسن، وقد لاحظ نبوغي في مجال الخطابة فشجعني عليها بأن صنع لي منبرا صغيرا في المنزل لأصعد عليه وأتدرب يوميا، ثم شاءت ظروف والدي أن ينتقل للطائف لتكون لنا مقرا ومنطلقا، فأكرمني الله بحفظ القرآن الكريم على يده ــ رحمه الله ــ


ثم قمت بإمامة الناس في مسجد الشهداء ولم أتجاوز الثالثة عشرة من العمر. حصلت على إجازة السند المتصل من شيخ القراء الشيخ حسن بن إبراهيم الشاعر ــ رحمه الله ــ في المدينة المنورة في عام 1388هـ وتشرفت خلال هذه الفترة بتسجيل القرآن الكريم إذاعيا وتلفزيونيا للتلفزيون السعودي. تأثرت بالشيخ محمود خليل الحصري منذ الصغر لتأثر والدي به ومحبته له وظل يحثني على إتباع نهجه في القراءة لجودة قراءته وإتقانه مع غيره من المشايخ الكبار من أمثال الشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود علي البنا والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ محمد رفعت والشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ محمد الصيفي. ولم أغفل في ذات الوقت الاستفادة من وقتي في الاعتزال لطلب العلم بعيدا عن الأصدقاء حيث يضيع الوقت سدى فأصبح ذلك ديدني إلى اليوم، فأصدقائي هم كل من أسلم عليه ويسلم عليّ، وقد ساعدني ذلك في قراءة الكتب الأدبية ودواوين الشعر مثل ديوان الإمام الشافعي وديوان أبو العتاهية، كما تأثرت بالزخم الثقافي الذي شهدته مصر زمن العمالقة طه حسين والعقاد والمازني وأحمد شوقي وغيرهم واستفدت كثيرا من كتبهم وكتاباتهم، ثم ارتقيت بفضل الله متعلما فن الخطابة سالكا طريق الشيخ أحمد الشرباصي وناهلا من أسلوب الشيخ محمد الغزالي ومستنيرا بأداء الشيخ إسماعيل الدفتار لأجد نفسي صاحب ملكة خاصة في الخطابة أهلتني لأكون عند ثقة ولاة الأمر في هذه البلاد، حيث اختارني السيد حسن محمد كتبي وزير الحج والأوقاف آنذاك إماما وخطيبا للملك فيصل في مسجد قصر الحمراء في جدة حيث كان جلالته يحضر لخطب الجمعة، ثم أصبحت خطيبا للملك خالد في المسجد الكائن في قصره في الخالدية عامي 97 و98، كما تم اختياري لأكون إماما وخطيبا في أحد فنادق الطائف عندما كان أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الصباح وحكومته وأفراد أسرته يقيمون فيه إبان الغزو العراقي للكويت، وما زلت أتذكر كلماته لي قبل أن يعود إلى الكويت بعد تحريرها بقوله: لقد خففت خطبك عنا الكثير من الآلام والمتاعب وساعدتنا على الصبر، وقد تشرفت بعدها بتلبية دعوة سموه في قصر بيان في الكويت حيث كرمني خير تكريم.
• هل كنت تركز على موضوعات معينة في خطبك أمام الملوك؟
ــ إطلاقا، فقد كانت خطبي عامة وتتناول علاج قضايا المجتمع.


• رشحتم فضيلتكم لإمامة الحرمين الشريفين أكثر من مرة، فلماذا لم يتحقق ذلك؟
ــ نعم. رشحني أولا أستاذي سماحة الشيخ عبدالله بن حميد ــ رحمه الله ــ عندما اختارني لأشارك في صلاة التراويح بالمسجد الحرام في عام 1388هـ ولكن حالت ظروف دون مشاركتي، ثم اختارني أيضا الشيخ عبدالعزيز بن صالح ــ رحمه الله ــ والذي كان يحرص على الصلاة ورائي كلما أتى إلى الطائف في الصيف ويتتبعني من مسجد إلى مسجد فعرض عليّ الانتقال إلى المدينة المنورة قاضيا في المحكمة الكبرى وإماما وخطيبا في المسجد النبوي الشريف، ولكن حالت دون ذلك ظروف أخرى ففضلت البقاء في الطائف إماما وخطيبا للجامع الكبير في الطائف.


• أي خطابة تتحدث عنها ياشيخ وقد أصبح الشعور متزايدا بأن الخطب أصبحت بعيدة عن واقع الناس؟
ــ الخطابة فوق المنبر لها نطاق محدود فنحن لا نلجأ إلى السياسة وغيرها وإنما ندعو لوحدة المسلمين والاعتصام بكتاب الله الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتعرض إلى أسماء ولا إلى أشخاص؛ لأن هذا ليس من المبادئ الصحيحة للخطيب الذي ينبغي أن تعالج خطبه المشاكل الدينية والاجتماعية فقط، كما لا ينبغي له إثارة الناس.


