الآن .. تذكرتموها؟!
عندما أخذ عدد من أبناء أم القرى «تحويشة» العمر وذهبوا بها إلى جدة وسئلوا عن أسباب هجرانهم لمسقط رأسهم، حتى لامهم شاعر منها قائلا:
«هجروك يا أم القرى ولو انهم
قد أنصفوا الوجدان ما هجروك»!
فإن جوابهم على من يسألهم عن سبب رحيلهم وانتقالهم إلى جدة هو قولهم «إن قرشها رطب».. وهي جملة يمكن وضع عدة تفسيرات لها حسب نية المفسر!، ولم يتراجع أحد من الذين انتقلوا عن قراره، ونجح كثير منهم في بناء نفسه تجاريا واقتصاديا وصناعيا حتى أصبح له اسم ورسم، ولما استيأس الذين عاتبوهم على ترك مسقط رأسهم من إمكانية إعادتهم إلى أم القرى، اكتفوا بدعوتهم إلى المساهمة القوية في مشاريعها الخيرية والاجتماعية والصحية من باب الوفاء لهذه المدينة المقدسة باعتبارهم من أبنائها الفالحين الناجحين ولكن ردة فعل معظمهم لم تكن مناسبة وإن ظل كثير منهم يتغنى باسم مكة المكرمة على طريقة «اعشقيني وكلي رأس بصل»، ولما علم بعض هؤلاء المغادرين إلى عروس البحر أن صعوبات سوف تواجههم عند وفاة عزيز لديهم في مسألة نقل جثمانه إلى أم القرى ليدفن في « المعلاة» وأن الموقف سوف يواجه ذويهم عند محاولتهم نقل جثمانهم بعد وفاتهم وأنه لن يكون أمامهم سوى مقبرة أمهم حواء أو الأسد واللبؤة ــ حسب التعليمات الأخيرة ــ عندما وصل ذلك إلى أسماعهم جن جنونهم وهاجوا وماجوا وتحركوا للدفاع عن حقهم التاريخي والجغرافي في مزاحمة من بقوا من سكان البلد الأمين ولم يغادروه من قبل طلبا للقرش الرطب، مزاحمتهم على مقابر المعلاة التي اكتظت حاليا بالموتى حتى اضطر القائمون عليها إلى جعلها للمتوفين من المواطنين وتحويل غيرهم إلى مقابر الشرائع شرق مكة المكرمة، بل إن أحد عمد أم القرى دعاني لتوجيه رجاء إلى معالي أمين العاصمة المقدسة بالعمل على إنشاء مقبرة جديدة غرب أم القرى قبل البوابة في الأرض المخصصة للحديقة الكبرى التي تبلغ مساحتها عشرين مليون متر مربع، ليكون جزءا منها مقبرة داخل حدود الحرم تساهم في تخفيف زحام الجثامين على مقبرة المعلاة، أما الذين هجروا العاصمة المقدسة من أجل القرش الرطب ودون أن يتذكروها بمساهمة مخلصة ليس من ورائها سعي نحو السمعة والثناء فليس من حقهم مزاحمة سكانها على مقابرها لأنهم لم يتذكروا مسقط رأسهم إلا عندما «بلغت الحلقوم» وحسبهم أن أم القرش الرطب قبورها رطبة أيضا شاء من شاء وأبى من أبى!
عكاظ 9/9/1431هـ