صفحات من تاريخ مكة المكرمة «2ــ2»
في الفصل الأول من المجلد الثاني من كتاب (صفحات من تاريخ مكة المكرمة) الذي صدر عن مركز تاريخ مكة المكرمة يشرح المؤلف وضع الحياة اليومية في مكة المكرمة وهوية سكانها بقوله :
« إن الناظر في شوارع مكة يرى خليطا متنوعا من السكان من كل جنس ولون، فهناك الأتراك ذوو البشرة البيضاء، والنوبيون ذوو البشرة السوداء، بالإضافة إلى العديد من الأجناس الأخرى التي تتدرج ألوانها من البياض إلى السمرة، إن هذا الخليط السكاني يحمل الناظر على الاعتقاد بأن مبدأ (رينان) في تشكيل الأمة، والقاضي بتناسق عناصر السكان ووحدة أصولهم، لا يفسر تجمع هذا الخليط السكاني المتعدد الجنسيات الذي تحدوه الرغبة في العيش سويا.
إن الغالبية العظمى من هؤلاء المكيين، الذين لايزالون ينتمون إلى أصولهم الأولى قد قدموا إلى هذه الديار لرغبتهم في أن يكونوا بجوار بيت الله الحرام، وهذا لا شك يعطي تأثيرا فريدا لاجتماع هذه العناصر الوافدة.
غير أنه بجانب هذا الهدف الديني هناك منافع دنيوية أخرى يلمسها المرء من خلال صيغ الدعاء التي تقال في العادة بمناسبة أداء فريضة الحج، مثل: (حج مبرور، وذنب مغفور، وتجارة لن تبور) فبجانب جوار بيت الله هناك الأغراض التجارية. وإن كثيرا من الأتراك والمصريين والسوريين والبخاريين وسكان آسيا الوسطى بالإضافة إلى الهنود يشتركون معا كفئة واحدة في حرفة التجارة، حيث يقدم هؤلاء إلى مدينتهم المتواضعة الكماليات التي تبهر بوجودها جموع الحجاج والمجاورين، وبالإضافة إلى ذلك فإن صناعة الأدوات البسيطة التي لا تستورد جاهزة من الخارج هي في أيدي نفر من الحرفيين الذين يأتون من مختلف بقاع العالم الإسلامي. وبجانب هؤلاء التجار والحرفيين يفد إلى المدينة المقدسة العديد من المتسولين الذين يفدون في موسم الحج، حيث يجدون بيئة خصبة لمهنتهم أكثر من بلادهم. ومن الجدير بالذكر أن المتسولين من وسط آسيا يفدون برا بوصفهم دراويش ويلبسون ملابس رثة، وتغطي رؤوسهم قبعات تترية مصنوعة من الصوف، ويحمل الواحد منهم في يده عصا بها بعض القطع الحديدية التي تصدر أصواتا تصاحب الأناشيد التي يتغنون بها، أما اليد الأخرى فيمدها لطلب الصدقة، أو يحمل بها وعاء خشبيا، أو غلاف جوزة الهند يستعملها كوعاء لهذا الغرض»..
وفي هذا ما يؤكد توفر المنافع الدنيوية للحاج، التي قال عنها الحق سبحانه وتعالى: ( ليشهدوا منافع لهم).
تحية لمركز تاريخ مكة المكرمة على إصداره هذا المؤلف الذي رصد صورا من الحياة اليومية في مكة المكرمة.
عكاظ 1433/10/7هـ