• لكن الرسول عليه السلام كان يناقش كل قضايا الأمة من على المنبر؟
ــ الرسول كان رأس الدولة والوحي ينزل عليه فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فكان نزول الوحي عليه توجيها من الله سبحانه وتعالى له إلى ماينبغي وماهو في صالح الإسلام والمسلمين ولم يكن الرسول عليه السلام يتعرض لأشخاص وإنما كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ولا يذكر أسماءهم.


• ترى أن ذلك من التشهير؟
ــ لا يجوز التعرض لأشخاص والتشهير بأسمائهم في الخطب فهذه أمور مخالفة وخطأ شنيع لا ينبغي الوقوع فيه.


• لكننا نرى اليوم أن الصاعدين على المنابر حدثاء سن وخبرة ودراية وقد ينيب بعض الأئمة من يرونه من أصدقائهم وتلامذتهم في خطب الجمعة؟
ــ هذا ليس متبعا لدينا في الوقت الحاضر فهناك إدارة مختصة مسؤولة عن اختيار من ينوب عن الخطيب إذا غاب عن عمله ولا يحق لأي إمام اختيار من يريده إلا بعد إبلاغ الأوقاف.


• لماذا إذن يشعر كثير من الناس بالملل من خطب الجمعة ويسعون دائما للبحث عن خطيب يحب إثارة الجدل وطرق الموضوعات الشائكة؟
ــ الخطب ينبغي أن تكون معتدلة بين الطول والقصر، ومن فقه الرجل طول صلاته وقصر خطبته، وهناك من يخطب ساعة وساعة إلا ربع وحتى نصف ساعة فهذا لا ينبغي.


• كم تطول الخطبة لديك في الجامع الكبير؟
ــ كنت أخطب إلى عشرين دقيقة في السنوات الماضية فأصبحت أخطب خمس عشرة دقيقة ثم إلى عشر دقائق، أما الآن فمن سبع إلى ثمان دقائق للخطبة الأولى وأربع دقائق للخطبة الثانية، وبهذه الطريقة يستفيد الناس ويخرج المصلي وقد هضم الموضوع، أما الكلام الطويل فآخره ينسي أوله فتتبخر الخطبة من ذهن المصلي ويخرج من المسجد بلا فائدة وفي هذا مضيعة لوقته وهذا أمر غير صحيح ينبغي الابتعاد عنه، وقد اتخذت إدارة الأوقاف خطوة طيبة في الفترة الأخيرة بعد انتشار هذه الظاهرة بحثها الأئمة والخطباء على إتباع السنة النبوية، وأن يراعوا أحوال الناس وعدم إرهاقهم بطول الخطبة والامتثال للهدي النبوي رحمة بالمسلمين.


• هناك من يرى أن توحيد خطب الجمعة لمناقشة موضوعات محددة والتركيز عليها شيء إيجابي؟
ــ بشرط أن يترك للخطباء كتابة الخطب بأنفسهم، أما أن تعطى لهم الخطبة مكتوبة ومطبوعة ليقرؤوها فقط فهذه ليست خطبة.


• إذا تحدثنا عن تجربتك مع القرآن فما الذي يجمع بينك وبين الشيخ الحصري ليقال إنك خليفته؟
ــ لأن نبرات صوتي مطابقة له تماما ولا تختلف عنه، والذي يسمعني لا يفرق بيني وبينه وقد كنت أقرأ في إحدى المرات في مسجد نمرة في يوم عرفة، فعندما انتهيت من القراءة جاء مجموعة كبيرة من الحجاج المصريين ليسألوا عن الشيخ الحصري وما عرفوا أنني الشخص الجالس أمامهم.


• لكنك غائب إعلاميا في زمن الفضائيات والإنترنت؟
ــ لي موقع على الإنترنت تتم تغذيته حاليا بنسخة جديدة من تسجيل القرآن كاملا، كما سيتم وضع كل خطبي التي تتجاوز المئات صوتيا ومن ضمنها الخطب التي ألقيتها في وفاة الملك فيصل والملك خالد والملك فهد ــ رحمهم الله جميعا ــ وسيدشن قريبا.


• هل لنا أن نعرف كم مرة تختم القرآن في السنة؟
ـــ نظرا لمشاغلي فإنني أختم حاليا مرة في الشهر أي اثنتي عشرة ختمة في السنة عدا ختمة رمضان.


• وهل ورث هذا الخير منك أحد من أبنائك؟
ــ أتمنى أن يكون جميع أولادي وبناتي حفظة للقرآن وظللت أحثهم وما زلت على ذلك.


