الحج في أصله "افتراش"
كان الأصل في الحج «افتراشاً»، بينما الخيام والفنادق بدعة، بدعة على الأرض، والمخيلة، وكل صراخ ضد الافتراش خواء، بينما محاولة تحقير، أو تكفير «المفترش» لن تُلغي الافتراش كمعتقد لا يجوز الحج بغيره عند البعض، أو كحل وحيد عند أهل الفقر.
يكمن الحل في الاعتراف بحقوق «الافتراش» كفلسفة دينية واقتصادية، واحترامه، وتفريغ حيز من مشعر منى، ومشعر عرفات، وكذلك أودية مكة، لاستضافته، وتقسيم كل حيز إلى مربعات يتولاها أهل مكة وعائلاتها بالسقاية والرفادة، كان الأصل هكذا، «ومن أجل حل كل معوقة، على الأصل دور».
احتلت الخيام مشعر منى، والفنادق كل مكة، وأصبح كلاهما «مفرخة» مليونيرات جدد، فبدلاً من كونهما بابين إلى الجنة أصبحا بابين للثراء، فتكاليف أيام الحج أصبحت رقماً يكفي لتخريج طالب في كلية الطب في بلدان كثيرة.
يقول المفترشون من زاويتهم، نحن في زمن الحج لا نجد دراهم تكفي لاستئجار كرتون فارغ، ولا دورات مياه، لذلك نعود إلى أصل الإنسان القديم، ننام في العراء، ونبول على الطرقات، كلنا يعي «عدم تحضر حالنا، وسلوكنا»، لكن النوم، والإخراج أصل في جسد الإنسان، عدد كبير من حجيج الأمصار البعيدة يعتقد أن أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة سوف يتسابقون على استضافتهم، وإطعامهم، وموانستهم، لا يعون بأن مكة المكرمة استبدلت أهليها منذ عهد طويل.
تسعى وزارة الحج السعودية، وشركاء إدارة الحج، وكذلك الإعلام نحو تجريم «الافتراش»، متناسين أن أرض منى من دون خيام قادرة على استيعاب كل من يكتب الله له في أقداره «يحج فلان ابن فلان في عام كذا»، فمن يعتقد أن أبواب موسم الحج موجودة على الأرض مصاب بوهم كبير، فأبواب موسم الحج معلقة في السماء، يعبر منها الحاج إلى المشاعر المقدسة قبل تجاوزه بوابة الشميسي «١٨ كيلومتراً شمال مكة»، ففرصة حيازة تذكرة دخول المشاعر في أيام الحج ممنوحة من السماء أولاً، وعندما تتحدث السماء، تصمت الأرض.
يصعب تطبيق حل للافتراش، لأنه أصل وليس ظاهرة، فأما أن تتركوا لهم مساحات كافية، وخدمات إنسانية وافية، أو تمنحوهم خياماً بالمجان، عدا ذلك فإن مستقبل الافتراش كملف غير قابل للحل، حتى لو ذهبتم به إلى مجلس الأمم المتحدة بجوار ملف فلسطين، كما أن الأثرياء، وأصحاب المطامع الاقتصادية لا يجدر بهم تولي ملفات الفقراء، وملف الافتراش حتى الآن فقر في الفكر، كبرياء في الغيبة.
ترك أهل مكة الحج لغيرهم، تقاعس الأحفاد عن مجد الأجداد، وأصبح كثير منهم كمن يتاجر ببيع المصاحف، وعندما نقلوها من مربع الشرف إلى مربع التجارة، خطفها منهم تجّار شطّار، فضاع الشرف والتجارة من أيديهم.
يحلو - هنا - التكرار، الحل يكمن في الاعتراف بحقوق الافتراش كفلسفة دينية واقتصادية، احترامه، تفريغ حيز من مشعر منى، ومشعر عرفات، وكذلك أودية مكة المكرمة، واستضافته، وتقسيم كل حيز إلى مربعات يتولاها أهل مكة وعائلاتها بالسقاية والرفادة، كان الأصل هكذا.
* نقلا عن "الحياة" اللندنية