جامعة ام القرى
جامعتي، جامعة أم القرى التي أعتز وأفتخر بتخرجي فيها، هذه الجامعة لم يستقر وضعها بعد تعدد تعيين المديرين عليها، حيث تم تعيين ثلاثة مديرين لها خلال عامين.
هذه الجامعة تستحق الاهتمام؛ لأنها تعبر عن كل المعايير الجامعية ويطمئن لها الجميع.
أسعدني أن هذه الجامعة تحتل الآن مكانة متقدمة في تصنيف أفضل الجامعات في العالم، وهو ما أتمناه بصدق وإخلاص لجامعة أم القرى، والتي تلقيت درجتي الجامعية والماجستير فيها، حيث كنت الأول على دفعتي في البكالوريوس، وكنت أول طالب يحصل على درجة الماجستير في الجغرافيا.
ولقد سعدت حين عين أخي وصديقي الحبيب الدكتور بكري بن معتوق عساس مديرا لها، فهو ابن من أبناء مكة المكرمة، وهو.. «ولد ناس».. كما يقولون عندنا في مكة المكرمة. ويتميز بأنه يملك نخوة وشهامة ونبل وتواضع أهل مكة المكرمة. وأعرف عنه جيدا أنه محب للخير للآخرين. وهو .. «نشمى».
وعندما منحت جامعة أم القرى خادم الحرمين الشريفين الملك الإنسان الصالح عبد الله بن عبدالعزيز، درجة الدكتوراة الفخرية في خدمة الإنسانية، فرحت كثيرا لهذا الإنجاز الأكاديمي الحضاري، والذي خدم ويخدم سمعة الجامعة. لقد قدم خادم الحرمين الشريفين الكثير من عمليات التنمية الإنسانية واقتصاديات الرفاهة ومحاربة الفقر في كثير من دول العالم، فاستحق هذا التكريم من هذه الجامعة العريقة.
ولكي ترتقى جامعة أم القرى لتأتي ضمن قائمة قمة أي تصنيف لأرقى الجامعات في العالم ينبغي أن يكون الإنجاز العلمي والأكاديمي والأدبي وحده هو ما تقدره هذه الجامعة كغيرها من الجامعات. ولا نريد أن يكون قدر جامعة أم القرى أن تعمل كما لو كانت أدوارا ملحقة بجهات أخرى. نتمنى أن تكون مركزا سعوديا علميا موثوقا ومميزا ومتفردا في إنجازاته وأبحاثه العلمية والعملية.
أرى أن تسعى إدارة الجامعة الجديدة لتدبير وعمل لقاءات وتكريم لرجالات مكة المكرمة، خاصة الرواد منهم، مثل المشروع الحضاري الرائع الذي وضعه الدكتور محمد بن علي العقلا عندما كان وكيلا للجامعة أم القرى، ووجد ذلك البرنامج الترحيب والتقدير من أهل مكة المكرمة.
كما نتمنى على أخي الدكتور بكري عساس أن يحاول دعوة شخصيات عالمية، مثل بعض حاملي جائزة نوبل من المسلمين وفي مختلف المجالات للحضور إلى مكة المكرمة
إن تشاؤم العقل لا يقاومه إلا تفاؤل الإرادة، ولعل هذا التفكير يكون وراء الجهد القيم الذي أرجو من الدكتور بكري عساس أن يعتنقه للانطلاق بالجامعة نحو المستقبل. من في الجامعة لم يتغير، ولم يتغيروا في أسلوب تفكيرهم، ولا حتى في نظام علاقاتهم الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية.
نريد أن تكون جامعة أم القرى ذات سمعة عالمية في الإنجاز العلمي المختلف، وتكون أداة قادرة على كشف وسبر خاصيات متميزة ومتمايزة لبنية المجتمع السعودي. لا بد أن تتعامل الجامعة مع الحداثة بوصفها بنية فكرية، وبوصفها سياقا لمفهوم التحديث، وبوصفها وعيا نوعيا يؤدي إلى الرقي والارتقاء.
وهذا يتطلب العمل بجدية تامة نحو تغيير نظامها الأيديولوجي. لأن الجامعة ومنذ تأسيسها تتخذ شكلا أيديولوجيا لم يتغير حتى الآن، بل هو منغرس في الحاجات الأساسية بها. فالطاعة الأيديولوجية هي التي تخضع المناهج وأسلوب التعليم وفكر معظم أعضاء هيئة التدريس، فالطاعة في مثل هذه المؤسسات تولد نظاما يقتل روح المبادرة والموهبة الفردية والجماعية المبدعة.
لا نريد من الدكتور بكري عساس أن يعمل على التغيير والتجديد والتطوير بأسلوب خاشن أشد المخاشنة، ولا لاين أشد الملاينة، وعليه أن يتحمل ويدفع قيمة ضريبة ذلك وفي ظروف عديدة. لأن العنف الإداري يحدث اضمحلالا في بنية العلاقات الاجتماعية بين الإدارة العليا وأعضاء هيئة التدريس. نرغب أن يكون في الجامعة تحول سلمي خالٍ من التحديات والأوجاع.
إن الميزان الجديد الذي أدعو اليه أخي الدكتور بكري يهدف إلى إيجاد التوازن القوي بين المصالح والغايات والأهداف، وإعلاء قيمة الدراسات والأبحاث العلمية وبإيجاد المزيد من الكليات والأقسام العلمية، مثل تطوير كلية الطب وفتح أفرع جديدة لها، وكذلك كلية الهندسة وغيرها من العلوم العصرية، بمنظومة القيم والمفاهيم الحديثة. لا بد لنا من الاستفادة من كل معطيات المؤسسة العلمية الغربية وأخذ منها ما يناسب العقيدة الإسلامية وقيمنا وأخلاقنا. أخي بكري، إن مهمتك شاقة ومزعجة وكبيرة، فتحل بالصبر والحلم والأناة، وقدم عقلك على عاطفتك، وحكمتك على غضبك تكسب وتكسب معك مكة المكرمة وأهلها.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
عكاظ 13/11/1431هـ