واحدة مليئة بالطين وأخرى بالعجين!؟
كنت خارجا بعد صلاة المغرب بسيارتي من حي الخالدية بمكة المكرمة الذي أسكنه فوجدت دورية تابعة لشرطة العاصمة المقدسة تقف على جانب الشارع في الموقع الذي اعتدت رؤية عدد من الأفارقة فيه يقومون بغسل سيارات زبائنهم من المواطنين والمقيمين، ولاحظت وجود عدد من «الجرادل» جمع جردل وهو الصفيحة المستخدمة لجلب الماء لإتمام عملية الغسل، وقد تركت في الموقع بعد أن هرب أولئك الأفارقة من وجه الدورية واعتلوا الجبل المقابل واختفوا فيه برهة من الزمن فتأملت ما يحصل أمامي وخرجت من تأملي بالانطباعات التالية:
أولا: إن ما حصل ويحصل مرارا وتكرارا أن الدورية سوف تنصرف بعد ساعة أو ساعتين، من وقوفها للقيام بمهام أمنية أخرى لأنه ليس من المعقول أن تترك جميع واجباتها الأكثر أهمية من محاربة للجريمة ومتابعة للقضايا وإنهاء للإجراءات وتقصر عملها على مطاردة غاسلي السيارات، فإذا انصرفت الدورية نزل الأفارقة من الجبل وواصلوا القيام بدورهم التاريخي المشهود وتكون الدورية قد أضاعت ساعات من وقت عملها الأساسي، دون أن يتحقق المطلوب، مع العلم أن أي عاقل راشد لا ينصح الدورية بملاحقة الأفارقة الأشداء عند اعتلائهم الجبال لأن ذلك قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وفي الوقت نفسه فإن أحدا لا يمكنه لوم الشرطة على عدم قدرتها على الاستمرار في موقع الغسل على مدار ساعات الليل والنهار لما ذكر من أسباب بل كان ينبغي أن يقوم بالأمر كله جهات أخرى وبمساندة من الشرطة إن لزم الأمر.
ثانيا: على الرغم من الأضرار المادية والبيئية الناتجة عن غسل السيارات في الشوارع والأزقة «والزنقات» الله يزنق صاحبها!!، فإن هؤلاء الأفارقة الذين تركوا بلا ترحيل أو تسوية أو معالجة من أي نوع، إن لم يكسبوا قوتهم من هذه المهنة فإن البديل قد يكون السرقة التي بدروها تؤدي إلى جرائم أكبر لاسيما في حالة مقاومة الضحايا للسراق فيكون شر غسيل السيارات أهون من شر تحويلهم إلى سراق أو باعة ممنوعات وليس معنى ذلك أن تسمح لهم بالقيام بالعمل غير النظامي أو المسيء للبيئة والمنجزات ولكن بعض الشر أهون من بعض خاصة في حالة عدم النجاح في علاج المشكلة من أساسها مما أدى إلى تزايد أعداد المخالفين والمتخلفين وتوسع دائرة شرهم المستطير مع العلم أن بعض جهات الاختصاص تقابل كل ما يكتب ويقال عن هذه المشكلة بإذن من طين وأخرى من عجين أو بعيون مغمضة أو حتى بلا عيون؟!
عكاظ 1432/8/18هـ