رحيل الثبيتي وحق المبدع في حياة كريمة!!
* قبل ما يقرب من عامين اتّصل بي الابن الأستاذ الأديب فهد الشريف؛ ليخبرني بما تعرّض له المبدع محمد الثبيتي من جلطة دماغية، يبدو أنها قدر كثير من المبدعين والمثقفين والمفكرين؛ لارتباطها بالقاتل الصامت -أي ضغط الدم-، ورفعتُ سمّاعة الهاتف لأخبر معالي المثقف والأديب الدكتور عبدالعزيز خوجة -بصفته الشخصية والرسمية معًا- عن وضع شاعرنا الثبيتي، وكانت إجابته إنسانية كالعادة: إنني على استعداد لأنقله إلى جدة على نفقتي الخاصة؛ ليتلقى العلاج في المستشفى السعودي الألماني، وكانت من ثم مبادرة ملكية كريمة لنقله إلى الرياض، التي ظل فيها لأكثر من عام. ولقد عانى أهل الفقيد -رحمه الله- في رغبتهم ليكون تحت الرعاية الخاصة، ولكن استقر به المقام أخيرًا على الأرض التي أبدع من تحت سمائها المظللة بالرحمة والرضوان، وكادت الساحة الثقافية أن تنسى اسم «الثبيتي» كما نسيت من قبل اسم أحمد سالم باعطب، وحمد الحجي، وسليمان سندي، ومن قبل نسيت الساحة العربية أسماء مبدعين كبار من أمثال الشابي، ومحمود أبو الوفا، فهذا الأخير الذي أبدع رائعته التي أنشدها الموسيقار محمد عبدالوهاب “عندما يأتي المساء”، لم يسرْ في جنازته إلاّ عدد محدود من الناس، بل إن عبدالوهاب الذي شدا بكلماته العذبة والرقيقة تعالى عليه عندما ذهب أبو الوفا للسلام عليه، ونفوس المبدعين والأدباء من الرقة بحيث تُخدش من مواقف الجحود والنكران، وضروب الصلف والعجرفة.
* المبدع والمفكر في الغرب يعيش في بحبوحة من العيش. وقد قرأتُ أخيرًًا أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر لا تزال تعيش من الدخل الذي تدرّه عليها مذكراتها التي دوّنتها في جزءين كاملين بعد تركها منصبها السياسي، وتتحوّل بيوت هؤلاء المبدعين في الغرب مثل: شكسبير، وتشارلز ديكنز، وت. س. إليوت، وهمنجواي، وموزارت، إلى متاحف يقصدها الناس من كل أنحاء المعمورة، ونحن لا نتطلع أن تكون منزلة الأديب في البلاد العربية كحالة الأديب والمبدع في بلاد الغرب، فهناك سياق حضاري وفكري واجتماعي مختلف، وهذا السياق هو الذي جعل للمفكر هناك منزلة، وللمبدع قيمة، وللرأي صدى وأثرًا؛ لارتكازه على حرية الكلمة ومصداقيتها. تلك كلمات كان باعثها رحيل المبدع «الثبيتي»، الذي تستحق أسرته رعاية خاصة، فلعلّنا فاعلون شيئًا لها هي جديرة به.. بعد أن فقدت راعيها، الذي أنفق حياته للعطاء والإبداع.
المدينة 14/2/1432هـ