الإسكان وبعثات الحج
منذ عام 1410هـ أصبح استئجار مساكن الحجاج في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة من مسؤوليات ومهام بعثات الحج وممثلي الحجاج فقط، وذلك بموجب ضوابط الإسكان المعمول بها حاليا، وأصبح دور مؤسسات الطوافة في مكة المكرمة محصورا في الإشراف على تلك المساكن والتأكد من وجود الخدمات فيها.
وبطبيعة الحال فإن سيطرة هذه الجهات على إسكان الحجاج في المدينتين المقدستين أفرز الكثير من .. السلبيات الخدمية والأمنية والاقتصادية .. التي لاشك أنها مثار بحث ودراسة واهتمام من ولاة الأمر ــ حفظهم الله ورعاهم ــ كما أن هذه الهيمنة من بعثات الحج وممثلي الحجاج على هذا القطاع الحيوي المهم، حمل مؤسسات الطوافة تبعات كبيرة لا تستطيع التخلص منها، بحكم مسؤولياتها في الإشراف ومتابعة الخدمات في تلك المساكن، وفضلا على ذلك فإن الكثيرين من الحجاج يعتقدون أن توفير المساكن هو من صميم مسؤوليات مؤسسات الطوافة فقط.
وكذلك ليس من المعقول والمنطق أن نلقي باللوم والخطأ على مؤسسات الطوافة، نتيجة الأخطاء والملاحظات والسلبيات الناتجة من عمليات إسكان الحجاج فكل الأخطاء الناجمة عن إسكان الحجاج تتحمل مسؤوليتها.. بعثات الحج الرسمية .. المسؤول الحقيقي عن كل عمليات إسكان الحجاج، بعدما صدرت توجيهات من الجهات الحكومية لإسناد عملية إسكان الحجاج لبعثات الحج الرسمية. بهذا تكون مؤسسات الطوافة قد أخلت مسؤوليتها الرسمية والمهنية والمعنوية. وهذا ما تضمنه الباب التاسع من ضوابط إسكان الحجاج والتي صدرت الموافقة السامية الكريمة عليها برقم (568/8) وتاريخ 11/7/1410هـ. حيث نصت المادة السادسة منها على التالي: (لا يجوز لمؤسسات الطوافة أو مكاتبها الفرعية القيام باستئجار منزل بغرض تأجيره على الحجاج أو من يمثلهما).
وكذلك نصت المادة الثامنة من هذه الضوابط على التالي: (لا يجوز لمؤسسات الطوافة أو مكاتبها الفرعية أن تستأثر بأي ربح أو أن تتقاضى نسبة أو عمولات أو أي مقابل تحت أي مسمى من عملية التعاقد على إسكان الحجاج سواء من الحجاج أو من يمثلهم أو من الملاك أو من المؤجرين). ولكن يجوز للبعثات أن تنهب كل ذلك وتحول إلى بلادهم إذ ليس في العالم من يعطى جزءا من دخله القومي لدول أخرى.
فقد تسود وجهات نظر متعارضة في ما يتعلق بالعلاقة بين هذه الظاهرة المزعجة وبين بعض الجهات الحكومية. بل إن بعضها يسعى إلى تأسيس مبررات بخلفياتها لتكون كخط دفاع رسمي يمنح تلك الجهات الهروب من الاعتراف بالسلبيات. لكن الواقع في مثل هذه الظواهر يتطلب فرض الاعتراف بالسلبيات وعدم كتمها أو رميها لجهات أخرى بهدف التخلي عن السلبيات، وقد تجري مناقشة تلك السلبيات بسخونة، ولكن لم تعالج.
فرضت في مرحلة ما إجراءات من قبل الجهات المختصة، تقضي بأن تقوم بعثات الحج الرسمية باستئجار المباني الخاصة بإسكان حجاجهم في الأحياء والمواقع التي يرغبون فيها.
وفعلا نفذ ذلك القرار الذي عانى وظلم منه أهل مكة المكرمة المباركون، وانتشرت معه ظاهرة .. السمسرة .. فأصبح بعض المقيمين ممن لهم علاقات ما ببعض أفراد تلك البعثات، يسيطرون على سوق العقار في مكة المكرمة. وخرجت نسب عالية من الأموال إلى خارج مكة المكرمة بل لخارج بلادنا. وهذا أمر أضعف ويضعف الاقتصاد المكي. فأصبح صاحب العقار الذي يرغب في تأجيره يخصص جزءا من إيجار عقاره لذلك السمسار، وهذه ضربة ثانية في الصميم.
واليوم، وأعني هذه المرحلة أزيلت وانتهت معظم العوامل والأسباب التي أدت إلى خروج ذلك القرار الرسمي. فآن الأوان على الجهات الحكومية المختصة التي لها علاقة بالأمر أن تعيد النظر في هذا القرار والعمل على .. إلغائه .. وخاصة أن أسباب صدوره قد انتهت وهي ليست على أرض الواقع..
وهذا الإلغاء هو حق من حقوق أهل مكة المكرمة المباركين والعقاريين والمستثمرين لأموالهم في العقار المكي. فإن إلغاءه يساعد على بقاء الكثير من الأموال في بلادنا.
واليوم مكة المكرمة فيها عقارات ومبان عالية المستوى والنوعية، ومجهزة بكل مستلزمات الإسكان الخاص بالحجاج. وذلك بعد القرارات والإجراءات المتشددة التي وضعتها لجنة إسكان الحجاج.
فهل تعيد الجهات المختصة دراسة هذا الملف الوطني المهم، وتسعى لسرعة إلغائه إحقاقا للحق. وعودة الحقوق لأصحابها.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض
عكاظ 19/12/1431هـ