خطب الشيخ السديس
في بعض خطب الجمع بالمسجد الحرام بمكة المكرمة يعتلي فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس منبر المسجد الحرام ليلقي على جموع المصلين ليس في الحرم المكي فقط وإنما لملايين المسلمين المستمعين للإذاعات والمشاهدين للفضائيات من القنوات التلفزيونية.. وفي كل خطبة يعالج شيخنا الجليل الذي عرف بصوته الشجي وتلاوته المتميزة للقرآن الكريم في بعض الصلوات الجهرية بالمسجد الحرام وفي صلوات التراويح والقيام في شهر رمضان.
وخطب الشيخ السديس نفعنا الله بعلمه تزخر بموضوعات سلوكية وإيمانية واجتماعية هي حديث العصر ومجال تناول الناس على اختلاف أفكارهم ومستويات معارفهم وثقافاتهم .. تلك الموضوعات يكتبها شيخنا بلغة قوية تنم عن علم باللغة والفقه مملوءة بالمحسنات البلاغية التي عليها لغتنا الجميلة الزاخرة ببديع اللفظ وجمال الكلمة .
غير أن بعض من يستمع الى تلك الخطب العصماء ومنهم ذو العلم البسيط أو القليل أو الجاهل أو من لا يفقه العربية من أساسها ، لا يدرك معاني الكلمات التي تزخر بها تلك الخطب ، فيما عدا قلة أعتقد أنها لا تتجاوز نسبة مئوية متواضعة تعرف ما تعنيه تلك الكلمات العربية القوية وتدرك الجمال البلاغي وتعرف معناه وهم أولئك الذين يعرفون «الجناس ، والطباق ، والسجع والترصيع والتورية وغيرها من المحسنات البلاغية» أما غيرهم فقد يرهق عقله وهو يتابع كلمات الخطبة ويحاول أن يربط بين بعض ما يفهمه منها وبعض ما يدل عليه سياق المعنى الكامل للخطبة، ومن ذلك على سبيل المثال قول الشيخ السديس وهو يتحدث في آخر خطبة جمعة له عن المسؤولية وأهميتها والأمانة في حملها فيقول في جزء من الخطبة شارحا عظمها «إنها قمة بهية غرتها ، مشرقة طرتها ، هي من نماء الأمم مادة حياتها ومن رقيها مرآة آياتها، وكنه مسمياتها ، دون سنى أنوارها ، إشراق النيرين ، ومقامها الأسنى جاوز الفرقدين ، ولكن وفي ذات الأوان ، ما أفتك مرتها ، وأضرى منتها ، متى وسدها من لا يتحاشى اللوم والعتاب ، ولا يجل من تثريب وعتاب ، تلكم يا رعاكم الله هي المسؤولية ومآلاتها» .
في تلك الفقرة من الخطبة وجدت نفسي مضطرا للعودة إلى «لسان العرب» كي أعرف ستا من كلماتها مثل «طرة» في قوله مشرقة طرتها ، والنيرين ، الفرقدين ، مرتها ، منتها ، وسدها» وقد يكون عدم فهمي لها قصورا في تعليمي وعجزا في معرفتي وتراجعا في ثقافتي ، لكني واحد من ملايين هم على شاكلتي يريدون من علمائنا أن يطبقوا علينا حديثا نبويا يرويه ابن عمر رضي الله عنه قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «أمرنا معشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم» وفي الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال «حدثوا الناس بما يعرفون» ، فنحن في زمن دخلت فيه على لغتنا كلمات هي خليط من العامية والعادية والأعجمية انفصلنا فيها عن لغتنا العربية الأصيلة بفعل ما نقرأه في كتب زماننا وصحفها وما نسمعه ونشاهده على وسائل النقل التي أحاطتنا من كل جانب.
فيا شيخنا الحبيب هلا رفقت بعقولنا ومداركنا وحدثتنا بما نفهم، وأوصلت إلينا من معين علمك ، ما نستعين به على استقامة عقيدتنا وسلوكنا وتعاملنا وعباداتنا بأسلوب سهل غير ممتنع.
عكاظ 22-7-1433هـ