خطبة الجمعة من الحرمين الشريفين
في محكم التنزيل يقول رب العزة والجلال في سورة الجمعة: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون».
وفيما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». ومن الموجبات في صلاة الجمعة سماع الخطبة فلقد روى أبو داود في المراسيل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوم الجمعة، قبل الخطبة، حتى إذا كان يوم والنبي يخطب، وقد صلى الجمعة، فدخل رجل فقال إن دحية بن خليفة قد قدم بتجارة، فانفضوا إليها، ولم يبق معه إلا نفر يسير، ونزل قوله تعالى في سورة الجمعة «وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين»، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة).
ومن هنا تأتي أهمية اختيار موضوع خطبة الجمعة وضرورة الالتزام بخير الكلام، وأفضل الموضوعات التي تهدي إلى الحق وتعالج ما اختلط على الناس من قضايا العصر وأحداثه التي باتت تقض المضاجع، وقد شدني لهذا الموضوع ما حدثني به أخو ثقة لظروف خاصة لم يفصح عنها حالت بينه وبين الذهاب للمسجد لأداء صلاة الجمعة الأخيرة من شهر ربيع الآخر 27/4/1432هـ فاستعاض عن ذلك بالاستماع لخطيب المسجد الحرام الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم الذي تحدث عن الانتقائية وكونها صفة مذمومة وعوارا مشينا إذ هي ــ كما يقول الشيخ الشريم:تفقد المصداقية والتوازن، وحينما يتصف بها شخص ما فكأنما يحكم على نفسه بالسقوط من أعين ذوي الأفهام السليمة، فلن ينجح أو يفلح والد انتقائي، ولا صديق انتقائي، ولا معلم انتقائي، ولا طالب العلم والمفكر والكاتب والناصح والسياسي ومن حاله ملتاثة بالانتقائية فستكشفه الصروف لا محالة؛ لأن من استطير وراء لهب الانتقائية فقد يصدم غداً بنقيض حاله حينما يحتاج إلى ضد انتقائيته الأولى ولات ساعة استطاعة، ولأجل هذا كان مما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم أحد صحابته أن قال له: «ولا تكلم بكلام تعتذر منه غداً». ولرفع الانتقائية عن واقعنا قال الدكتور الشريم: يجب علينا استحضار أمرين مهمين أحدهما توفير المنظور السليم في العرض وثانيهما شمول الرؤية في العرض، حيث حرص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على تأكيد هذين الأمرين في الشاب الذي جاء إليه وطلبه أن يأذن له بالزنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداك، قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، ثم سأله بعد ذلك هل يحبه لابنته ولأخته ولعمته ولخالته، ومن هذه القصة يؤصل موقف النبي صلى الله عليه وسلم في نفوسنا منهجاً في الحكم على الأشياء والتعامل معها وذلك من خلال توفر عنصرين أساسيين وهما عنصر العدل وعنصر العلم؛ لأنه ينبغي علينا في جميع شؤوننا أن نستهدف الهداية لا الإغاضة، والتوجيه لا الإثارة، والنصح لا التعيير، والتبيين للناس لا التنفيس عن المشاعر الذاتية، والغيرة للحق لا الانتصار للنفس، ولا شك أن أثر النفع من أثر القصد وإذا اختل القصد فإنها الانتقائية ما منها بد.
ويقول محدثي الذي نقل إلي ما تحدث به الشيخ الشريم: إن الناس عامة بحاجة لتناول مثل هذه الموضوعات وخاصة من أئمة الحرمين الشريفين لكون الخطبتين تنقلان إلى العالم مباشرة عبر القنوات التلفزيونية. ثم يقترح صديقي قائلا: وما دام أن خطبة مكتوبة سلفاً فحبذا لو قامت الجهات المعنية بأخذ صورة منها من الإمام وترجمتها إلى لغتين أو ثلاث ليتسنى للمصلين الذين هم في غالبيتهم من الوافدين من دول غير عربية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف الإصغاء بفهم لما يتحدث عنه الإمام وذلك عبر سماعات يمكن توفيرها للمصلين عند الأبواب، أو حتى توفيرها في الأسواق، وبهذا تتحقق بالفعل أكبر الفوائد من خطبة الجمعة التي يجب أن تتناول ما ينفع الناس لصلاح دينهم ودنياهم .. والعون من الله.
عكاظ 1432/5/8هـ