رحم الله صديق الجميع
.. أعترف صراحة أن أول من وضع قدمي في طريق الصحافة هو الأخ الكبير الأستاذ عبد الغني محمد قستي الذي توفاه الله فجر يوم الأربعاء الماضي بعد ما أمضى أسبوعين في المستشفى.
فعلاقتي بالأستاذ عبد الغني تغمده الله برحمته بدأت من الحارة «حارة الشامية في مكة المكرمة» وذلك يوم كان أهل الحارة عبارة عن أسرة واحدة فكان أن انتهزت زيارته ذات يوم لأخي محمد رحمه الله، فأطلعته على محاولة لي في كتابة قصة فتناولها وأجرى عليها تعديلا، ثم وضع لها عنوانا أذكر نصه «أكبر من الخيال»، وقال : تستطيع أن تجيء إلى الجريدة وسأعرفك على الأستاذ عبد الرزاق بليلة رحمه الله، لينشرها في صفحة «دنيا الطلبة» .
وبدأ المشوار بتشجيع من الأستاذ القستي والأستاذ بليلة عليهما رحمة الله، حيث واصلت كتابة بعض الخواطر، والكلمات القصيرة التي كانت تنشر في صفحة «دنيا الطلبة» بجريدة البلاد السعودية والتي تعرفت من خلال زيارتي لمكاتبها على كل من الأستاذ عبد الله عريف، والأستاذ عبد العزيز الرفاعي، والشيخ أبو تراب الظاهري، والأستاذ عبد الرزاق بليلة، والأستاذ عبد العزيز ساب، وذلك بالإضافة إلى زملاء المدرسة والذين يأتون لمكاتب الجريدة بالمادة التي تمثل محاولاتهم أذكر منهم ــ مع حفظ الألقاب ــ : محمد عبده يماني، عبد الله الجفري رحمه الله، محمد صالح باخطمة، صديق جستينة، عبد الكريم جمال حريري.
وتمر الأيام .. وتمضي الأعوام وتجمعني مكاتب جريدة البلاد بالأستاذ عبد الغني يوم كان يشغل منصب مدير التحرير، وانتقلت إلى جدة بعد سنوات العمل التي قضيتها في مكتب البلاد بمكة المكرمة تحت رئاسة معلمي معالي الأستاذ محمد عمر توفيق، ثم معالي الأستاذ حسين عرب رحمهما الله، وذلك بعد سفر الأستاذ توفيق إلى القاهرة واستقالة الأستاذ عرب من وكالة وزارة الداخلية وقبل أن يتولى منصب وزارة الحج.
وسواء عندما كنت في مكتب البلاد بمكة المكرمة أو بعد الانتقال إلى جدة سكرتيرا للتحرير كنت ألقى من الأستاذ عبد الغني سديد التوجيه والرأي المعين على أداء الأعمال التي كان يكلفني بها رئيس التحرير الأستاذ حسن عبد الحي قزاز .. بل وحتى عندما انتقلت إلى «عكاظ» مديرا للتحرير أو بعد أن توليت رئاسة تحريرها كان الأستاذ عبد الغني كريما في إسداء النصح والتوجيه بما يراه في مصلحة «عكاظ» .
ولقد عاش الأستاذ عبد الغني عليه رحمة الله عمره ولم أعرف أنه اختلف مع أحد أو تخلف عن مساعدة أحد ممن يلوذ به وكان بحق صديق الجميع.
وللأستاذ عبد الغني رحمه الله من الشعر أعذبه وقد أصدر في مستهل حياته وقبل أن تشغله الصحافة لشوشة رأسه، ديوان شعر بعنوان «أحزان قلب» وكان يكتفي بنشر قصائده في الجريدة ثم ينسى أمرها، كما أن له مجموعة من القصائد الفكاهية التي كان يداعب بها شيخنا أبو تراب الظاهري رحمهما الله جميعا.
وللتاريخ فقد كان في مستهل السبعينات هجرية وقبل أن يتفرغ للصحافة يعمل في النهار بأمانة العاصمة يوم كان اسمها «البلدية» وبالليل في جريدة البلاد السعودية يوم كان رئيس تحريرها الأستاذ الكبير عبد الله عريف، ثم لما تولى رئاسة تحريرها الأستاذ حسن عبد الحي قزاز ، ثم الأستاذ محمد حسين زيدان، ثم ثانية مع الأستاذ حسن قزاز وقد غادر الأستاذ زيدان رئاسة التحرير وتحول اسم الجريدة ليصبح «البلاد» ..
وعندما قامت المؤسسات الصحافية وتم انتخاب الأستاذ عبد المجيد شبكشي رئيسا للتحرير حرص على أن يعين الأستاذ القستي بمنصب نائب رئيس التحرير وذلك ثقة منه وتقديرا لكفاءته التي كانت موضع تقدير جميع رؤساء التحرير الذين عمل معهم حتى تقاعده عن العمل تماما..
ولقد سعدت قبل ثلاثة أسابيع من وفاته عندما زاره الأخ طلال قستي وكلمني وإياه هاتفيا على اتفاقهما للاجتماع بالأصدقاء في سهرة يكون ضيف الشرف فيها الأستاذ عبد الغني الذي طمأنني على صحته وأعرب لي عن استعداده لحضور السهرة متى ما تم تحديدها، فإذا بالمرض يدخله المستشفى بعد أيام من تلك المكالمة، ثم يغادر إلى الدار الآخرة سريعا. فلا نملك إلا أن نسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أسرته ومحبيه الصبر وجميل العزاء .. و إنا لله وإنا إليه راجعون.
عكاظ 1/12/1431هـ