الوداع غير الأخير !
لم أكن أعلم، وأنا أعتذر له بسبب سفري عن تلبية دعوة غداء يقيمها على شرف ضيف كريم، أنني أفوت فرصة رؤيته للمرة الأخيرة، ولو علمت لما كان سفري إلا إلى جدة لتلبية دعوته، في تلك المحادثة الهاتفية التي سمعت فيها صوته للمرة الأخيرة، تحدثت معه عن أدب الرسائل بين الأدباء والمثقفين الذي انحسر أمام مد ثورة الاتصالات، التي جعلت كل إنسان على مرمى رسالة جوال مختصرة خالية من ذلك الإبداع، الذي دأب الأدباء والمثقفون على تسطيره في رسائلهم المتبادلة، فوجدته ــ رحمه الله ــ يتحسر على مثل كثيرة وقيم عديدة توارت في حياتنا التي هبت عليها رياح التغيير والتأثير بفضل ثورة الاتصالات والإنترنت!!
قلت له مرة مداعبا: هل تصدق، يا معالي الشيخ، أنني عندما كنت صغيرا وأطالع صورك التي تملأ الصحف وحضورك الذي يملأ الزمان والمكان لم أكن أتخيل أن يأتي يوم تجمعني فيه علاقة شخصية حميمة بك وأتلقى فيه الاتصالات الهاتفية منك، كان ــ رحمه الله ــ يستجمع كل تواضعه الشديد وأدبه الجم ليرد على مثل هذه الملاحظة بتواضع أشد وأدب أكثر عذوبة يكاد يعكس الآية!!
وإذا كان محمد عبده يماني قد ملأ مساحات تلاقيه مع الآخرين بتواضعه وأدبه وتسامحه وطيب معشره، فإنه ملأ فضاء المجتمع حضورا بعمله الدؤوب في مجالات العمل الخيري والأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، حتى أنك تظن أنه لا يضيع دقيقة واحدة من حياته دون أن يستثمرها!!
رحم الله الرجل النبيل محمد عبده يماني، فقد رحل عن الدنيا ولم ترحل عنه، فذكراه العطرة باقية في نفوس محبيه وذاكرة وطنه!!
عكاظ 5/12/1431هـ