الركب والتواشيح المكية
حديث الذكريات والمناسبات حديث لا يمل فهو عبق الماضي وحنين المستقبل , وقد شدني عنوان خط بالخط العريض لذكريات الشيخ عبد الله فرج الخزرجى في الحلقة الخامسة ليوم الجمعة 6/5/1425هـ بعنوان : ركب المدينة إلى مكة أوله فرح وآخره سرور , فوجدت نفسي قارئا ومتابعا ومدققا ومسجلا لملاحظات عدة على ما ذكره الضيف الكريم في تلكم الحلقة بالذات , علما بانى لم أتسرع بالرد والمداخلة إلا بعد زيادة توثيق من المراجع سواء كانت كتب أم رجال ولإضافة وتوثيق المعلومات على تلكم الحلقة المشار إليها أضعها في نقاط :
1ــ الركب : فالضيف الكريم حفظه الله والذي امتعنا بالكثير من ذكرياته وأحاديثه الشيقة لم يذكر لنا الركب المكي للمدينة المنورة لزيارة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام , لأنه من المعروف لدى عامة الناس حينما يسمعون عن الركب يتبادر لذهنهم ركب الزيارة والتي من اجّل صورها ما كان في شهر رجب ومن قبل في ربيع الأول . وقد عمرت كتب المؤرخين والأدباء بذكر رحلة الركب المكي للمدينة المنورة بدأ من الشيخ محمد على مغربي في كتابه : ( ملامح الحياة الاجتماعية ) والمؤرخ محمد عمر رفيع في كتابه : ( مكة في القرن الرابع عشر الهجري ) . والأديب الأستاذ عبدا لعزيز الرفاعى في مقال له في مجلة المنهل ثم نقلته مجلة الحج في احد أعدادها مؤخرا . والأستاذ حسن عبدا لحى قزاز في كتابه ( أهل الحجاز بعبقهم التاريخي ) . والكاتب الدكتور أنور عشقي في عدة مقالات كتبها في ملحق الأربعاء بجريدة المدينة قبل سنوات . والسيد عباس علوي مالكي الحسنى في كتابه : (هكذا كانوا ) والذي يعتبر بحق من أوسع من كتب عن الركب بصوره ومظاهره وطرقه ومنازله ورجاله ومزهديه و زوامله ورواحله وفنونه وقصائده وتواشيحه ونغماته في حلة قشيبة قل أن تجدها في كثير من الكتب أو المراجع التي تهتم بالتراث والعادات والتقاليد والصور الاجتماعية في بلاد الحرمين .
2ــ النغمات : ذكر ضيفكم الكريم وهو ممن يملكون صوتا شجيا وحنجرة عالية أن أهل مكة اختزلوا في عبارة النغمات التي يستخدمونها ( حمر دسج ) وهى تشمل النغمات ( حراب مايا رصد سيكا جاركا ) . وقد توقفت كثيرا حول ما ذكره الشيخ الخزرجى فسألت أهل الصنعة والإتقان وأهل هذا الفن في مكة المكرمة وعلى رأسهم المنشد الديني المعروف السيد عباس علوي مالكي الحسنى فارشدنى إلى كتابه " هكذا كانوا " فاستقيت هذا التوضيح من كتابه المذكور فله منى خالص الشكر والتقدير : فالتواشيح المكية العربية وتسمى أيضا بالقدود المكية التي هي تسمى بالصهبة تؤدى على وزن وإيقاع ونغم يجمع الأنغام الموجودة السبعة التي هي أساس هذا الفن وهى مجموعة في كلمة ( بحمر دسج ) فالباء : البنجكه , الحاء : حجاز أو الحسيني , والميم : المايا , والراء : الرصد , والدال : الدوكة , والسين : السيكة , والجيم : الجاركة . وهى أسماء فارسية فمثل : الباء : البنج , والجيم : جهار , وهكذا . ولكن هناك أيضا مجموعة ثانية وهى كلمة ( صنع بسحر ) فالصاد : صبا , والنون : نهوند , والعين : عجم , والباء : بيات , والسين : سيكا , والحاء : حجاز , والراء : رصد . وكـــلمــة( بحمر دسج ) جامعة لفروع كثيرة فمثلا : الباء : يخرج منها النغم العربي وهو البيات , والبيات يخرج منه الحسيني والشورى والعزبر وبيات الكرد واللامى والمحيّر النوى . الحاء هنا : يخرج الحجاز ويخرج منه الاصفهان . وهكذا المايا فهي نغم فريد ويسمى في العالم العربي بالركب أو بالهزام . الراء وهو الرصد فتخرج عدة أنغام منه رصد الكردان ومنه رصد القرفة ومنه رصد الاصلى ومنه الجواب أي الحراب وهو نغم في الحجاز . الدال وهو عندنا في الحجاز يسمي الدوكة وهى جواب للحسيني , وعند أهل الفن العربي تسمى دوكاه أي بمعنى متوسط الصوت وهى جيدة لصاحب الصوت القوى . السيكه وهى تحمل عدة أنغام السيكه المستعارة الأوج الركب الهزام . الجاركه وهى فرع من العجم ولكن في الحجاز نغم قائم بذاته .
