الفقيه أبوسليمان في يوم تكريمه
كان أمس الاثنين موعداً آخر ضمن الاحتفالات المتعددة لتكريم العالم الفقيه والمفكر القدير ورائد البحث العلمي معالي الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان، وإذا كان هذا الرجل قد قامت بتكريمه عدة مؤسسات ثقافية، آخرها كان في مهرجان الجنادرية 26 حيث اختير كشخصية الجنادرية 26 الثقافية وفي نفس اليوم قام ملك البلاد بمنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وإذا كان كما يقال لا عطر بعد عروس، إلا أن تكريم جامعة أم القرى له مذاق خاص ففيها درس ودرَّس وفيها نبغ وذاع صيته بل إن هذا الفقيه الجليل أحد المؤسسين لهذه الجامعة وأكثرهم استنارة وقد كان عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية قبل أن تستحدث جامعة أم القرى التي تسعد اليوم وتشرف بالاحتفاء بأحد رجالها الأوفياء وهي خطوة مباركة تسجل لهذه الجامعة العريقة التي تعد بحق أم الجامعات وفيها انطلق أول صرح للدراسات الجامعية والدراسات العليا في وطننا فضلاً عما تتبوأ من مكانة كبيرة لموقعها في مهبط الوحي ومنبع الرسالة وكعبتها المشرفة التي يتوجه نحوها مئات الملايين من المسلمين من كل أصقاع المعمورة، ومكة المكرمة زادها الله هيبة وتشريفاً تفرح بابنها البار الذي ذاع صيته كسفير مبدع في هذا الشأن الإسلامي في الخارج وتحديداً في لندن بانجلترا وفي جامعة ديوك بجنوب كارولينا بالولايات المتحدة وأيضاً في جامعة هارفارد والجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا وكلية الدراسات العربية الإسلامية بدبي وبجامعة الشيخ زايد بأبوظبي وجامعة الإمارات بالعين.
ويعد أبوسليمان متميزاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وكان من أبرز المرشحين لجائزة مكة للتميز نظراً لأن هذا العالم الجليل ممن يعملون في صمت بعيداً عن الأضواء الإعلامية ونظراً لأن أبحاثه استهدفت خدمة الإسلام والمسلمين ضمن رؤى وأفكار نيرة لاسيما وأنه يؤمن بقوة أن الفقه صناعة وابتكار وإبداع وهو ينصح طلاب العلم بأن لا يقفوا عند المنقولات فقط إذا كان يملك ناصية كفاءة الفقيه والإلمام الواسع بالدراسات اللغوية والبلاغية وجودة أصول الفقه.
ولعل من يتسنى له الاطلاع على بعض المطبوعات التي ألفها هذا العالم الجليل سيقف بنفسه على المكامن التي اختارها لتحقيقاته وأبحاثه ومنها: (عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامية)، (البطاقات البنكية: دراسة فقهية اقتصادية وتحليلية)، (فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة)، (الفكر الأصولي: دراسة تحليلية نقدية)، (كتابة البحث العلمي صياغة جديدة)، (منهج البحث في الفقه الإسلامي.. خصائصه ونقائصه)، (الحرم الشريف الجامع والجامعة)، (مكتبة مكة المكرمة.. المولد النبوي الشريف)، (العلماء والأدباء والوراقون في الحجاز في القرن الرابع عشر)، (باب السلام)، (الأماكن المأثورة في مكة).
ولاشك أن الشخصية التي ستأتي بعد هذا العالم الجليل المستنير ستعاني من التعب والشعور بالتقصير وهو صاحب الريادات العديدة في مجالات مختلفة وجديدة، وقد كنت استمع لحديث أحد طلابه وهو يتحدث عن منهجية أبوسليمان في مقاصد الشريعة الإسلامية وهي من الجوانب التي لم تحظ بعناية كافية في عصرنا الحاضر رغم حرص معالي الشيخ أحمد زكي يماني في استحداث مركز علمي لمقاصد الشريعة الإسلامية قبل بضع سنوات واختير في عضويته نخبة من علماء الفقه كان أستاذنا الجليل أبو سليمان من بينهم.
وبعد.. فأحسب أنه لا يمكن الوفاء بحق عالمنا الجليل من خلال هذه الأسطر ولا حتى الإلمام بشيء مما أسهم به في خدمة العلم.. لكنه مجرد اعتراف بالفضل لهذا العلامة الكبير، الذي يستحق منا جميعاً التنويه والتقدير>
المدينة 1432/6/14هـ