مشكلة مواقف السيارات بمكة المكرمة.. هل لها من حل؟!

كتبت في مقال سابق عن عشوائية المواقف بمكة المكرمة - زادها الله رفعة وتشريفا - والصعوبة البالغة التي يواجهها الزائر لأم القرى في البحث عن مكان آمن لإيقاف سيارته قريبا من الحرم الشريف، حيث يقصد العاصمة المقدسة عشرات الآلاف من السيارات القادمة يوميا من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج العربي، وكثير من الزوار والعمّار من قاصدي البيت العتيق لأداء مناسك العمرة خاصة في شهر رمضان المبارك.

 

ومن خلال أدائي للعمرة في العاشر من شهر رمضان المبارك 1432هـ، لاحظت أن هناك تنظيما جديدا، وهو إيقاف السيارات بعد نقطة تفتيش الشميسي للقادمين من جدة، وحجز السيارات، ونقل المعتمرين عن طريق الباصات أو سيارات الأجرة المتوفرة في ذلك المكان للوصول إلى المسجد الحرام، كما أقيمت مواقع حجز أخرى تماثل نقطة الشميسي حول مكة المكرمة، للقادمين من خارج حدود الحرم من الشرق والغرب والجنوب لحجز السيارات في هذه المواقع، حتى يخف الضغط والزحام عن داخل المنطقة المركزية، والتي هي بطبيعتها مكتظة بأعداد كبيرة من السيارات (المتنقلة داخل مكة)، ولا تتحمل مزيدا من الأعداد الكبيرة للسيارات القادمة من خارج حدود منطقة الحرم.

 

التنظيم الجديد وإن كان فيه نظريا حل مؤقت لتخفيف شدة الزحام عن داخل المنطقة المركزية، إلا إنه عمليا مزعج وفيه مشقة كبيرة على قاصدي البيت العتيق، حيث يوقف الشخص سيارته في منطقة الحجز ليستقل سيارة أخرى توصله للمسجد الحرام، وهذا سهل وميسور للذاهبين، ولكن تكمن المشكلة في العودة من المسجد الحرام بعد أداء العمرة حيث لا تتوافر سيارات النقل الكافية للعودة لمواقف الحجز وإن وجدت تصل أسعارها للمشوار إلى أرقام فلكية (100 ريال) للمشوار لبعد المسافة عن الحرم نفسه، ولا توجد آلية لضبط الأسعار، ولا عدادات لحساب الأجرة، ولا جهة رقابية للحد من الأسعار الباهظة (وكله بالبركة) .

 

ومعضلة أخرى تواجه القادمين من خارج مكة المكرمة (خاصة من دول الجوار)، والراغبين في البقاء لعدة أيام بجوار المسجد الحرام، ومعظمهم يستقلون سياراتهم ( تحمل عوائلهم ومستلزماتهم) التي يحتاجونها فترة بقائهم في فنادق المنطقة المركزية، وبذلك هم يواجهون صعوبة في بقاء سياراتهم في منطقة الحجز البعيدة جدا عن المركزية، وتمثل لهم هذه العملية عائقا كبيرا، مما يضطرهم للشرح للقائمين على المواقف صعوبة الأمر حتى يؤذن لهم بدخول المركزية بسياراتهم.. بعض المعتمرين من القادمين من جدة بدؤوا يسلكون طريق جدة – مكة القديم تفاديا من الوقوع في حجز الشميسي وللوصول إلى داخل المنطقة المركزية دون المرور بنقاط التفتيش.

 

نريد حلولا عملية ولعل منها: إيجاد مواقف للسيارات داخل حدود المنطقة المركزية، وفي دائرة لا يتجاوز نصف قطرها عن 2-3 كيلومترات من الحرم، أو إعادة تأهيل المواقف الحالية (كدي والرصيفة)، فبدلا من أن تكون مساحات ممتدة أفقيا لاستيعاب السيارات، يمكن الاستفادة منها كمواقف متعددة الأدوار، تعمل الأدوار السفلية للسيارات الكبيرة والأدوار العليا للسيارات الصغيرة، وبذلك تستوعب أضعاف أعدادها الحالية. إذن ما المانع من تفعيل هذا النموذج من المواقف والذي يخفف الضغط على المنطقة المركزية ويساعد على امتصاص أعداد كبيرة من السيارات قاصدة المسجد الحرام؟

 

مشكلة المواقف مستعصية وفي كل عام تواجه أم القرى نفس المشكلة، وتبحث عن حلول عملية لحلها، ولمكة سنوات طويلة وهي تعاني من قلة المواقف رغم الجهود المبذولة لإيجاد بدائل لتخفيف شدة الزحام، ولكن مع هذه الأعداد الكبيرة والمتزايدة من الزائرين والحجاج والمعتمرين فإن الأمر يزداد سوءا، ونحن نتساءل: ألا يوجد دراسات بخصوص هذا الموضوع؟ وإذا كان هناك دراسات أو أبحاث عملت بخصوص مواقف السيارات، وطاقاتها الاستيعابية، وحساب الأعداد القادمة والمغادرة لها (خاصة أوقات الذروة) في شهر رمضان المبارك ومواسم الحج والعمرة لكل عام، إذن لماذا لم تطبق هذه الدراسات، أو المحاولة لإيجاد بدائل أخرى مناسبة لحل المشكلة؟ وإذا كانت المشكلة ما زالت قائمة، لما لم توضع لها الحلول المناسبة حتى الآن؟ وما العائق الذي يقف أمام تطبيق هذه الحلول حتى تنتهي المشكلة تماما، أو التخفيف من حدتها التي باتت تؤرق بال الجميع وعلى رأسهم رجال مرور العاصمة المقدسة الذين يبذلون جهودا مضنية في تنظيم حركة السير وتوجيه المركبات وضمان انسيابية الطريق للقادمين حتى الوصول للمواقف؟

 

تحية شكر وتقدير لجميع العاملين في القطاعات الأمنية في داخل وخارج حدود منطقة الحرم، والمضحين بأوقاتهم من أجل راحة ومساعدة قاصدي بيت الله الحرام، والذين يعملون ليل نهار تحت أشعة الشمس ولفحات حر السموم من أجل تسهيل أمور الواصلين للبيت العتيق، ومساعدة الباحثين عن مواقف وأماكن لائقة بسياراتهم حتى يهنؤوا بقضاء وقت ممتع داخل المسجد الحرام في أمن وطمأنينة، بدون مشقة أو تعب. فلهم منّا خالص الدعاء بأن يثيبهم الله على أعمالهم الجليلة في خدمة ضيوف الرحمن وقاصدي البيت العتيق في هذا الشهر المبارك وفي كل الأوقات.

المدينة 1432/9/20هـ