قاعدة بيانات لأكبر حشد ثقافي

قلت لصاحبي وأنا أشاهد هذا الكم المهول سنويًا من البشر، ومن مختلف أصقاع الأرض، وقد اجتمعوا على صعيد واحد، تلهج ألسنتهم بتلبية واحدة، وتتوجه أفئدتهم لإله واحد، وتتساوى حركات أجسادهم بفعل واحد، ألا يدعو هذا المشهد كل الموتورين من مؤججي الطائفية المذهبية البغيضة إلى التوقف عن سلوك ذلك الطريق الشيطاني المشين؟ ألم يئن الأوان لأن نُحيِّد الدين والمذهب عن مختلف صراعاتنا السياسية؟ على أني وتخفيفًا عن كاهل صاحبي قلت له: كم تتصور أن في هذا الجمع الغفير من العلماء والأدباء والمثقفين على مختلف أنواعهم، الذين لا نعرف عنهم أي شيء؟


نعم إنها الحقيقة المرة، فإذا كان معرض فرانكفورت يعد أكبر معرض دولي للكتاب، فإن الحج إلى بيت الله الحرام يعتبر أكبر تجمُّع دولي للكـُتـَّاب ذكورًا وإناثًا، الذين جاؤوا استجابة لأمر الله وليشهدوا منافع لهم. ولا تقتصر المنفعة على الجوانب الاقتصادية، كما لا تتوقف عند الحدود الدينية، بل تمتد إلى الجوانب الثقافية والعلمية بوجه عام، إذا استفدنا من التقنيات الحديثة العصرية على أحسن وجه.


وحتى أُخفِّف الأمر على صاحبي قلت له: تخيّل بأني حاج من مسلمي ماليزيا، ومُتخصِّص في فن علمي دقيق، طبي أو هندسي أو كيميائي أو في مختلف العلوم الإنسانية، وأرغب بمعرفة ولقاء نظرائي في هذا الفن من مسلمي أوربا مثلا، كيف سيتسنى لي ذلك بشكل عملي؟ بل دعني أقول: إني باحث سعودي، وأرغب بلقاء المهتمين في تخصصي من باحثي وباحثات المشرق أو المغرب، كيف يمكنني أن أعرف من حضر منهم خلال موسم الحج بصورة سلسة وعملية؟ وقس على ذلك الشعراء والأدباء وكتاب الرواية والفنانين التشكيليين وغيرهم، علاوة على المؤرخين واللغويين والجغرافيين ومن إليهم من المهتمين بحقل الثقافة والعلوم إجمالا، كيف سيتسنى لهم لقاء بعضهم البعض خلال موسم الحج بشكل ميسر وبسيط؟


إذًا نحن اليوم في حاجة ماسة إلى تأسيس قاعدة بيانات ثقافية علمية دقيقة يتم تحديثها سنويًا، لمعرفة كم من العلماء والباحثين والمثقفين من مختلف أقطار العالم، قدموا لأداء فريضة الحج في كل سنة، ثم يتم نشر ذلك على موقع إلكتروني مُعد لهذا الأمر، ليتسنى لكل المهتمين الاطلاع على ذلك، وترتيب اللقاء بمن يريد من أولئك الباحثين والباحثات خلال موسم أداء فريضة الحج.. ويمكن أن ينبثق عن ذلك إنشاء مؤسسة معرفية تهتم بتوثيق وتسهيل الربط بين مختلف أولئك في مكان محدد بمدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة حتى يسهل على الباحثين والباحثات اللقاء وتبادل الخبرات الأولية خلال فترة وجودهم في المدينتين إبان موسم الحج وبعد ذلك. فهل إلى ذلك سبيل يا معالي وزير الثقافة؟!

المدينة 1433/12/9هـ