احتفل يوم الجمعة الماضي في مكة المكرمة بوضع خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز حجر الأساس لمشروع أكبر توسعة في تاريخ الحرم المكي الشريف، وهي توسعة، كما نشر في الصحف، تمتد من الجهة الشمالية للمسجد الحرام على شكل هلال لتضم داخلها أجزاء من أحياء مكة القديمة مثل المدعى والشامية والقرارة، وذلك بهدف أن تتسع ساحات المسجد الخارجية لمليوني مصل.

هذه التوسعة الضخمة للحرم الشريف تعد ثالث توسعة في العهد السعودي. كانت التوسعة الأولى في عهد الملك سعود رحمه الله عام 1375هـ وشملت إدخال تعديلات على المسعى، حيث كان المسعى آنذاك منفصلا عن المسجد وطريقا للمارة تقوم فيه الدكاكين وتحيط به المساكن، فشملت التوسعة إزالة المباني والمتاجر منه وبناء طابق علوي فوقه لزيادة استيعابيه. وحدثت التوسعة الثانية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وفيها أضيف جزء جديد ألحق بالمسجد من الجهة الغربية. وها نحن اليوم نتطلع إلى التوسعة الجديدة في عهد خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز، التي تطمح إلى أن تستوعب مليوني مصل.

ضيق الحرم المكي بالمصلين ليس أمرا مرتبطا بالعصر الحديث وحده، فقد ضاق الحرم بالمرتادين منذ القرن الأول للإسلام، ولذلك امتدت مشاريع توسعة المسجد الحرام عبر التاريخ، فكانت أول توسعة للحرم في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم تلتها توسعة ثانية في ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه عام 26هـ. ولما جاء عبدالله بن الزبير عام 65هـ أضاف توسعة أخرى للمسجد، ثم أثناء الخلافة الأموية قام الخليفة الوليد بن عبدالملك عام 91هـ بزيادة سعة استيعاب الحرم. وفي العصر العباسي بدأ الخليفة أبو جعفر المنصور عهده بمشروع توسعة للمسجد الحرام عام 137هـ تبعه في ذلك محمد المهدي الذي زاد كثيرا في مساحة المسجد وعدت توسعته من أعظم التوسعات التي أقيمت في الحرم، واختتمت التوسعات للحرم في العهد العباسي بتوسعة الخليفة المقتدر بالله عام 306هـ ثم بقي المسجد أكثر من ألف عام دون أي توسعة جديدة، إلى أن قامت الدولة السعودية الثالثة حيث استؤنفت مشاريع التوسعة من جديد.

هذه التوسعات التي بدأت منذ القرن الأول للإسلام، تقام من أجل استيعاب التكاثر المطرد في أعداد المسلمين، التي تتنامى بسرعة بالغة وبنسبة كبيرة، وإذا أضفنا إلى ذلك تغير الظروف في هذا العصر حيث بات الوصول إلى المسجد الحرام من أقصى مكان في الأرض امرا ميسورا ومتاحا للكثيرين، أدركنا أن أعداد المصلين ستظل في تنام مستمر والحاجة إلى التوسعة لن تتوقف.

هذه الحقيقة تدفع بنا إلى التساؤل، كيف سينتهي الأمر بالمسجد بعد خمسين عاما، ترى هل سيمتد أفقيا لتتحول مكة كلها إلى مسجد؟ أم أن التوسعات القادمة ستتجه إلى الامتداد العمودي فتزيد أعداد الطوابق في الحرم ليتحول المسجد إلى ناطحة سحاب؟

عكاظ 1432/9/23هـ