شيء من ذكريات سويقة

سوق سويقة جوهرة اسواق مكة المكرمة في ذلك الزمان ، هو شارع ضيق كثير الالتواء والمخارج ارضه ترابية نظيفة ترش أرضه بالماء يوميا لمنع الغبار واعطاء رطوبة وبرودة يرتاده من مختلف الأعمار ومختلف الطبقات الاجتماعية لغرض التسوق ، يبدأ العمل من الصباح الباكر وينتهي مع وقت صلاة العشاء حيث يذهب الناس لاداء صلاة العشاء في المسجد الحرام والطواف بالبيت العتيق ثم قفل محلاتهم والذهاب إلى بيوتهم.

يباع في سويقة الأقمشة المختلفة والشيلان والعطور واللؤلؤ والمرجان والمسابح من العقيق واليسر والخواتم والهدايا المختلفة وتبدأ سويقة من قرب نهاية المسعى (المروى) وتنتهى بحارة الشامية وقاعة الشفاء وباب الزيادة وتتواجد فيه الأقمشة الهندية والتركية والشاش والقطنيات والحرائر والأصواف والبخور والمجوهرات المختلفة، دكاكين سويقة تجمع عوائل مكية معروفة ومشهورة ، ومن هنا انطلقت الاسماء التجارية المعروفة مثل مجموعة البوقري ، والالفي، والصبان ، والاشموني ، والفارسي، والدهلوي ، والبشاوري ، والرفه والقزاز ، والتونسي ، وعاشور ، العطار، وشمس ، الشاولي، السندي وعدس، الطيب ، وقطب ، وجستنيه ، زين الدين واسماء كثيرة لا يحضرني ذكرهم الان وكانت بمثابة مول كبير لاسواق الحجاز بلا منازع لأن المتسوقين من الحجاج والمعتمرين ومن جدة والمدينة المنورة والطائف ولم تكن جدة في ذلك الوقت الا ممراً ومعبراً لتجارة مكة المكرمة ، وكان لسويقة ممرات إلى حارة القرارة وحارة الشامية وقاعة الشفاء والمسعى، ويستمر العمل من الصباح الباكر وعندما يحين وقت الغداء تأتي (المطبقية) إلى كل دكان من أهل بيته ويتجمع الكل في الدكان لتناول الغداء مع بعض وعلى سفرة واحدة بدون فوارق اجتماعية وبعدها يأتي وقت تناول الشاي ثم الذهاب لاداء صلاة العصر في المسجد الحرام القريب منهم، وفي الأيام غير موسم رمضان والحج كان هناك أيام تسمى (البصاره) وهي الأيام التي يقل فيها البيع والشراء ويهفهم الشوق إلى الخرجات إلى أطراف مكة المكرة ويجتمعون بطريقة (الباي) أي القطه فيخرجون إلى الشهداء أو وادي فاطمة أو الخرار أو إلى منى لقضاء يوم يمارسون فيه الشعر والألعاب المختلفة ويأكلون الأكلات المشهورة بهم في تلك الأيام مثل المبشور، والسلات والمندى والسليق والثريد والعريكه والمعصوب والهريسه يعودون بعدها أكثر نشاطا ومتعة، كما اذكر أن هناك طريقة تنم عند قمة التعاون كانوا يطبقونها وهي عملية الاستفتاح بمعنى اذا باع أي شيء وحضر إليه شخص اخر ليشترى بعثه إلى جاره كي يشتري منه كي يستفتح هو الآخر، كما أنهم كانوا يسمحون لبعض أن يبني الواحد طابقاً فوق داره اذا كان محتاجا أو من الأهل أو من الأصدقاء والذين لا يجدون سكناً لهم وهي قمة الشهامة . إن نجاح هؤلاء القوم كان وليد الجهد المستمر والعمل المخلص والإرادة القوية والرغبة الأكيدة ولا يفوتني أن أقدم الشكر للكاتب محمد علي بن منصور اشموني حفظه الله الذي رجعت إلى معلوماته في بعض كتبه التي وثقها جزاه الله الف خير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الندوة 1433/5/18هـ