• ما رأيك في قراءة القرآن في المناسبات مثلا، أومراسم العزاء كما يفعل بعض القراء في العالم الإسلامي؟
ــ افتتاح المناسبات بالقرآن الكريم جائز وليس فيه حرج، وقد كنت أفتتح كل احتفالات الملك فيصل ــ رحمه الله ــ برؤساء بعثات الحج في الخامس من شهر الحجة، أما قراءة القرآن في مجالس العزاء فبدعة لا تجوز، ولا تجوز قراءة القرآن في المقابر أيضا.


• كيف ترى العلاقة بين قراءة القرآن وفن المقامات الموسيقية التي يتحرج البعض منها؟
ــ لا يجوز أن يتعلم الإنسان المقامات من أجل قراءة القرآن، لكن قد تأتي المقامات عفوية في صوت القارئ وقراءته دون أن يعرف أو يشعر فهذا لا بأس فيه.


• لكن هناك من يقيم صوت الشيخ الحصري مثلا بأنه من مقام كذا؟
ــ الشيخ محمود خليل الحصري لم يكن يعرف المقامات ولا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، إنما الشيخ مصطفى إسماعيل ــ رحمه الله ــ كان عالما ملما بفن المقامات، وليس كل القراء مثل ذلك.


• ما القراءة التي تفضلها حاليا؟
ــ ما أقرأ به الآن على طريقة الشيخ الحصري وأضيف عليها شيئا من قراءة الشيخ محمد المنشاوي والنبرات الحزينة إضافة إلى قراءتي الخاصة.


• ما مدى صحة من يشككون في قدرة الإنسان على حفظ القرآن على كبر؟
ــ الحفظ في سن متقدمة لا يثبت ويكون كثير الأغلاط، والأفضل حفظ القرآن في الصغر، خصوصا إذا وصل الطفل إلى سن المقدرة.


• متى يكون القرآن فتنة لصاحبه؟
ــ إذا كان يحفظ القرآن للشهرة والإعجاب بالنفس والتكسب وجمع حطام الدنيا فهذه آفة وخطر على صاحبها تدفعه للرياء وطلب الدنيا.


• ألا يدخل في ذلك هذه الإصدارات التي تخرج كل يوم لقراء جدد اعتمادا على حلاوة الصوت أكثر من إتقان التجويد والتلاوة؟
ــ القارئ المتقن هو الذي ينبغي أن تكون له أشرطة وجهود في خدمة كتاب الله تعالى لا من أجل التكسب وجمع الأموال والشهرة، وقد ورد التحذير من هذا الأمر في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل.

ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار». فمن يحفظ القرآن ليقال إنه قارئ مشهور يلقى هذا المصير وقانا الله وإياكم من ذلك.


• هل يعتبر هذا حكما تعميميا؟
في القراء الشباب الجيد وفيهم الذي لا يحسن، وليست كل الأصوات جيدة، ومن المؤسف أن أكثر القراء الشباب لا يعرفون الوقف والابتداء والتجويد ولا مخارج الحروف وصفاتها ومع هذا يسجلون المصاحف التي تذاع، ولا بد في هذه المسألة من وجود لجان تنتقي الأصوات والقراءات الجيدة والمتقنة.


• لماذا اكتشفنا مع حادثة الإسكندرية أن لدينا سوء فهم لحقوق النصارى والأقباط وهم الذين قال الله فيهم: «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون»؟
ــ هذا من سماحة الإسلام، فهم أهل وطن واحد في مصر فيجب أن يعيشوا في سلام وأمان دون أن يكون بينهم تحرشات أو احتكاكات أو اعتداءات، وما حدث من تفجير يقف وراءه أعداء الإسلام في الخارج أو فتن طائفية لإشعال الفتنة بينهم.


• هل تخشى من دخول مبدأ التعايش السلمي بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى نفقا مظلما؟
ــ لا بد من التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم ما لم يؤذوا المسلمين وما داموا يلزمون الأدب فهذا أمر ورد كتوجيه في كتاب الله الكريم في قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون».


• ماهي رؤيتك لما يحدث في مصر الآن؟
ــ أعتقد أنه نتيجة طبيعية لغياب لغة الحوار الهادئ والهادف واحتكار الثروة من فئة قليلة على حساب الفئة الكبيرة وهم الشعب، وأعتقد أنها خطوة مباركة من هؤلاء الشباب والدليل ما نشاهده يوميا من خطوات متسارعة لإصلاح ما أفسدته السنوات السابقة وهذا خير كبير للأمة نتمنى أن يتطور ويستمر.


• هل تخشى أن تختطف ثمرة هذه الثورة من قبل الأحزاب المعارضة؟
ــ لا أعلم ولن أسبق الأحداث ولكن هذا شأن داخلي.


