كانت مفاجأة سارة لي، أن يتفضل أخي الكريم الشيخ عبد الرحمن مؤمنة بالاتصال بي بعد طول غياب. فلقد أمضيت والأستاذ عبد الرحمن سنوات طويلة في صداقة متصلة، ثم عشت وإياه بمعية والد الجميع الشيخ عمر يوسف عبد ربه -رحمه الله-، ليال جميلة تضاف إليها لقاءات اجتماع الإدارة بمؤسسة عكاظ التي زاملته فيها، حيث كان الأستاذ عبد الرحمن مؤمنة من أبرز أعضاء المجلس في عدة دورات كان رئيس المجلس خلالها معالي الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع -رحمه الله-، كما كان من الأعضاء كل من معالي الشيخ علي بن مسلم ومعالي الفريق الطيب التونسي والأستاذ عبد الله الحصين -رحمهم الله-، بالإضافة إلى الشيخ صالح كامل أمد الله في عمره.
هذه لمحة كان لابد لي أن أذكر بها وأنا بسبيل استعراض الكتاب الذي تفضل الشيخ عبد الرحمن مؤمنة باهدائي إياه وهو بعنوان:
مكة المكرمة
منبع العلم والحضارة
أهلها، حاراتها، أسواقها
وهو من تأليف كل من الأستاذ عبد الله صالح حبابي، والأستاذ الدكتور عبد العزيز رادين، والأستاذ الدكتور حسين فؤاد سندي، والأستاذ فؤاد عبد الحميد عنقاوي، والأستاذة الدكتورة ليلى عبد الغفار فدا، والدكتور المهندس يحيى حمزة كوشك، والأستاذ الدكتور ياسين صالح أندرقيري، والأستاذ محمد علي أشموني.
كتب المقدمة الأستاذ الدكتور السيد محمد بن علي الحبشي وفيها يقول:
إن الجوانب المتصلة بريادة مكة وأوجه خصوصيتها كثيرة متعددة ليس المقام مقام حصرها إيجازا فضلا عن ذكرها تفصيلا. ومن أراد أن يعرف ذلك فهو مثبوت في كتب التاريخ لا تعد ولا تحصى، ولكن في إطار «ما لا يدرك كله لا يترك كله» فإننا سوف نشير بإيجاز شديد إلى نشاطين هما: نشاط مكة في مجال العلم والتعليم وخصوصية ثقافة المجتمع المكي، ونعني بالثقافة هنا معناها الأنثروبولوجي العام.
أما ما يخص الجانب العلمي، فقد أشار الأستاذ الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان – ابن مكة البار بها المحب لها – في محاضرة له ألقاها مؤخرا إلى ما يلي: كانت مكة المكرمة في عهد الخلفاء الراشدين محط أنظار المسلمين ومقصدهم للأخذ عن علماء الصحابة الذين يقطنونها، وكانت الرحلة إليهم من جميع أصقاع البلاد الإسلامية، فمن ثم صدقت عليها بخاصة، وعلى بلاد الحجاز، مقولة هلال بن العلاء الرقى: (شجرة العلم أصلها بالحجاز، ونقل ورقها إلى العراق وخراسان)، ويضيف سيادته: منذ القرن الأول الهجري بدأ الاهتمام في مكة المكرمة بالكتب والمكتبات العامة والخاصة، التي هي عنوان الحضارة الإسلامية وسر تقدمها».
وتوالت رحلات العلماء وطلبة العلم إلى مكة، استقر فيها بعضهم وعاد بعضهم كل إلى دياره ينشر العلم الذي تلقاه في مكة المكرمة، لقد أصبح الحرم المكي كخلية نحل علمية، حتى أن أحد الرحالة عد خمسين حلقة علم في المسجد في وقت واحد، وكان كثير من العلماء ينتظرون دورهم، ونشر علماء مكة ومن زارها وطلب العلم فيها ثم عاد إلى بلده دين الإسلام الوسط السمح الذي لم يعرف تطرفا ولا تعقيدا، وعاش أهل مكة هذا الإسلام فلم يكن من بينهم متطرفا ولا معسرا أو متشددا.
أما عن الجانب الآخر، وهو خصوصية ثقافة المجتمع المكي، فإننا نعني بالثقافة هنا «ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة، والاعتقاد، والفن، والقانون، والأخلاق، والعرف وأية قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بوصفه فردا في المجتمع»، وقد أتينا سابقا على ذكر ما يتصل بالدين، ونختار فيما يلي بعض العناصر الأخرى بإيجاز شديد.
لأهل مكة عادات، وتقاليد وأنماط حياة تراكمت عبر السنين واحتفظ بها المجتمع المكي، وربما عدل في بعضها ونما بعضها، ولكن بقي كل ذلك كخصيصة لهذا المجتمع، يجدها القارىء مبثوثة في كتب لا حصر لها وفي الكتاب الذي بين أيدينا وحسبنا أن نشير هنا إلى حقيقة تلح على ذهننا دائما وتزداد إلحاحا كلما ذكرت مكة.
تحية لمؤلفي الكتاب، وشكرا لسعادة الشيخ عبد الرحمن مؤمنة على تفضله بالإهداء الكريم.

المصدر : جريدة عكاظ - السبت 28 رجب 1431هـ .