مكة المكرمة ونادي الوحدة
شهدت مكة المكرمة يوم الجمعة الماضية 15/4/2011 حدثاً متميزاً كان غائباً عن أراضيها أكثر من أربعين عاماً، ألا وهو عقد مباراة كأس نهائية على أرض ناديها الوحيد، الوحدة. وليس موضوعي هو النصر أو الخسارة ولكن الحالة التي أعادت نادي مكة المكرمة إلى الصدارة بكل ميزاته وسلبياته. إن هذا الحدث فتح الباب مشرعاً للحديث عن الفروقات الكبيرة الكامنة ما بين نادٍ عريق كالوحدة وأندية أكثر حداثة كالهلال وغيرها من أندية كبيرة تتصدر واجهة الكؤوس، من ناحية الدعم المعنوي والمادي. كثيراً ما يقف أهل مكة ويتساءلون عن سبب قبوع ناديهم ذي الأمجاد التليدة في الصفوف الخلفية على الرغم من كونه النادي الرئيسي الوحيد في مكة، أي أنه ليس له منافس حقيقي. وعلى الرغم من كون مكة المكرمة تشكل الرمز الديني الأهم في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من الحراك المجتمعي القائم في مكة ما بين قادمين ومغادرين وحجاج ومعتمرين، وعلى الرغم من العدد السكاني الكبير لأهل مكة الحقيقيين، وعلى الرغم من الإمكانات المادية التي يمثلها أهل مكة المكرمة، وعلى الرغم من أنها كانت مركز الحركة الصحفية والأدبية في بدايات القرن العشرين، فماذا نرى على أرض الواقع؟
على الأرض نجد أن سكان مكة منفرطون في أنحاء المملكة المختلفة، وجلهم في مدينة جدة وقد هجروا مكة وجعلوها مقر عبادة موسمية. ونجد غالبية رؤوس أموال رجال وسيدات أعمالها تستثمر في مشاريع في أنحاء المملكة وجلها أيضاً في جدة التي تعد منافساً كبيراً للعديد من أنشطة مكة المكرمة. ونجد أن إعلامها محصور في صحيفة واحدة وهي الندوة والتي تعد من أضعف الصحف على المستوى الوطني تمويلاً ومادةً على الرغم من أن غالبية الصحف الأخرى تقوم على أيدي العديد من أهالي مكة صحفيين وكتاباً، ولا أستثني نفسي للأسف، ثم نجد نادي الوحدة الذي من المفترض أنه نادٍ اجتماعي رياضي ثقافي يُحصر، كما بقية نوادي المملكة، في بعده الرياضي المحدود.
إنني أرى أن مكة المكرمة تحمل العديد من الميزات التي تنافس بها كبريات العواصم العربية ولن أزايد على أهميتها الدينية، ولكني أرغب في التركيز على تاريخها ودورها الثقافي. فكما ذكر الأستاذ محمد غزالي يماني، عضو شرف نادي الوحدة، فإن المجتمع المكي مجتمع مصغر لكل العالم الإسلامي، في ثقافاته وعاداته وتقاليده، أجناسه وأعراقه، أطعمته ومشروباته، أهازيجه ورقصاته، وعمارته التي تتمثل في منازل مكة ورواشينها ونقوشها. وكان عدد مكة المكرمة لدى دخول الملك عبدالعزيز 12000 نسمة بينما لا يتعدى سكان جدة الثمانية آلاف نسمة. ووفق الأستاذ غزالي يماني، فإن الجاوة كان أول من مارس لعبة كرة القدم قبل عام 1330 ه/1912م في أزقة مكة، ثم أخذت كل حارة تشكل فرقاً للكرة، ومن مجموع عدة حواري ظهر فريق "المختلط" الذي تكون من أبناء سوق الليل، القرارة، الشامية، الشبيكة، الهجلة، حارة الباب، أعلى المسفلة، أجياد، جرول، شعب عامر، الفلق، النقا والراقوبة. وحدث للاسم تغيير آخر عام 1362/1943 إلى "الحزب" لكن نظراً لدلالات التسمية السياسية فقد تم تغييره بعد أقل من أربع سنوات إلى "الوحدة" عام 1366/ 1947. والمقصود به التوحيد بين فرق حواري مكة المكرمة.