• لماذا انطفأت الصحوة الإسلامية التي شهدتها الثمانينيات الميلادية في العالم الإسلامي وحل مكانها التكفير؟
ــ الصحوة الإسلامية مطلوبة وطيبة وينبغي أن تكون شعلتها متقدة دائما والأمة بحاجة لها دائما، أما التكفير فهو منهج هدام وليس من صفات المسلمين.


• كلها تخرج من مصب الحركات والأحزاب الإسلامية ياشيخ؟
ــ بصراحة، الحركات الإسلامية لم تفد الأمة الإسلامية الفائدة المرجوة منها، أما التحزب فليس من الإسلام، والانتماء إلى الأحزاب السياسية أيضا لا ينبغي أن يكون.


• لكي لا تتكرر تجربة الإخوان في صدامها مع الحكام؟
ــ جماعة الإخوان المسلمين لم تكن كما هي عليه الآن فقد كان مبدأها وهدفها ديني بحت، والإمام الشهيد حسن البنا ظل طوال حياته داعية مخلصا لدينه ولم تشغله السلطة أو الوصول إلى الحكم أبدا، أما الانحراف الذي حصل بالاتجاه إلى الحاكمية فهو إحداث تسابق عليه كل من جاؤوا بعده.


• بما أنك أزهري الدراسات العليا، هل تؤيد صحة ما يقال عن الضعف الذي انتاب الأزهر واختطافه سياسيا؟
ــ أنا أخالف هذا الرأي، فالأزهر لم يضعف وما زال قويا بعلمائه المخلصين وغيرتهم الدينية وهم بعيدون عن مثل هذه الأمور.


• بمعنى أن الفترة التي شهد فيها الأزهر صداما مع دار الإفتاء إبان مشيخة الدكتور محمد سيد طنطاوي ــ رحمه الله ــ كانت استثنائية وليست قاعدة للحكم عليها؟
ــ الفتوى لها علاقة بالشخص المفتي في أي مكان يكون فيه وليس لها ارتباط بالمؤسسة التي يعمل بها سواء في دار الإفتاء أومشيخة الأزهر، والدكتور طنطاوي ــ رحمه الله ــ كان خطيبا ومفتيا قبل أن يصبح شيخا للأزهر بدلا من الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ــ رحمه الله.


• على مدى عشرين عاما تدرجتم فيها فضيلتكم من ملازم قضائي إلى قاضي تمييز .. كيف وجدت الطائف التي ترتفع فيها معدلات الجرائم عن غيرها من مدن المملكة؟
ــ الحقيقة أن قضايا الطائف معقدة والناس فيها يحبون أيضا أن يلجأوا إلى القضاء في كل شيء وما يحدث فيها من جرائم تزعج كل غيور، والسبب في ذلك ضعف الوازع الديني وسوء الأخلاق والتهور والاندفاع والغضب وعدم التقيد بتعاليم الدين، وحل المشكلة لا بد أن يكون جماعيا ومن خلال جهود متزامنة تبدأ من الأسرة التي ينبغي أن يكون لها دور كبير ثم التوعية الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمنظورة، إضافة إلى دور المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني.


• هل كان لهذا الواقع المؤلم دوره في تركك القضاء في فترة مبكرة؟
ــ أستطيع أن أقول بعد تجربة 20 عاما في المحكمة أن القضاء ورطة وقد لازمت الشيخ حسن بابصيل ــ رحمه الله ــ والذي كان قاضيا رهيبا بما له من هيبة وعلم وقد تلقيت أسلوبه في القضاء، فقد كان رجلا مرتبا ويخصص وقته من الصباح إلى الظهر للقضايا
والجلسات، ثم يجلس لمعاملات المراجعين بعد الظهر للشرح عليها.


• كيف ترى الأوضاع كمراقب الآن؟
ــ في رأيي أن القضاء يحتاج إلى تجربة وممارسة وخبرة ومعايشة القضايا وليس كل من تخرج من الجامعة يصلح للقضاء، وقد جاءتنا بعد عشرين سنة من العمل في القضاء قضايا جديدة لم تمر علينا من قبل، فالمسألة تحتاج إلى حنكة وتبصر وسعة صدر دون اللجوء إلى الغضب وطرد المراجع والمتقاضي وتهديده أو إخراجه من الجلسة بيد الجندي الواقف استغلالا للقوة فهذا لا يجوز ولا يأتي بنتيجة، والناس الآن نافرون ويتحدثون في مجالسهم عما يحدث في المحاكم.


• هل تعرضت للإغواء من قبل أحد أوالتهديد خلال فترة وجودك كقاض؟
ــ الحمد لله لم أتعرض إلى تهديد من أحد أبدا، وحاشا لله أن يعرض عليّ شيء من أحد خلال عشرين سنة، والذين يدفعون يعرفون من هو الشخص الذي يأخذ ــ والعياذ بالله ــ فيذهبون إليه.

عكاظ 1435/11/15هـ