صُنع في مكة
أذكر كما غيري من أبناء جيلي كيف كنا نفرح كثيرًا -ونحن أطفال- بهدايا الحج من مكسرات وقلادة في زنبيل مخيط ونواظير بمناظر الحرمين على بساطتها لأنها ذكري عزيزة من شعيرة غالية، هذه مشاعرنا ونحن أبناء البلد، فكيف بالحاج الذي ينتظره أهله على جناح الشوق له، ولرائحة الأراضي المقدسة التي تتمثل في الهدايا التي يحملها إليهم من تمور ومسابح وغيرها وهدايا الحج عادة متبعة منذ القدم في أنحاء العالم الإسلامي كافة وهى من دواعي البهجة التي يحملها الحاج إلى أهله.
وهنا بيت القصيد في كيف نحول هذا الشغف إلى صناعة اقتصادية محكمة وحقيقة؛ وتأصيلها في البلدين بحيث تحمل شعار صنع في مكة والمدينة، مما يشكِّل بصمة فارقة لدى الحجاج والمعتمرين والزائرين استنادًا إلى قدسية المكان والارتباط الروحي به وانعكاس ذلك على المنجز الحرفي كمًا وكيفًا.
فهذا صوت حلم قوي ونبيل فكيف نحوله إلى صناعة اقتصادية حقيقة ومجدية تقوم على دراسات جادة..؟!
وحري بنا أولًا أن نأخذ في الاعتبار كثيرًا من التقارير الاقتصادية التي تؤكد أن السعودية تفقد سنويًا الكثير من العوائد نتيجة عدم وجود منتج محلي يلبي متطلبات الحج والعمرة.
ولنا أن نتخيل حجم الخسائر في ظل التنامي المستمر والمتوقع في العمرة والتي يمكن أن نستردها تدريجيًا من خلال تأصيل إنتاجي وحرفي عال للمنتجات المطلوبة.. كما يجب أن نذكر لرؤوس الأموال المترددة حقيقة أن القيمة السوقية المتوقعة مرتفعة جدًا نظرًا للحراك الاقتصادي المتصاعد من خلال توافد المعتمرين والزائرين طوال العام.. إضافة لموسم الحج وتمتعهم بقدرة شرائية عالية تشكل في مجموعها عوائد كبيرة تقوم عليها العديد من الصناعات التي تخدم هذه القوى الشرائية المتنامية للحجاج، والاستهلاك الداخلي الذي لا يمكن إغفاله كعامل أساسي في الصناعة القادمة.
وعلينا عدم تسليم العوائد المالية الكبرى لسماسرة للربح السريع ورواده من التجار المعتمدين على البضائع المقلدة قليلة الجودة، مما يعوق الاقتصاد بالتسرب المالي ويشوّه صورة المكان بالغش الذي يكتشف في البضائع الرديئة، خاصة أن هذه البضائع نظرًا لرخص أثمانها تجد رواجًا كبيرًا يتكئ على الثقة وقدسية المكان، الأمر الذي يعد من أكبر المحفزات على وجود صناعة منظمة تتمتع بعناصر الجودة العالية إضافة إلى تعتقها بروح المكان، ويتطلب ذلك إستراتيجية محكمة تقوم على وضع أهداف قصيرة وبعيدة المدى وأساليب تحقيقها ومعرفة المعطيات الموجودة والمتطلبات القائمة ثم تشجيع رؤوس الأموال الوطنية لإيجاد كيانات صناعية راسخة تعنى بمتطلبات الحج والعمرة.
ولعل التدفق البشري وضخامة الإنفاق المتوقع من المعتمرين توصلنا إلى حقيقة أن بين أيدينا عوائد ضخمة قد تتسرب بفعل عوامل عديدة ومتداخلة وعلينا إعادة النظر بقوة وحزم في جدولتها وصياغتها بما يفيد البلد ومواطنيها.. وذلك حديث آخر.
جريدة المدينة - 20 / 12 / 1432هـ .