ولد الهدى فالكائنات ضياء

هذا ربيعك يا محمد غردا
فترى الوجود مغنيًا ومرددًا
ما إن أطل على الوجود ضياؤه
حتى أنار العالمين إلى الهدى
وأراد ربك أن يجلي رحمة
في الكون فاختار النبي محمدا
قد زينته شمائل محمودة
فغدا على كل العوالم سيدا
الحمد لله الذي بلغنا شهر ربيع الأول الذي وُلد فيه الهدى، وُلد فيه من أنزل عليه الفرقان ونشر لواء الإسلام وقضى على الشرك وعبادة الأصنام، وعلّم الخلق كيف يعملون لدنياهم الفانية وآخرتهم الباقية، صلى الله وسلم وبارك وأنعم وتفضل على خير خلق الله كلهم سيدنا محمد بن عبدالله الهادي البشير والسراج المنير، هو نور الهدى الذي بلغ من حُسن الخُلق ورجحان العقل وثبات العقيدة، غاية ليس وراءها مطلع لناظر، ولا نهاية لمستزيد، من أثنى عليه رب العزة والجلال فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم)، والسيرة النبوية هي القدوة الحسنة في مناهج الدعاة والمصلحين والمفكرين ولعلها فرصة سانحة ونحن نعيش في الظلال الوارفة لهذه السيرة العطرة المعطرة هذه الأيام أن نتخذها نبراسًا وهاديًا في ظل ما تعانيه الأمة من فرقة وشتات وما تعانيه السيرة من هجوم، فلا بد من اتخاذ هذه السيرة العطرة طوال العام حافزًا لإيقاظ الهمم ونشر القيم المحمدية في التسامح والمحبة والتعامل الإنساني ليس لمجرد الوقوف على الوقائع التاريخية والأحداث على أهميتها بل للتأسي الحقيقي الفعلي بحياته صلى الله عليه وسلم في نفسه وآله وأهل بيته والمسلمين بل والبشرية أجمعين، حياة سادتها المحبة والود والتسامح، ويجب أن نستمد لتعاملاتنا وسلوكياتنا مع بعضنا ومع غير المسلمين من أصول تلك السيرة الثرية الغنية بالتسامح والمحبة والرفق واللين والأخذ بلب الإسلام السمح ولن يصلح لنا حال إلا بما صلح حال سلفنا به.


إن جوانب العظمة المحمدية نبع غني لا ينضب، والزوايا التي ينظر بها إلى هذه السيرة المطهرة لا حصر لها، اللون واحد والطعم مختلف، شتى أنواع الأخبار وصنوف الأحاديث النبوية المرتبطة بهذه السيرة والمسيرة، وكثير من أهل الفضل والعلم والصلاح عرضوا السيرة النبوية المعطرة، كل من الجانب الذي اختاره من جوانبها التي لا تعد ولا تحصى ووسعتهم هذه السيرة جميعًا، وستظل وستبقى منابعها الدفاقة أبدًا منهلًا عذبًا سائغًا للشاربين والواردين من أهل الفكر والبصيرة، وكل الأبواب لها التقدير والإجلال ولعل أكثر ما يدخل به الناس إلى السيرة المطهرة المشرفة باب المحبة، حيث الأنوار المتوهجة تتدفق على قلب المحب مشيعة من غار ثور وغار حراء صباح مساء، فلا يجد في قلبه ذرة لكبر أو لتطرف أو غلو وهل الحب النبوي إلا امتداد للحب الإلهي الذي هو طهر ونور وصفاء ينتشي من نسماته العليلة كل حين ليعود لا يرى إلا الحب ولا ينشر إلا الحب ولا يتعامل إلا بالحب.


وصدق سيدنا حسان بن ثابت وهو يتحدث في حب واعتزاز وتقدير وإكبار عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
خُلقتُ مبرأ من كل عيب
كأنك قد خُلقتَ كما تشاء
وقوله قبل هذا: «أكملْ منكْ لم تلدْ النساء». كل إنسان محب بفطرته مجبول على ذلك فتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها وهل هناك أعظم من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤدية إلى محبة الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه).


وهل هناك أعظم محبة من حب مصدر الهداية وباعث النور والرحمة المهداة والنعمة المسداة والشفيع الأوحد يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، فهلا جعلنا تلك المحبة حقيقة ماثلة بيننا نعمل بها ونعمل لها ونعمل من أجلها.

المدينة 1434/3/16هـ