ملاحظات تعويضات الأراضي المكية
عندما برزت أهمية إصلاح «عشوائيات مكة» وشوارعها الضيقة ومخططاتها القديمة، باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت لوضع «خارطة طريق» جديدة تغير معالمها عبر تفكيك الأحياء العشوائية وإعادة تخطيطها وتعميرها وتوسعة الطرق من وإلى الحرم المكي الشريف، إذا، نحن أمام هدف سامٍ.
وضع مكة لا يتناسب مع أعداد زوار «البيت الحرام»، ولا بد من نزع الملكيات لتعديل الأوضاع، لماذا إذا ينتقد البعض لجان تعويضات نزع ملكيات الأراضي؟ في اعتقادي أنه ــ للأسف ــ مع كل المشاريع التي تهدف إلى «المصلحة العامة» برزت سلبيات عدة أرقت ملاك أراضي العاصمة المقدسة التي تعرضت للإزالة لصالح المشاريع العامة، ونذكر منها: أولا: التأخير في الصرف، وهي مشكلة للمالك الذي لا يملك منزلا آخر، ولا يملك أموالا كافية ليشتري مسكنا آخر إذا طلب منه الإخلاء، حتى أن الصرف على دفعات غير مجد أبدا؛ لأن من يتسلم أول دفعة سيرغم على استئجار مقر سكن خاص يستنزف جزءا كبيرا منها، وحين يتسلم الدفعات المتبقية لن يجدها كافية لشراء العقار.ثانيا: تقدير العقار بأقل من قيمته السوقية، فمعظم من تم تقدير أراضيهم غير راضين عن هذه التقديرات غير الواقعية، ومن غير المعقول أن يتم اللجوء في كثير من الحالات لولي الأمر ليتم تعديل التقدير وزيادته، فما هو دور لجان «التقدير» إذا؟ثالثا: الضبابية وعدم وضوح الرؤية، فلا أحد يعلم في غالبية المشاريع التي نسمع عنها الآن تحديدا إذا ما كان منزله أو عقاره سيكون ضمن الحدود المنزوعة لـ«المشروع» أم لا،
وهنا فتح الباب للإشاعة، فيسمع المواطن في مكة المكرمة عن «المشروع»، ولكن لا يعلم أين سيمر تحديدا؟!،رابعا: منح الفرصة للتلاعب من السماسرة، وهؤلاء استغلوا قضية التعويضات، وبدأوا في التلاعب على المواطن البسيط بإعلانات: «نحن قادرون على تخليص تعويضاتك من دون عناء»، كل هذا ولم نسمع بطبيعة الحال عن أي عقاب لهؤلاء الذين يدعون وجود صلات قوية ومقدرة على تسهيل الصرف بنسبة مرتفعة تصل إلى 30 في المئة من قيمة العقار على حساب المواطن.خامسا: عدم وجود مخططات نموذجية تستوعب الخارجين من الأراضي المنزوعة، إذ إنه لا توجد في مكة المكرمة مخططات مكتملة الخدمات يمكن شراؤها بأموال التعويضات إلا عددا قليلا من الأراضي، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.سادسا: إيقاف مشاريع استثمارية، فهناك عدد كبير من المشاريع التي كان ينوي أصحابها إنشاؤها في مكة، توقفت هذه المشاريع منذ سنوات ولم يستطع أصحابها الاستفادة من أراضيهم أو حتى بيعها.سابعا: الارتفاعات الوهمية في أسعار العقار، إذ استغل عدد من تجار العقار الموقف غير الواضح في مكة المكرمة من المشاريع المستقبلية، واستغلوا المواطن أبشع استغلال، بعد علمهم بحاجته لشراء أرض أو عقار بشكل عاجل بعد إخلائه منزله وتسلمه تعويضا قد لا يفي بقيمة عقار في مكان أبعد وأقل قيمة فعلية من عقاره الأول الذي تركه.وختاما، علينا أن نتفق ونؤكد أن «المشاريع» التطويرية ضرورة ملحة في مكة، نظرا إلى طبيعتها ومعاناتها من «العشوائيات» وضعف تخطيطها سابقا، مع تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين. ولكن يبقى أن نأخذ في الاعتبار عددا من الملاحظات التي تجب مراعاتها، لتحقيق مصلحة الأطراف كافة، ولكي لا يتضرر أحد.
عكاظ 1434/4/28هـ