وهناك الغناء المصمودى وهى يغنى في جميع حارات مكة المكرمة وهو يوزن على أربع نقرات وإذا وسعّت تكون ثمانية ضربات . وهناك الغناء الذكرى وهو غناء يختص به أهل مكة في حارات معدودة مثل حارة النقا والسليمانية وسمى بذلك لأنه موزون على نغمة الذكر لله وأدواره واحدة ولكن سرعة الإيقاع فيه قليل ووزنه ضربتين وفيه أربع فقط وأكثر كلامه من الشعر القديم الذي فيه من توحيد الله ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والوعظ والإرشاد .
3ــ جسيسو مكة المشاهير : قال ضيفكم الكريم(( وفى مكة المكرمة جسيسون مشهورون من بينهم : حسن جاوه وعمر بكّر ( توفى في الثمانين ) وابوخشبة ( وكان مبدعا في البنجكه ) واللبني ( وكان يجيد الصوت المنائرى ) وسراج قاروت وعمر أربعين والزمزمى وزيني بيان الجاوى والكحيلى و رحمهم الله جميعا كانوا يجيدون أنغام البنجكه والحجاز داخل حمر دسج )) . وهنا لنا وقفات وتعليقات خفيفة منها : أن الشيخ عبد الله فرج خلط الاوارق ببعضها فجعل من بعض القرّاء المعرفين بمكة لقراءة القرآن الكريم جسيسا مثل المشايخ سراج قاروت وعمر أربعين وزيني بويان وليس بيان وهو حي يرزق أمد الله في عمره والشيخ الكحيلى رحمهم الله جميعا فهولاء وغيرهم مثل الشيخ جعفر جميل ومحمد نور أبو الخير وجميل ومحمد آشى وصالح تميم والحجازي وعباس مقادمى وزكى داغستاني كانوا يؤدون القراءة على الأنغام المعروفة بجانب أدائهم للقصائد الدينية والمدائح النبوية , ولم نسمع أن أحدا من هولاء كان جسيسا يرفع صوته في الأفراح .
أما الآخرون أمثال الركن والشيخو والكردوس وصالح حلواني وحسن جاوه والسيد عبد الرحمن مؤذن المعروف بالبلاتين والشيخ حسن لبنى والشيخ سعيد ابوخشبة وحمزة الشربجى وغيرهم كثير فهولاء يؤدون المجس بأصوات قوية وحناجر متينة وبعضهم كان مؤذنا في الحرم المكي الشريف كالشيخ عبد الله بصنوى ولكنه لم يكن جسيسا .
وقد غاب عن ضيفنا الكريم ذكر صاحب الصوت الشجي بلبل الحجاز ومنشدها المعروف السيد عباس علوي مالكي الحسنى الذي يعتبر بشهادة أهل الصنعة وأهل الفن الانشادى انه إمامهم وعنده الشيء الكثير والكثير حول النغم والإنشاد وقصص الركب وما كتابه " هكذا كانوا " إلا صورة حقيقية ومشرقة لكل هذه الفنون والقدود والتواشيح المكية .
