محاذير موقع محطة القطار في مكة المكرمة وفوائد تغييره
هاتفني أحد الذين ستُنزع ملكيته لصالح محطة القطار الرئيسية في مكة المكرمة، والتي حدد موقعها في حي الرصيفة ما بين الطريق الدائري الثالث وشارع عبد الله عريف، وهو يشكو من كثرة الهدميات في مكة المكرمة، وبأن التعويضات أصبحت لا تكفي لشراء البديل بسبب ارتفاع أسعار العقارات في مكة المكرمة شرفها الله. وتشعب الحديث حول الموضوع فلمع في ذهني تساؤل، وهو على أي أساس يتم اختيار المواقع التي تم نزعها للمصلحة العامة ؟ وهل هناك تنسيق بين الوزارات المعنية، والتي أعطاها النظام الحق في النزع ؟ فعلى سبيل المثال من الملفت للنظر والمثير للتساؤل أن يتم نزع ملكية مئات العقارات في منطقة البيبان لصالح خدمات توسعة المسجد الحرام، وتتحمل ميزانية الدولة مئات الملايين، بينما هناك أرض حكومية بيضاء كافية لنفس الغرض لا تبعد عن المنطقة المنزوعة سوى أمتار، وهي مقابلة لها من جهة الجنوب، وهي أرض القشلة. فلماذا تُنزع ملكيات خاصة مبنية وتُهدر المليارات، مع وجود أرض حكومية بيضاء لا تكلف الدولة ولا ريالا واحدا ؟! إن نزع الملكيات أمر مكلف لخزينة الدولة وحين لا يكون في موضعه، نتيجة لخطأ في تقدير الحاجة، أو في اختيار الموقع المناسب، يُصبح فيه هدر لثروة الوطن وأبنائه . لأننا نحوّل مجموعة من العقارات التي كلف بناءها مئات الملايين وأحياناً المليارات، إلى أكوام من المخلفات، ونحولها إلى قيمة سالبة من خلال تكاليف الهدم والنقل. ولذلك لابد من التدقيق في هذه المسألة بعناية وأن لا تكون قرارات الجهات المعنية سبباً في تبديد ما أنعم الله به علينا من ثروات، بدلاً من إنفاقه وتوجيهه لما ينفع الناس. وبالنسبة لموقع محطة القطار الرئيسية في مكة المكرمة والتي هي موضوعنا، سوف يتم نزع حوالى ثمانمائة عقار، وسيكلف نزعها مليارات الريالات، وسيكون موقعها في وسط أحياء سكنية (الرصيفة-الحمرا-الإسكان-الربوة-الرابية-أم الكتاد-الخالدية) وعلى أهم المداخل لمكة المكرمة، وأكثرها كثافة في حركة المركبات، وأيضاً في مواجهة الطريق الموازي المزمع إقامته قريباً حسبما هو معلن. وفي رأيي أن الموقع سيخلق نقاط اختناق لجميع الأحياء والطرق المحيطة، ويفاقم مشكلة ازدحام الطرق، وقد يؤدي إلى شل الحركة في مواسم الحج ورمضان، نتيجة المزيد من تكثيف الحركة في منطقة واحدة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه من المعروف أن من أدوات تنمية وتطوير المدن، وتحسين مستوى المعيشة فيها، من خلال توزيع الكثافة السكانية على أحيائها، توزيع مثل هذه المشاريع الحيوية على عدة مناطق، وإقامة بعضها في المناطق الحديثة ذات الكثافة السكانية الأقل، لتكون عامل جذب لتخفيف الضغط عن المناطق ذات الكثافة السكانية الأعلى. أما أن تُقام في مناطق مكتظة أو على وشك أن تكون كذلك فهو قرار في غير محله، وقد يكون سبباً في خنق التنمية في المدينة بشكل عام. إذاً لدينا مشكلتان، الأولى هي تكاليف النزع، التي تتمثل في قيمة التعويضات وهي بالمليارات، وفي تحويل عقارات ذات قيمة إيجابية كبيرة حالياً إلى قيمة سلبية. والثانية المتعلقة بالاختناقات التي ستنشأ من إنشاء مشاريع حيوية مثل محطات القطار الرئيسية في وسط أحياء مأهولة بالسكان. ولو تأملنا وأعدنا النظر في موقع المحطة المعتمد حالياً، فإننا سنجد أن نقلها غرباً في اتجاه طريق جدة، وبالتحديد في مخططي الوسيق والبوابة وحيث مسار الخط الدائري الرابع، سوف يعالج المشكلتين، ويسهم في حل المشكلة الثالثة التي تحدثت عنها في مقال الأسبوع الماضي، وطالبت مجلس الاقتصاد الأعلى بالتدخل للعمل على مواجهتها، وهي الارتفاع الكبير لأسعار العقار في مكة المكرمة. هذا مع الإبقاء على المسار الذي قد يكون مخصصاً لوصول القطار للمسجد الحرام، أو لمحطات قطار النقل الخفيف داخل مكة. فنقل موقع المحطة إلى الموقع المقترح سوف يحقق عدة فوائد: الفائدة الأولى: المحافظة على ثروة البلد المتمثلة في قيمة المباني الواقعة في الموقع الحالي. الفائدة الثانية: خفض قيمة التعويضات التي ستدفع مقابل النزع، من جهتين، الأولى عدم وجود أو ندرة المباني في الموقع الجديد واقتصار النزع على قدر مسار القطار، والثانية انخفاض قيمة سعر المتر في الموقع المقترح مقارنة بالموقع الحالي. الفائدة الثالثة: تفادي تكثيف الحركة وخنق الأحياء والطرق المحيطة بالموقع الحالي. الفائدة الرابعة : إحياء المخططات الموجودة غرب مكة، وخدمة خطط التنمية في هذا الاتجاه. الفائدة الخامسة : الربط بشكل أفضل وبانسيابية أكبر بأربع طرق رئيسية، فبالإضافة إلى طريق مكة جدة السريع، طريق مكة جدة القديم، وطريق مكة المدينة، وطريق مكة الجنوب.
وهو ما سيخدم عددا كبيرا من الأحياء والمراكز والقرى والمحافظات غرب وشمال وجنوب مكة المكرمة. الفائدة السادسة: تقليص عدد المركبات التي تدخل مكة في مواسم العمرة والحج، من خلال تشجيع القادمين للمسجد الحرام من خارج مكة على إيقاف مركباتهم في مواقف مخصصة تُبنى ضمن مشروع المحطة، واستخدام القطار والوسائل الأخرى في الوصول إلى المسجد الحرام والعودة منه. ولذلك فإني آمل من الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة ووزارة النقل إعادة النظر في موقع المحطة الحالي، وأخذ المحاذير والفوائد التي تمت الإشارة إليها في الاعتبار، واتخاذ قرار بنقل المحطة إلى الموقع المقترح خدمة لأهداف التنمية الإستراتيجية لمكة المكرمة وما حولها.
المدينة 7/7/1431هـ