تعزيز الهوية المكية و فكرة بين يدي أمير مكة
يلحظ المتابع لخطط وتصريحات سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة عنايته بإنسان المنطقة وهويتها وبالأخص مكة المكرمة شرفها الله ، فقد جعل الكعبة المشرفة مركزاً للخطة الاستراتيجية للمنطقة وجعل إنسانها في مقدمة اهتمامات الخطة فكانت رسالتها (بناء الإنسان وتنمية المكان) ..
الهوية هي إنسان ومكان وعمران وثقافة وسلوك ، وهي مكوّن يجمع في ثناياه عناصر ملموسة وأخرى غير ملموسة ، ولا شك أن تعزيز الهوية يحتاج إلى تعزيز جميع هذه العناصر ، و قد لمعت في ذهني فكرة حول تعزيز الهوية العمرانية المكية أضعها تحت أنظار سمو الأمير بأمل أن ترى طريقها للتطبيق على يديه وبتوجيهاته و متابعاته لكل مافيه الخير لمكة وأهلها وزوارها ..
فقد اقتضت توسعة المسجد الحرام وما تتطلبه من مرافق -كما هو معروف- نزع ملكية آلاف العقارات في مكة المكرمة فيما اصطلح على تسميته بمشروع الساحات الشمالية ، و قد شمل ذلك معظم الأحياء المحيطة بالمسجد الحرام. وهي أحياء تشكّل نسيجها العمراني والاجتماعي عبر مئات السنين ، وحفلت بحياة وتاريخ و ذكريات أجيال وأجيال ممن جاوروا بيت الله الحرام وممن حجوه و اعتمروه ، وهي بشكلها ومضمونها ومكوناتها ونسيجها الاجتماعي والعمراني تعكس ما يمكن أن نسميه الهوية المكية ..
وقد لفت انتباهي بأن التصاميم التي يتم تداولها عبر مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن مشروع توسعة الملك عبد الله يتضمن ثلاثة عناصر أساسية وهي مبنى التوسعة والساحات والمصاطب. والمصاطب تحتوي على منظومة من المرافق كالطرق و مسارات المشاه و دورات المياه و غيرها ..
و مجموع مشروع التوسعة بعناصره الثلاثة يشكل كتلة بنائية ضخمة جداً ، تحتاج في رأيي لتكون أكثر صداقة وحميمية للانسان إلى مساحات فراغية وإلى التخفيف من عنصر النمطية و التماثلية في التصاميم المعمارية و خصوصاً في كتلة المصاطب ..
وقد خطرت ببالي فكرة - واعتبرها فرصة سانحة- وأنا أتأمل العناصر الثلاثة الأساسية لمشروع التوسعة و كيف يمكن إدخال بعض التعديلات البسيطة على تصاميمه من أجل تعزيز الهوية المكية من خلال إعادة تكوين نسيج عمراني ذي هوية مكية يكون أكثر صداقة للبيئة وللإنسان ، و ذلك بدءًا من الأجزاء المخصصة لمصاطب الخدمات ، و لتتصل في المستقبل بالنسيج العمراني المحيط بها من جهات الشرق والغرب والشمال..
بمعنى إعادة تصميم مصاطب المرافق والخدمات -مع الاحتفاظ بخطوط تنظيمها الدائرية- بحيث تكون أجزاء غير متصلة تفصلها فراغات في شكل طرق و مسارات حركة للمشاة و المركبات و تكون تصاميمها العمرانية مكية الهوية ولكن غير متماثلة ، و تخصيص دور أو أدوار للصلاة بتصميم يسمح بتمددها إلى ما خلفها عبر السنين و العقود القادمة حسب الحاجة..
و عند تأمل الفكرة وجدت أن هناك عدداً من المزايا سوف تتحقق في حال تنفيذها:
أولها : أنها أكثر حميمية وصداقة للإنسان ، إذ أن الكتل البنائية الضخمة تشكل متاهة لروادها و مصدراً لعدم الشعور بالأمان في حال الزحام الشديد أو في حالات الطوارىء لا سمح الله .. والتوهان في المباني الضخمة المتماثلة في تصاميمها معروف ومشاهد ، حتى في المسجد الحرام ، فتماثل البناء و تشابه البوابات الرئيسية يتسببان في توهان عدد كبير من رواده ..
ثانيها : إمكانية تمدد صفوف الصلاة في النسيج العمراني الذي يليها دون الحاجة لهدميات جديدة كل عقد أو عقدين من الزمان ..
ثالثها : تعزيز الهوية العمرانية المكية ..
رابعها : المساهمة في خلخلة الحشود و حركتها ..
خامسها : تمييز مبنى المسجد الحرام عن مباني المرافق التي يدخل ضمن مكوناتها ما لا يتناسب مع قدسية المسجد الحرام مثل دورات المياه ..
هذه الفكرة الأولية بين يديكم يا سمو الأمير وأناعلى يقين أنها لن تتوقف آثارها عند تعزيز الهوية العمرانية و إنما سوف تتجاوزها إلى الهوية الاجتماعية و الثقافية إن حظيت بالعناية والدعم الكريم.
والله من راء القصد
المدينة 1434/7/29هـ