والشكر كل الشكر للدكتور خالد باطرفى الذي قام مشكورا بتسجيل وإعداد هذه الذكريات الجميلة والتي حملنا الشيخ عبد الله فرج لآفاق الماضي التليد بعبق لازلنا نتمنى عودته بنسائم من الحب والوفاء والتقدير .
1ــ الركب : فالضيف الكريم حفظه الله والذي امتعنا بالكثير من ذكرياته وأحاديثه الشيقة لم يذكر لنا الركب المكي للمدينة المنورة لزيارة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام , لأنه من المعروف لدى عامة الناس حينما يسمعون عن الركب يتبادر لذهنهم ركب الزيارة والتي من اجّل صورها ما كان في شهر رجب ومن قبل في ربيع الأول . وقد عمرت كتب المؤرخين والأدباء بذكر رحلة الركب المكي للمدينة المنورة بدأ من الشيخ محمد على مغربي في كتابه : ( ملامح الحياة الاجتماعية ) والمؤرخ محمد عمر رفيع في كتابه : ( مكة في القرن الرابع عشر الهجري ) . والأديب الأستاذ عبدا لعزيز الرفاعى في مقال له في مجلة المنهل ثم نقلته مجلة الحج في احد أعدادها مؤخرا . والأستاذ حسن عبدا لحى قزاز في كتابه ( أهل الحجاز بعبقهم التاريخي ) . والكاتب الدكتور أنور عشقي في عدة مقالات كتبها في ملحق الأربعاء بجريدة المدينة قبل سنوات . والسيد عباس علوي مالكي الحسنى في كتابه : (هكذا كانوا ) والذي يعتبر بحق من أوسع من كتب عن الركب بصوره ومظاهره وطرقه ومنازله ورجاله ومزهديه و زوامله ورواحله وفنونه وقصائده وتواشيحه ونغماته في حلة قشيبة قل أن تجدها في كثير من الكتب أو المراجع التي تهتم بالتراث والعادات والتقاليد والصور الاجتماعية في بلاد الحرمين .
2ــ النغمات : ذكر ضيفكم الكريم وهو ممن يملكون صوتا شجيا وحنجرة عالية أن أهل مكة اختزلوا في عبارة النغمات التي يستخدمونها ( حمر دسج ) وهى تشمل النغمات ( حراب مايا رصد سيكا جاركا ) . وقد توقفت كثيرا حول ما ذكره الشيخ الخزرجى فسألت أهل الصنعة والإتقان وأهل هذا الفن في مكة المكرمة وعلى رأسهم المنشد الديني المعروف السيد عباس علوي مالكي الحسنى فارشدنى إلى كتابه " هكذا كانوا " فاستقيت هذا التوضيح من كتابه المذكور فله منى خالص الشكر والتقدير : فالتواشيح المكية العربية وتسمى أيضا بالقدود المكية التي هي تسمى بالصهبة تؤدى على وزن وإيقاع ونغم يجمع الأنغام الموجودة السبعة التي هي أساس هذا الفن وهى مجموعة في كلمة ( بحمر دسج ) فالباء : البنجكه , الحاء : حجاز أو الحسيني , والميم : المايا , والراء : الرصد , والدال : الدوكة , والسين : السيكة , والجيم : الجاركة . وهى أسماء فارسية فمثل : الباء : البنج , والجيم : جهار , وهكذا . ولكن هناك أيضا مجموعة ثانية وهى كلمة ( صنع بسحر ) فالصاد : صبا , والنون : نهوند , والعين : عجم , والباء : بيات , والسين : سيكا , والحاء : حجاز , والراء : رصد . وكـــلمــة( بحمر دسج ) جامعة لفروع كثيرة فمثلا : الباء : يخرج منها النغم العربي وهو البيات , والبيات يخرج منه الحسيني والشورى والعزبر وبيات الكرد واللامى والمحيّر النوى . الحاء هنا : يخرج الحجاز ويخرج منه الاصفهان . وهكذا المايا فهي نغم فريد ويسمى في العالم العربي بالركب أو بالهزام . الراء وهو الرصد فتخرج عدة أنغام منه رصد الكردان ومنه رصد القرفة ومنه رصد الاصلى ومنه الجواب أي الحراب وهو نغم في الحجاز . الدال وهو عندنا في الحجاز يسمي الدوكة وهى جواب للحسيني , وعند أهل الفن العربي تسمى دوكاه أي بمعنى متوسط الصوت وهى جيدة لصاحب الصوت القوى . السيكه وهى تحمل عدة أنغام السيكه المستعارة الأوج الركب الهزام . الجاركه وهى فرع من العجم ولكن في الحجاز نغم قائم بذاته .
