هنيئا لحجاج بيت اللـه الحرام بمطوفي جنوب آسيا
حينما اختار الله سبحانه وتعالى مكة المكرمة , لتكون بيته المعظم في الأرض.. اختار أيضاً من يسكنها ومن يعمرها فأختار إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء الذي بدعوته تجبى الأرزاق إلى مكة مدى الدهر حيث قال تعالى : (... وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) ( إبراهيم الآية 37 ). وجعل فيها هاجر المرأة الصابرة الوفية التي سألت زوجها حينما أراد مغادرة مكة وتركها وابنها في ذلك الوادي الأقفر :“ آالله أمرك بذلك؟ قال : نعم , قالت : إذن لن يضيعنا الله ”. وترك فيها إسماعيل الابن البار الذي قال لأبيه :“يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين” (الصافات الأية 102 ). من هذا النسل الطيب جاء محمد بن عبدالله وجاءت رسالته وانبثق الإسلام من ربوع مكة الطاهرة إلى أقاصي الدنيا. وفي هذه البقعة انصهرت السلالات الإنسانية كافة في بوتقة العطاء لتمثل أهالي مكة... هؤلاء الصفوة الإنسانية الذين اشتهروا بكريم الأخلاق ونبل الانطباع ,والشهامة والمروءة والكرم والشجاعة على مر التاريخ ، قبل وبعد الإسلام. ويستطيع المرء أن يرى هذه الصفات تظهر عياناً بياناً وكأنها الشمس في دجى الضحى حتى يومنا هذا، من المطوفين من أهالي مكة الذين ما إن يقترب موسم الحج حتى يهجروا وسائدهم وفرشهم ويشمروا عن سواعدهم الفتية وينخرطوا في ميدان العرق والجد والكفاح لخدمة ضيوف الرحمن... انه عشق المهنة وطلب رضا رب العالمين. فهؤلاء عباده الذين أتوه شعثاً غبراً يباهي بهم ملائكته.. فكيف لا تكون خدمتهم شرفاً ومسؤولية وأمانه؟.
وقد سرني جداً ما رأيته من تسابق في مجال العمل الخيري التطوعي من مطوفي ومطوفات جنوب آسيا من خلال عملي كرئيسة للجنة النسائية التطوعية بمؤسسة جنوب آسيا. فبفضل الله وتوفيقه ثم بفضل الكوكبة المتميزة من المطوفات استطاعت هذه اللجنة تحقيق نجاحات متوالية لفتت الأنظار إليها وبهرت شخصيات متنوعة رصدت حركاتها وأداءها بما تقدمه من أعمال تطوعية لحاجات بيت الله الحرام. من خلال زيارة المتطوعات للمستشفيات وتقديم الهدايا للمنومات من الحاجات وتلمس احتياجاتهن وكذلك تقديم المحاضرات الثقافية والتوعوية والتي ركزت هذا العام على مشروع سمو الأمير خالد الفيصل: (الحج عباده وسلوك حضاري). وكذلك أخذهن في زيارات متنوعة للمشاعر المقدسة ومتحف الحرمين ومصنع كسوة الكعبة وغيرها.. من الأماكن لإطلاعهن على منجزات خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.. فهذه الجهود المباركة من فريق العمل النسائي أينعت بحمد الله ثماراً ناضجة وظلاً ظليلا تفيأت من خلاله ضيفات الرحمن خدمات إنسانية جليلة.
وهذا النجاح أيضاً لم يكن ليأتي لولا الدعم المادي والمعنوي الذي قدمه المطوفون للجنة من مكاتب الخدمة الميدانية بمؤسسة جنوب آسيا منذ عامين. فهذه اللجنة النسائية تطوعية بحته وليس لها أي مورد اقتصادي ولكن التسابق على عمل الخير كان الدافع الذي جعل منابع العطاء تستمر في تدفقها.حيث دعم اللجنة -هذا العام أيضاً - مادياً كل من: مكتب 14 ورئيسه المطوف محمد عبدالعزيز ساعاتي ومكتب (20) ورئيسه المطوف / رضوان مكي شودري / ومكتب ( 42 ) ورئيسه المطوف الشاب المثقف /د. محمد مير عالم الذي يستثمر فكره وعبقريته في تقديم خدمات متميزة لضيوف الرحمن كما يقوم بتلبية طلب اللجنة وإرسال الحاجات في الحافلات لأخذهن في الزيارات الميدانية. وهذا هو العام الثالث الذي يصر سعادته على رعايته للحفل الختامي لأعمال اللجنة النسائية. وهناك مكاتب الخدمة الميدانية التي استقبلت اللجنة في مقارها حيث قدمت الضيافة والهدايا للحاجات من أهل المطوف وأسرته. وهي طقوس ذكرتني بماضٍ جميل.. ماضي الطوافة الفردية ، حيث كان المطوف وأسرته يستقبلون ضيوف الرحمن ويقدمون الضيافة لهم وهاهو التاريخ يعيد نفسه بعبقه وأصالته على أيدي هؤلاء المطوفين وهم مكتب35 المطوف / سمير سقاط ، ومكتب 36 ورئيسه المطوف / أسامة سقاط / وهناك مكاتب أخرى رحبت بالزيارة وفق الخطة التي وضعت وسيتم زيارتها قريبا ان شاء الله وهي مكتب 48 ورئيسه المطوف / خليل محمد ربيع فارسي / ومكتب 25 ورئيسه المطوف / وليد ذاكر إسكندر /. أما مكتب 43 فقد فاجأنا رئيسه المطوف / صالح سعيد محمد حسين / بافتتاح قاعة أطلق عليها اسم “ قاعة فاتن إبراهيم محمد حسين للخدمات الإنسانية”.
وقبل هؤلاء جميعا كان لدعم المؤسسة الأم لأعمال اللجنة وتشجيع رئيسها سعادة الأستاذ / عدنان بن محمد أمين كاتب/ ونائبه سعادة د./ رشاد هاشم محمد حسين/ وأعضاء مجلس الإدارة حافزا قويا لمواصلة العطاء. فكل ذلك يشكل دعما معنويا كبيرا لأعمال اللجنة النسائية وحافزا لمزيد من الإبداع والعطاء لخدمة ضيفات الرحمن.
وهكذا نرى ان هؤلاء هم نماذج من أهالي مكة.. هؤلاء هم المطوفون ؛ صفوة العمل الإنساني الخيري، الذين أتقنوا المهنة واحكموها جودة الأداء فحصدوا جوائز وشهادات عالمية. هؤلاء هم من صقلتهم مهنة الطوافة فكشفت عن معدن نفيس وجوهر أصيل.. هؤلاء هم نسل إبراهيم وإسماعيل، اختارهم الله لخدمة ضيفه.
وإنني اعتذر هنا إن كنت قد أفصحت عما يزعج البعض فإن جلهم ممن ينفقون فلا تعلم شمالهم ما قدمت يمينهم. ولكنني وجدتها فرصة وطريقة أعلنها للملأ لأعبر فيها عن عميق شكري وتقديري وتقدير أخواتي المتطوعات لهم.. على كل ما قدموه وبذلوه ونسال الله ان يجعل ذلك في ميزان حسناتهم. نعم هؤلاء هم مطوفو جنوب أسيا فهنيئا لضيوف الرحمن بهم وهنيئاً للمطوفين بتشرفهم لخدمة حجاج بيته العظيم.
الندوة 22/11/1431هـ