الشيخان والآثار .. تحوّل محمود وفعل مطلوب
لا أعتقد أن يختلف اثنان على أن زيارة الشيخين عبد الله المطلق و عبد الله بن منيع للمواقع الأثرية بمحافظة العلا تُشكل تحولاً هاماً في موقف المؤسسة الدينية من العناية بالآثار ، و لن يختلف اثنان على ذلك سواء من أصحاب الموقف المؤيد للعناية بالآثار أو أصحاب الموقف المعارض لذلك ..
وهو في النهاية تحوُّل محمود يتماشى مع ما يحثنا عليه القرآن الكريم ومع ما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بوقوفه على مواضع تاريخية كوادي الأزرق وثنية هرشى وتذكره لإخوانه الأنبياء عليهم السلام..
فقد بُحت أصوات وهي تنادي بالعناية بالآثار ، و تُذكّر بأن قرآننا الكريم يحثنا على السير في الأرض والنظر في آثار الأمم السابقة، وبالتدبر في كوْن الله ، ومن التدبر العناية بالآثار بحمايتها و المحافظة عليها ، وبالبحث والتنقيب عنها ، ودراستها و اكتشاف تطور حياة الناس وعموم المخلوقات التي عاشت قبلنا .. الوقوف على الآثار والنظر إليها له أثر في النفوس غير ذاك الذي يُحدثه السماع أو القراءة .. ولذلك أُمرنا بالنظر في آثار السابقين.
ومن تجارب الكثير منا وتجارب البشرعموماً ثبت أن الوقوف على الآثار وسماع قصصها يحرّك النفوس ، ويغذّي فيها أحاسيس متنوعة ، فمنها ما يعزز الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى ، ومنها ما يعطي العظة و العبرة ، و منها ما يزيد العلم والمعرفة والفهم للحياة ..
وحسبما نُشر بهذه الصحيفة يوم الإثنين الماضي يقول الشيخ ابن منيع: إن تلك المواقع والكنوز الأثرية هي في الواقع محط حضارات سابقة وفي الوقت نفسه هي محل عبرة وعظة وزيارتها تعطي الكثير من التأثر وكذلك التعلق وتقوية الإيمان بالله. ثم يقول: رأينا آثاراً جيدة من التنقيب عن القصور ورأينا آثار هذه القصور كما رأينا أساساتها وتفاصيل غرفها والطرق التي هي محل عبور فيما بين ساكنيها فلا شك أنه مجهود مشكور وسيعطي تفسيرًا جيدًا لكتاب الله في قوله سبحانه وتعالى: (.. تتخذون من سهولها قصورًا).
و اعتبر الشيخ المطلق أن جهود الهيئة في المحافظة على هذه الآثار «محافظة على آيات وعِبَرْ»، فإن الله ذكر في كتابه الكريم هذه المواضع وغيرها، وجعلها آية لعباده المؤمنين بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت الأمم قبلهم، وكيف أثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها. وأكد -الشيخ المطلق- أن قراءة التاريخ والآثار تبعث العبرة وتحفظ التاريخ وتخبر الأمة بماضيها العتيق لتنشره وتصححه وتفاخر به.
إن تصريحات الشيخين وفقهما الله وكوْنها جاءت متأخرة ، فهي توجب تحرُّكا سريعا من هيئة السياحة و الآثار لرصد وتوثيق المواقع الأثرية النبوية والإسلامية في عموم مناطق المملكة و بالأخص منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ذات الثراء بمثل هذه الآثار واستصدار الأوامر من أجل تحويلها إلى أوقاف للحيلولة دون العبث بها مستقبلاً ، و العمل كذلك على تسجيلها في منظمة اليونسكو باعتبارها إرثاً إنسانياً يجب الحفاظ عليه كما جرى في الدرعية و الآن في جدة التاريخية..
إن الوقوف على آثار النبوة هو من أعظم ما يقوي الإيمان بالله ورسوله و يزينه في قلوب الناس ، و يزيد حبهم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ويحرّك شوقهم إليه ، وفي رأيي أن الدولة السعودية هي الأولى بحماية ورعاية وإجلال الآثار النبوية ، و هو من أهم وأوجب ما يمكن استخدامه من وسائل الدعوة إلى الله تعالى..
ولذلك فإن هيئة السياحة والآثار مدعوة -وبقوة- إلى المبادرة إلى حماية و تطوير الآثار النبوية والإسلامية ، و إلى توجيه عناية خاصة للآثار في مكة المكرمة والمدينة المنورة التي تأخر وجودها فيهما بالحجم والنوع المطلوب ، و الدعوة موصولة كذلك لجميع الجمعيات والفعاليات الأهلية المهتمة بالآثار و التراث.
و لا يفوتني أيضاً مطالبة أمارة منطقة مكة وهيئة تطويرها وهيئة السياحة والآثار بالتدخل السريع من أجل إزالة التعدي الذي وقع على مجاري عين زبيدة في دقم الوبر بمكة الذي نشرت خبره هذه الصحيفة الأحد الماضي ، وحماية كل مجاري وخرزات ومرافق مشروع عين زبيدة التي تُعد من أقدم الآثار الباقية في مكة المكرمة إذ مضى على بنائها أكثر من ألف و مائتي عام.
و الله ولي التوفيق.
المدينة 1434/4/6