وهذا التاريخ الذي يمتد خلف نادي الوحدة توج كذلك بعدد من الانتصارات الكروية التي مر عليها أكثر من أربعين سنة (حصل فيها على كأس الدوري عام 1960 أو 1966 مرة واحدة)، فما هو المطلوب اليوم؟
إن مكة المكرمة بهذا التاريخ الممتد وراءها بحاجة إلى أن تركز قواها المادية والمعنوية في الاستفادة من إمكانياتها التاريخية وميزتها الدينية والثقافية. فنادي مكة الرئيس، الوحدة، بحاجة إلى أن يتصدر الساحة الرياضية والاجتماعية والثقافية لمكة المكرمة، إذ إن النادي الأدبي لمكة المكرمة لا يمكنه القيام بهذه المهمة الثقافية بمفرده. فالوحدة تحتاج لأن تكون وجهة شباب مكة من الجنسين ليجدوا فيه مكاناً لتفريغ طاقاتهم/ن الرياضية والفكرية. كل أندية المملكة من المفترض أنها تلبي احتياجات الجنسين لكنها تقتصر في معظمها على الذكور، وتقصر أيضاً نشاطها الرياضي والثقافي على رياضي محصور في كرة القدم، ونحن بحاجة لتغيير هذه النظرة الضيقة.
المزيد من الإنشاءات تحتاج إليها الكثير من مقرات هذه النوادي ولاسيما الوحدة ليتمكن من تقديم خدماته للنساء كذلك. التنويع في النشاطات الرياضية اليومية مهم جداً والتي تتناسب مع كل الأعمار ابتداء من الأطفال. فهذه هي الطريقة التي يمكن للأندية أن تكون بها كوادرها الرياضية عندما ترعاهم منذ الصغر.
إقامة مسابقات رياضية، فنية، ثقافية، أدبية تتناسب مع الصغار والكبار. إقامة مباريات رياضية تضم سكان مكة أجمع كماراثون الضواحي الجماهيري ومثله سباق دراجات وأشكال المسابقات الحديثة من زلاجات وغيرها لاحتواء الشباب بكافة اهتماماتهم. إقامة مسابقات فنية، تصويرية وتشكيلية يرافقها عقد دورات في هذه الفنون وورش عمل. إقامة مسرحيات دورية بالبدء بتشكيل مسرح خاص بنادي الوحدة يمكنه أن يستضيف مسارح محلية وإقليمية ودولية إسلامية. فتاريخ مكة في هذا الشأن عريق أيضاً وطالما سمعت من والدي عن وحدات المسامرات الأدبية التي كانت تشكل المواهب الخطابية والفنية والأدبية لشباب مكة المكرمة قبل تخرجهم من المدارس وقبل التحاقهم بالبعثات التعليمية.
وهنا لا ينبغي أن يفوتنا الاهتمام واغتنام فرصة الحج في الاستفادة من زوار مكة المكرمة من مثقفي العالم الإسلامي وقادته وفنانيه وأدبائه لزيارة النادي وتقديم شيء من معينهم لتحقيق التواصل المطلوب بين أهالي مكة المكرمة والعالم الإسلامي. فهذا النادي يتوجب عليه أن يعكس هذا الجانب في كل أبعاده ونشاطاته وخططه. بل بالإمكان دعوة الفرق الرياضية من أنحاء العالم الإسلامي للقيام بمباريات صديقة مع نادي الوحدة تتكلل بالعمرة، ويكون هناك اتفاقيات تبادل ثقافي ورياضي من هذا القبيل.
ويمكن تنويع مصادر دخل النادي بعيداً عن تبرعات رجال وسيدات أعمال مكة من خلال العديد من الأنشطة مثل إنشاء سوق تراثي إسلامي ومطاعم تؤجر على مدار العام تمثل أذواق العالم الإسلامي، دورات فنية وثقافية، وتكوين نادٍ رياضي للتمارين اليومية للنساء والرجال، بناء صالة أفراح تؤجر للأفراح ولعقد المؤتمرات.
هذه بعض الأفكار، وغيرها كثير، التي يمكن لنادي الوحدة تبنيها لتتحول الوحدة إلى مركز بناء للمواهب والقدرات فضلاً عن مكان لاستيعاب الطاقات وفتح طاقات الأمل أمامها لتصبح مكة المكرمة أهلاً بأبنائها وبناتها.
جريدة الرياض 1432/5/21هـ