خدمة الحاج شرف لنا (1)
منذ أن أمر الله تعالى خليله ببناء البيت وتطهيره للحجاج والزوار كما في قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ). جريدة الندوة - 27 / 11 / 1432هـ .
منذ ذلك الحين وإلى يومنا الحاضر والبيت الحرام مهوى أفئدة المؤمنين، ومكان توحيد رب العالمين، وما الفترات التي عمت فيها الجاهلية أرجاء الأرض حتى كان الشرك في البيت الحرام إلا مدة مؤقتة ليعود التوحيد من جديد ويطهر البيت من رجس الأصنام على يد خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان مولده في مكة ومبعثه منها ثم هاجر إلى المدينة ثم عاد إلى مكة ليطهرها من رجس الأوثان وليعلن التوحيد لله رب العالمين حينما فتح مكة وكسر الأوثان وهو يتلو قول الحق سبحانه : (وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً).
وظلت مكة قرونا يفد إليها الحجاج والعمار والزوار والعلماء وطلاب العلم والصالحون من كل مكان من أرجاء المعمورة، تحيط بهم المخاوف وتحف بهم المكاره، ويكثر الخوف، ويقل الأمن في حقب كثيرة من الزمن مرَّ به البيت الحرام وما يحيط به من بلدان.
ولما سهل الله تعالى للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ فتح الرياض وما جاورها من بلدان نجد،كان الهاجس المسيطر عليه بعد ذلك تأمين السبيل للحجاج، والقضاء على عصابات قطع الطرق الذين يُروعون الآمنين ويسلبون حجاج بيت الله الحرام،وكانت الرغبة ملحة لدى الملك عبد العزيز في التشرف بعمارة بيته وخدمته وحمايته، والقضاء على البدع والخرافات المنتشرة في أرجاء الجزيرة العربية، وخدمة الحجاج والعمّار والزوار ولما كان عام 1343هـ حاصر رحمه الله تعالى بجنوده جدة تمهيدا لضم مكة لمملكته وتحت سلطانه، ثم انسحب منها، ثم بعد الحج تم له ضم مكة إلى سلطانه ثم الحجاز كلها. فأمن السبيل، وقضى على عصابات الطريق، وأقام حكم الله تعالى فيمن تسول له نفسه أذية الحجاج، وصرف همه وجهده، وسخر نفسه ودولته ورجاله لخدمة ضيوف الرحمن، وعمارة المشاعر المقدسة، وتهيئة وتوفير كل ما يساعد على راحة وأمن الحجاج، ولم يكن اهتمامه رحمه الله تعالى منحصرا على توفير الخدمات المحسوسة من مياه للشرب في كل المشاعر المقدسة وطعام ورعاية صحية، ومواصلات وخيام وغيرها فحسب، بل اهتم حتى بالنواحي المعنوية التي تصلح القلوب من تمكين العلماء والمشايخ وطلاب العلم لأداء رسالتهم وتعليم الحجاج مناسكهم وتنبيههم إلى الأخطاء التي قد يقعون فيها، وإفتاء من يحتاج الفتوى منهم.
فكان هذا التكامل المادي والمعنوي خير معين بعد توفيق الله تعالى للحجاج على إكمال حجهم على الوجه المشروع الموافق لأمر الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.