وهناك الغناء المصمودى وهى يغنى في جميع حارات مكة المكرمة وهو يوزن على أربع نقرات وإذا وسعّت تكون ثمانية ضربات . وهناك الغناء الذكرى وهو غناء يختص به أهل مكة في حارات معدودة مثل حارة النقا والسليمانية وسمى بذلك لأنه موزون على نغمة الذكر لله وأدواره واحدة ولكن سرعة الإيقاع فيه قليل ووزنه ضربتين وفيه أربع فقط وأكثر كلامه من الشعر القديم الذي فيه من توحيد الله ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والوعظ والإرشاد .
3ــ جسيسو مكة المشاهير : قال ضيفكم الكريم(( وفى مكة المكرمة جسيسون مشهورون من بينهم : حسن جاوه وعمر بكّر ( توفى في الثمانين ) وابوخشبة ( وكان مبدعا في البنجكه ) واللبني ( وكان يجيد الصوت المنائرى ) وسراج قاروت وعمر أربعين والزمزمى وزيني بيان الجاوى والكحيلى و رحمهم الله جميعا كانوا يجيدون أنغام البنجكه والحجاز داخل حمر دسج )) . وهنا لنا وقفات وتعليقات خفيفة منها : أن الشيخ عبد الله فرج خلط الاوارق ببعضها فجعل من بعض القرّاء المعرفين بمكة لقراءة القرآن الكريم جسيسا مثل المشايخ سراج قاروت وعمر أربعين وزيني بويان وليس بيان وهو حي يرزق أمد الله في عمره والشيخ الكحيلى رحمهم الله جميعا فهولاء وغيرهم مثل الشيخ جعفر جميل ومحمد نور أبو الخير وجميل ومحمد آشى وصالح تميم والحجازي وعباس مقادمى وزكى داغستاني كانوا يؤدون القراءة على الأنغام المعروفة بجانب أدائهم للقصائد الدينية والمدائح النبوية , ولم نسمع أن أحدا من هولاء كان جسيسا يرفع صوته في الأفراح .
أما الآخرون أمثال الركن والشيخو والكردوس وصالح حلواني وحسن جاوه والسيد عبد الرحمن مؤذن المعروف بالبلاتين والشيخ حسن لبنى والشيخ سعيد ابوخشبة وحمزة الشربجى وغيرهم كثير فهولاء يؤدون المجس بأصوات قوية وحناجر متينة وبعضهم كان مؤذنا في الحرم المكي الشريف كالشيخ عبد الله بصنوى ولكنه لم يكن جسيسا .
وقد غاب عن ضيفنا الكريم ذكر صاحب الصوت الشجي بلبل الحجاز ومنشدها المعروف السيد عباس علوي مالكي الحسنى الذي يعتبر بشهادة أهل الصنعة وأهل الفن الانشادى انه إمامهم وعنده الشيء الكثير والكثير حول النغم والإنشاد وقصص الركب وما كتابه " هكذا كانوا " إلا صورة حقيقية ومشرقة لكل هذه الفنون والقدود والتواشيح المكية .
والشكر كل الشكر للدكتور خالد باطرفى الذي قام مشكورا بتسجيل وإعداد هذه الذكريات الجميلة والتي حملنا الشيخ عبد الله فرج لآفاق الماضي التليد بعبق لازلنا نتمنى عودته بنسائم من الحب والوفاء والتقدير .